الدولة المدنية هي الحل

محمد زهير الخطيب/ كندا

[email protected]

بعد انفتاح العالم على بعضه وتعدد الاديان والطوائف والقوميات في معظم البلدان، الحل اليوم هو الدولة المدنية وليس الدولة دينية.

 دولة مدنية تقوم على عقد اجتماعي للمواطنة أساسه الحرية والمساواة والعدل واستقلال السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومصدر التشريع فيها هو البرلمان والمشرعون هم البرلمانيون وعندما تكون أكثرية أعضاء البرلمان ذات مرجعية ليبرالية تاتي التشريعات ليبرالية، وعندما تكون أكثرية البرلمان ذات مرجعية محافظة او إسلامية تأتي التشريعات بتلك التوجهات وهكذا...، مع ملاحظة أن الاكثرية لا يجب أن تلغي اسس العقد الاجتماعي للمواطنة القائم على الحرية والمساواة والعدل.

الدولة المدنية تقوم على مبدأ المواطنة التي ليس فيها مفاهيم أهل الذمة والجزية والطائفية والتكفير. وتقوم على الحرية فليس فيها عقوبة على تغيير الدين أو الالحاد وليس فيها حواجز أمام الدعوات الدينية والفكرية، وتسمح بجميع أنواع الاحزاب من اليمين إلى اليسار وفيها صحف لخالص جلبي ووصال بكداش وسومر الاسد وجهاد خدام وعلي الاحمد ومحي الدين لاذقاني وبثينة شعبان... ولاشك أن كل هذا يخضع للوائح وضوابط وحدود يبينها القانون الذي يسنه البرلمان الذي يمثل الشعب بنزاهة.

وعلى ذكر الحزب الشيوعي فان في كندا حزب شيوعي رسمي مغمور ضعيف العضوية مهمل الذكر ليس له أي صوت في البرلمان ولا يذكره أحد لا بخير ولا بشر لشدة ضعفه، وهذا في بلد حر لا علاقة له بالاسلام وليس فيه محاربة للالحاد أو الشيوعية، ولكن الناس تعزف عنه لعدم إحساسها بان هذا الحزب يمثلها أو يلبي توجهاتها.

 الدولة المدنية فيها حماية للقوميات والثقافات واللغات التي ينظر إليها نظرة إيجابية كمصدر إثراء وحيوية للمجتمع وأنا عربي ولكن عندي حفيد كردي إسمه أمير من حقه أن يتكلم ويتعلم لغته الكردية، ولوعدنا إلى سوريا فسارسله إلى مدرسة تعلم باللغة الكردية إن شاء الله.

 الدولة الاسلامية أو الكاثوليكية أو اليهودية أو القبلية دولة قد يدعو إليها شعب متجانس من نوع واحد وهذا شأن داخلي تقرره الشعوب المتجانسة إن وجدت، فمادام كل الشعب راض بذلك فهذا شأنه، وهذه ليست حالتنا في سورية على الاقل التي هي مدار بحثنا.

أما عن علاقة العلمانية بالديمقراطية، فينسب للدكتور جورج طرابيشي قوله لا ديمقراطية بلا علمانية... ولكي نفهم الكلام فهما صحيحا من المناسب الاتفاق على مدلول المفردات وأخص منها (العلمانية). العلمانية هي ترجمة للكلمة الانجليزية ( Secular) والترجمة الصحيحة هي (دنيوي) وبما أنه لا مشاحة في الاصطلاح فسنقبل تعريف كلمة (سكيولار) على أنها علمانية، ولكن محددا بمعنى دنيوية أي (مرتبطة بالدنيا والواقع ولا تخضع لسلطة أبوية او شمولية أو غيبية أو فلسفية) ويشمل هذا الاديان والايديولوجيات الشمولية كالشيوعية... وولاية الفقيه...

فمظاهر التفكير الايديولوجي الشمولي لا تنفرد به الاديان إنما له تطبيقات كثيرة وأشهرها التفكير الشمولي للقائد الضرورة الذي يسمح بديمقراطية شكلية ثم يعطل القوانين بتوجيهاته المعصومة الملزمة