أيّ الأناجيل أهدى إلى الحق
أيّ الأناجيل أهدى إلى الحق؟!
(1/5)
شنودة أم برنابا
قل هاتوا برهانكم
محمد عبد الشافي القوصي
نشرت جريدة "المصري اليوم" تصريحات لرأس الكنيسة المصرية (الأنبا شنودة) وذلك بمناسبة احتفال النصارى بـ"عيد القيامة" منها؛ أنه لمّا سُئِلَ عن (إنجيل برنابا) قال: إنه مضحكة، وليس إنجيلاً !
ولم يعلّل على مقولته، أو يأتي بما يثبت أنه مضحكة كما يقول!
وقد عرضت كلام (الأنبا شنودة) على كثير من الزملاء والأصدقاء المسيحيين العقلاء، فاستنكروه، وحرّضوني على الرد على كلامه .. لكنّني لم أكترث باعتبار أن هذا شأناً مسيحياً، وأن القوم أحرار فيما يعتقدون. فضلاً عن أنني شرحت هذه القضية بوضوح في كتابي"مُحمّد مُشْتَهَى الأُمم Desire of nation's muhammad". ومع إصرار بعض الإخوة المسيحيين على الرد، لدرجة أنهم قدّموا لي كثيراً من الأدلة والوثائق التي تدحض كلام (البابا). من هنا عزمت على كتابة هذه الحلقات .. فإلى التفاصيل:
أولاً: يبدو أن (إنجيل برنابا) مضحكة من وجهة نظر(الأنبا شنودة) لأنه الإنجيل الأوضح في الإقرار بالوحدانية للحي القيوم، كما أنه الأكثر إثباتاً لبشرية المسيح، والأكثر بشارة لنبوة مُحمّد.
ثانياً: إنّ (إنجيل برنابا Gospel of Barnabas) هو الإنجيل الوحيد الذي يخلو من المتناقضات التي تضجّ بها الأناجيل الأخرى، بلْ يمتاز بقوة التصوير، وسمو التفكير، والدقة البارعة والعبارة المحكمة والمعنى المنسجم، ومع ذلك لم تعتمده الكنيسة أُسوة بغيره من الأناجيل، مع أن كنيسة الإسكندرية كانت تعترف حتى عام 325م به باعتباره إنجيلاً موثقاً كنائسياً. ولقد كتب أرانيوس Iranaeus (130-200م) يؤيد الوحدانية، ويعارض بولس لإدخاله التعاليم الرومانية الوثنية، والفلسفة الأفلاطونية إلى المسيحية، وكان يستشهد في كتابته بالكثير مما جاء في إنجيل برنابا، مما يدلّ على أن هذا الإنجيل كان متداولاً حتى القرن الثالث بعد الميلاد.
يعني أن إنجيل برنابا كُتِب ووُجِد قبل مجيء الإسلام، فلقد ورد تاريخياً ذكر إنجيل برنابا ضمن منشور أصدره البابا جيلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكية البابوية سنة 492م أصدره في بيان الكتب التي أحرقها وحرّم قراءتها، والتي بلغ عددها 270 إنجيلاً، وكان من ضمنها إنجيل برنابا، وكان صدور هذا المنشور في أواخر القرن الخامس الميلادي. وقد حمل (إنجيل برنابا) من الأمارات ما يدلّ على أنه يمتد بنشأته إلى أبعد أعماق التاريخ المسيحي. وهو يشبِه الأناجيل القائمة في أنه يحكي قصة المسيح من ولادته إلى رفعه، ويحكي محاوراته ومناقشاته وخطبه، ولكن الكنيسة لم تعترف به وأنكرته، وهو متداول وشائع بين علماء أوربا. وقد اتجهوا إليه بالبحث والعناية والاهتمام، ولم يمنعهم من ذلك إنكار الكنيسة له. فـ"برنابا" قديس من قديسي المسيحيين باتفاقهم، ورسول من رسلهم، وركن من الأركان التي قامت عليها الدعاية للمسيحية الأولى، وهو من الحواريين الذين اختصهم المسيح بالزلفى إليه والتقرب منه، وملازمته في سرائه وضرائه، وهو حُجّة عند المسيحيين، وهو من الملهمين في اعتقادهم.
أقدم نسخة لإنجيل برنابا
اتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الإنجيل، نسخة مكتوبة باللغة الإيطالية، عثر عليها كريمر –أحد مستشاري ملك بروسيا- وذلك في سنة 1709 وقد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشار في سنة 1738 إلى البلاط الملكي بفيينا. وكانت تلك النسخة هي الأصل لكل نسخ هذا الإنجيل في اللغات التي تُرجِم إليها. ولكن في أوائل القرن الثامن عشر، وجدت نسخة إسبانية ترجمها المستشرق سايل إلى اللغة الإنجليزية، ولكن لم يُعلم من تلك النسخة وترجمتها إلا شذرات أشار إليها البروفيسور هوايت. وقد رجّح المحققون أن النسخة الإيطالية هي أصل النسخة الإسبانية. وفيها ورد ذكر راهب لاتيني اسمه فرامينو يقول في المقدمة: "إنه عثر على الرسائل لإيريانوس وفيها رسالة يندد فيها بما كتبه بولس الرسول، ويسند تنديده إلى إنجيل برنابا، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا، وقد وصل إلى مبتغاه لما صار أحد المقربين إلى البابا سكتس الخامس، فإنه عثر على ذلك الإنجيل في مكتبة هذا البابا، وطالعه، فاعتنق الإسلام". فأقدم نسخة معروفة –إذن- هي النسخة الإيطالية التي عُثِر عليها في فجر القرن الثامن عشر، وقد وُجِدت في جو مسيحي خالص، فلا مظنّة لأنْ تكون مدخولة عليهم. فأول من عثر عليها في خزانة كتبه رئيس ديني مسيحي، وكاشفها راهب، ولما تداولتها الأيدي انتقلت إلى مستشار مسيحي، ثم آلت إلى البلاط الملكي بفيينا، وهي منسوبة لقديس من القديسين هو برنابا، ولم يُعرف بهذا الاسم سواه، له مثل مكانته الدينية، فكان وجود إنجيل له أمراً معروفاً بين علماء المسيحية. وكما يشهد التاريخ، وكما تنبئ عنه المقدمات والنتائج، فإن إنجيل برنابا كان معروفاً متداولاً قبل بعثة النبيّe بأكثر من قرنين. وورد فيه اسم (مُحمّد) صراحة حوالي ثلاثين مرة .. أيْ أكثر مما ورد في القرآن الكريم! كما أنه الإنجيل الوحيد الذي اشتمل على أخبار دقيقة عن التوراة، ولصاحبه إلمام عجيب بأسفار العهد القديم لا نكاد نجد له مثيلاً بين طوائف النصارى.
من كَتَبَ الأناجيل؟
ولنتأكد أكثر من هو المضحكة: (إنجيل برنابا) أمْ (كلام الأنبا شنودة)؟
إليكم هذه الحقائق المرة، التي لا يجرؤ أحد على أن ينفي شيئاً منها .. لأنها موثقة في جميع المراجع ودوائر المعارف العالمية!!
اتفق علماء وفلاسفة المسيحية على أنه ليس من بين أصحاب الأناجيل المتداولة والمعروفة من عرف السيد المسيح شخصياً أو سمعه وهو يتحدث أو صحبه في جولاته، فجميعهم غرباء عنه فيما عدا (برنابا Barnabas) وأجمعوا على أن الأناجيل الأربعة المعتمدة كُتبت باليونانية أولاً، وهي لغة غريبة عن السيد المسيح الذي كان يتكلم الآرامية المصرية، فلقد ذهب إلى مصر وهو طفل وعاش بها حتى الثانية عشرة. كما لم تتمتع هذه الأناجيل الأربعة بالحماية أو الحصانة الكنسية طوال القرن الأول الميلادي، وتعرضت بعد ذلك للتبديل والتغيير والتحريف.
وأقدم المخطوطات الموجودة للأناجيل الأربعة هي Codex sinaticus codex vaticanus And Cocex Alexandrinus ترجع إلى القرن الرابع والخامس الميلادي، ولا أحد يعرف مدى التعديلات أو طبيعتها التي أُدخِلت على هذه الأناجيل في الفترة السابقة.
جاء في مخطوطة Bodmer الثانية التي صدرت سنة 200 م والتي وضعت اسم "يوحنا" إلى جانب الإنجيل المنسوب إليه: أن الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل صدرت في أول الأمر دون ذكر اسم المؤلف، ثم وضعوا أسماء مؤلفيها على حسب ظنهم في القرن الثاني الميلادي.
وقد ورد في مجلة التايمز Times الصادرة في 30 ديسمبر 1974 مقال تحت عنوان: "إلى أيّ مدى وردت الحقيقة في الإنجيل وتستطيع أن تطلب نسخة مجانية عن الأخطاء الـ 50 ألف الواردة في الإنجيل" والتي أُعيد طبعها ونشرت في مجلة اليقظة المسيحيةChristian Awakening في 8 سبتمبر 1957 فلا عجب إذا علمنا أنه يوجد أربعة آلاف نص باللغة اليونانية للإنجيل الواحد!
وفي كتابه "تحريف الكتاب المقدس" يقول تونى باشبي T.bushby: إن دراسته لنسخة الكتاب المقدس المعروفة باسم (كودكس سيناى Codex Sinai) وهى أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس والتي تم اكتشافها في سيناء، ويقال إنها ترجع للقرن الرابع، أثبتت له أن هناك 14800 اختلاف بينها وبين النسخة الحالية للكتاب المقدس .. وهو ما يثبت كم التغيير والتبديل الذي يعاني منه هذا الكتاب.
ويؤكد أنه لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة ما كانت عليه نصوص الكتاب الأصلي من كثرة ما ألمّ بها من تغيير وتحريف. وتكفي الإشارة إلى أنه في عام 1415م قامت كنيسة روما بحرق كل ما تضمنته كتب القرن الثاني، ويقال إنها كانت تضم الإسم الحقيقي ليسوع المسيح. وقام البابا بنديكت الثالث عشر بإعدام بحث لاتيني بعنوان "مار يسوع" ثم أمر بإعدام كل نسخ إصحاح (إلكساى Elxai) وكان يتضمن تفاصيل عن حياة ربي يسوع (Rabbi Jesu).
ويقول توني باشبي: إن العديد من الناس يتصورون أن طبعة الملك جيمس هي "أصل" الكتاب المقدس، إلا أن واقع الأمر هو: "أن النص اليوناني الذي استخدم في الترجمة الإنجليزية، والذي يعتبره الكثيرون نصاً أصلياً، لم يُكتب إلا في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، والنسخة الحالية للملك جيمس king james منقولة أصلاً عن نسخة من خمس نسخ لغوية عن الأصل الأصلي الذي لا نعرف عنه أي شيء"!
ويقولCadoux في كتابه (حياة المسيح): "إننا نجد مادة ذات طبيعة مختلفة ومتنوعة كل التنوع، ولا يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان إليها في الوثائق الرئيسة التي يجب أن نلجأ إليها إذا ما أردنا أن نملأ الفجوات من مصادر أخرى في الأناجيل الأربعة، وعلى ذلك نجد أن عنصر الشك القاتل يغرينا بأن نتوقف في الحال، ونعلن أن المهمة ميئوس منها، كما أن المتناقضات التاريخية التي تحويها الأناجيل الأربعة والاستحالات التي وردت في بعض أجزائها قد استخدمت في دفع الحجج التي استشهدوا بها في أسطورة المسيح، وجميع هذه الاستحالات والمتناقضات التاريخية قد نقضتها اعتبارات أخرى. ومع ذلك فإن المتناقضات والأمور المشكوك فيها المتبقية على جانب كبير من الأهمية، وبالتالي نجد الكثيرين من المحدثين الذين لا يرتابون إطلاقاً في أن المسيح قد وُجِد حقيقة يعتبرون أي محاولة لاستخلاص الشكل التاريخي الحقيقي أمراً ميئوساً منه، بحيث لا يمكن إعادة تكوين قصة المسيح من بين الأساطير والرواسب التاريخية المتبقية في الأناجيل".
وقد ورد في المنشور الذي أصدره البابا جيلاسيوس Gelasianum–الذي جلس على العرش البابوي عام 492م أنه أعدم الأناجيل وعددها 270 إنجيلاً منها إنجيل برنابا Barnabas في غضون خمس سنوات. ولا أحد يدري سر إعدام هذه الأناجيل، مع أنهم يزعمون أنها وحي!
كما أن كنيسة القسطنطينية شهدت رسم المطران آريوس Arius–بطريرك الإسكندرية- الذي اغتيل حوالي 335 م لأنه كان ينادي بالوحدانية. كما أن البابا هنورياس الأول Honorius الذي تولى البابوية من سنة 625م إلى سنة 678م كان قد أُعدم بسبب مناداته بالتوحيد، وذلك في عام 682م بقرار من مجلس الكنيسة في القسطنطينية، لإرهاب الموحِّدين في ذلك الوقت. حيث اتهم أحد البطارقة بإعداد انقلاب ضده. وقد عاصر البابا هنورياس الأول Honorius بعثة الرسول مُحمّدe وكان يرى في رسالة الإسلام تشابهاً كبيراً مع ما ينادي به آريوس، ورأى وجوب إيجاد صلة أو جسر بين الإسلام والمسيحية، وأشار في خطاباته إلى أنه يؤيد مذهب الإرادة الواحدة أو الفكر الواحد، وقال: إن الله إذا ما كانت له إرادات ثلاث أو أفكار ثلاث فإنّ النتيجة هي الفوضى، وأن النتيجة الطبيعية تؤكد وجود إله واحد فقط. ولم يجرؤ أحد على التصدّي رسمياً لهذا الرأي لمدة ثلاثة قرون إلى أن حدث إعدام البابا هنورياس.
وفي عام 314 م عُقِد مؤتمر في أنطاكية Antakya وأعلن وحدانية الإله باعتبارها التفسير الصحيح للديانة المسيحية، وأكد هذا القرار اجتماع آخر عُقِد في سيرميم Sirmium في عام 351م، وكان من نتيجة ذلك أن شاع مذهب التوحيد الذي نادى به آريوس وأصبح دين الأغلبية المطلقة من المسيحيين، حتى إن القديس جيروم St.jeroome كتب في عام 359م (أن العالم كله قد ابتهج باعتناقه مذهب آريوس Arius).
وذكرت دائرة المعارف البريطانيةE B. في المجلد الحادي عشر صـ663 أن الوحدانية استمرت في كنيسة القسطنطينية حتى تاريخ وفاة البابا هنورياس الأول -أيْ بعد جيلاسيوس- وأنّ اعتناق هؤلاء المسيحيين مبدأ التوحيد وهم يشغلون أرفع منزلة في الكنيسة، دليل على وجود نصوص لاهوتية مقنعة، لأن التوحيد هو رسالة عيسى –عليه السلام.
وهناك شخصيتان هامتان: الأولى، هي شخصية الراهب سوزيني L.f.m.sozzini عاش في الفترة من (1525-1565) المولود في سييناSiena والذي لجأ إلى التصوف بتأثير كاميللو وقد ذاع صيته في سويسرا وراح يتحدى كلفن Calvin في التثليث، وأخذ يشرح مبدأ آريوس مستنكراً أُلوهية المسيح، رافضاً نظرية الخطيئة والكفارة ودعا إلى ضرورة التوجه إلى الواحد الأحد والإله الفرد الصمد. وتبعه في هذا المذهب ابن أخيه ف.ب. سوزيني.
والشخصية الثانية هي: البطريرك فرانسيس ديفيد francis david الذي عاش في الفترة من (1510-1579) ورفض التثليث كل الرفض، وأدى ذلك إلى قيام طائفةRacovian catechism في بولندا، وأصبحت حصناً لمذهب آريوس في رفضها للتثليث وألوهية المسيح. وقد اعترف الراهب أسناسيوس Athanasios -وهو من أصحاب التثليث- في أخريات حياته، اعترف قائلاً: (إنهم ليسوا ثلاثة، بلْ إلهٌ واحد).
إن جميع علماء المسيحية وآباء الكنيسة، بلا استثناء يتفقون على ضياع جميع النسخ الأصلية سواء العهد القديم أو الإنجيل، وإن كثيراً من الإخفاء والتحريف والتغيير قد وقع لأسباب سياسية، وتاريخية، ومذهبية، وغيرها.
ومادام الأمر كذلك .. فبماذا يتعبّدون؟ وإلى أيّ شيء يحتكمون عند البحث عن الحقيقة؟!
وهم حيارى إزاء هذه القضية، وتبدو حسرتهم واضحة في هذا الأمر بالذات، ودائماً يقرّون بذلك أمام قرائهم ومستمعيهم الذين يتشوقون لمعرفة الحقيقة، للخروج من هذا المأزق العقائدي! وقد سجلوا هذا الكلام في كثير من أبحاثهم ومؤلفاتهم، مثل: "قاموس الكتاب المقدس" صفحة 844 الذي شارك فيه أكثر من عشرين قس من الكنيسة الإنجيلية وغيرها. وكذلك كتاب "فكرة عامة عن الكتاب المقدس" الصادر من دار مجلة مرقص القبطية. وكتاب "المدخل إلى العهد الجديد" للدكتور فهيم عزيز صفحة 111،112 فجميع هذه الكتب تؤكد "أن أقدم مخطوطة وصلت إلى أيدينا تصل إلى النصف الأول من القرن الثاني". وجاء في مدخل العهد الجديد صـ12 للآباء اليسوعيين أو الرهبانية اليسوعية، ما نصه: "نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة، بلْ يمكن للمرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية"!
وإذا نظرنا مثلاً في صـ15 من كتاب "مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين" نجده يقول: "في رسالة بولس إلى العبرانيين ورسالة بطرس الثانية ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة ورسالة يهوذا وسفر الرؤيا: إنه أثناء رحلة الكتب المقدسة وقعت أخطاء من زمان إلى زمان لعدم معرفة صناعة الطباعة يومئذ، فوقع الحذف والتغيير والخلل في الحروف والكلمات أثناء نسخها". وفي كتابه "مقدمات العهد القديم" يؤكد الدكتور وهيب جورجي كامل -أستاذ العهد القديم بالكلية الإكليريكية- أنه "لم تصلنا المخطوطات الأولى للكتاب المقدس، التي سبق أن دونها كتبة الأسفار بأقلامهم". وهذا ما أكدته أيضاً "دائرة المعارف الكتابية" في صـ 279 من الجزء الثالث. ويتفق كتاب "دليل إلى قراءة الكتاب المقدس" بقلم الأب اسطفان شربنتييه، والذي ترجمه للعربية الأب صبحي حموي اليسوعي صفحة 234 يتفق مع ما ورد في صفحة 19 من كتاب "مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية" للدكتور القس إميل ماهر إسحاق -أستاذ العهد الجديد واللاهوت بالكلية الإكليريكية واللغة القبطية بمعهد اللغة القبطية بالقاهرة- ما يلي: "ليس بين أيدينا الآن المخطوطات الأصلية، أيْ النسخة التي بخط كاتب أي سِفْر من أسفار العهد الجديد أو العهد القديم، فهذه المخطوطات ربما تكون قد استُهلِكت، أو قد تعرض بعضها للإتلاف أو الإخفاء في أزمنة الاضطهاد، لذلك من يدرس مخطوطات الكتب المقدسة بلغاته الأصلية أو ترجماته القديمة يلاحظ وجود بعض الفروق في القراءات بين المخطوطات القديمة، ويمكن إرجاعها إلى تغييرات حدثت عن غير دراية من الناسخ خلال عملية النسخ". ويزداد الأمر وضوحاً في كتابي: "مدخل إلى النقد الكتابى"، و"وحي الكتاب المقدس" للمهندس يوسف داود رياض- الذي عرض فيهما لكثير من الأخطاء والمتناقضات، ثم تساءل بألم وحسرة بالغة: "فأيّ قراءة نعتمد من هذه القراءات"؟!
وسواء كان التحريف والتبديل الحالي في الأناجيل وقع بحسن نية أو بسوء نية، فإنه حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، وها نحن نذكر بعضاً منها على سبيل المثال:
أولاً: اختلافهم في نسب المسيح: فقد ورد نَسَبه في إنجيل متى مخالِفاً لما ورد في إنجيل لوقا. فإنجيل متى نَسَب المسيح إلى يوسف بن يعقوب وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود. أمّا إنجيل لوقا فنَسَبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام. وهذا مع تناقضه مخالف لما في (إنجيل متى 1:23)!
ثانيا: اختلافهم في عدد آباء عيسى عليه السلام: ذكر إنجيل متى أنهم سبعة وعشرون أباً، في حين أن إنجيل لوقا جعلهم اثنين وأربعين أباً، فبأيّ القوليْن نأخذ وأيّ الروايتين نصدّق؟ عِلْماً أن الفارق كبير لا يمكن ترقيعه، فليس أمامنا هنا إلا أن نؤكد بشرية هذا العمل "الأناجيل".
ثالثا: اختلافهم في تعيين حواريي عيسى: فإنجيل متّى ذكر منهم لباوس الملقّب تداوس، بينما لا نجد لهذا ذِكراً في إنجيل لوقا، ونجد بدلاً عنه يهوذا أخا يعقوب. فهل يمكن أن يكون كتاب مُوحَى به من الله تختلف فيه أسماء الحواريين .. على قلة عددهم!
رابعا: اختلافهم في أمر عيسى بما يُسمّى العشاء الرباني: فما جاء في (إنجيل متى 26:26) وفي (إنجيل مرقص 14:22) يخالف تماماً ما ورد في (إنجيل لوقا 22:19) عِلْماً بأن العشاء الرباني من الشعائر الهامة عند النصارى، فهل لنا أن نسأل أمام هذا الاختلاف بين هذه الأناجيل، فنقول: هل أمَرَ المسيح بما يُسمّى بالعشاء الرباني أمْ لم يأمر؟ فإنْ قيل: إنه أمر .. فمعنى هذا أن متى ومرقص قد أخفيا أو أسقطا أمره، وإنْ قيل لم يأمر فمعنى هذا أن لوقا قد زاد في إنجيله، وكلا الخياريْن يؤيد دعوانا بتحريف الأناجيل.
خامساً: اتهام من شَهِد على عيسى بالزور: فقد ورد في (إنجيل مرقص 14:57) في قصة محاكمة عيسى أمام شيوخ اليهود الذين اتهموه بالزندقة، حيث طلبوا من يشهد عليه، فقد جاء فيه: "ثم قام قوم وشهدوا عليه زورا" ففي هذه الرواية وصف لشهادتهم بأنها شهادة زور، في حين أن مضمون هذه الشهادة ثابت عن عيسى طبقاً لما ورد في (سِفْر يوحنا 2:19) فنحن بين خياريْن إمّا أن نُكذّب يوحنا أوْ نُكذّب مرقص!
سادسا: اختلافهم فيما وقع عند موت عيسى حسب زعمهم: ومن ذلك ما جاء في (إنجيل متى 27: 51-53) أن عيسى عليه السلام عندما أسلم الروح -زعموا- أن "الأرض تزلزلت والصخور تشقّقت، والقبور تفتّحت ..." ومع ذلك لم يرِد له ذكر في بقية الأناجيل!
كل هذه الأمثلة تدل دلالة قطعية على أن هذه الأناجيل ليست وحياً من الله سبحانه، إذْ لو كانت وحياً لخلَتْ من التناقض والتضارب ومن الزيادة والنقصان، وهي حقيقة لا يمكن للنصارى دفعها .. كما أنها تحتاج إلى تبرير منطقي ممن يزعمون أن الأناجيل لم يدخل عليها التحريف!
والآن نتساءل: أيهما المضحكة (إنجيل برنابا) أم (كلام الأنبا شنودة)؟!
(يتبع)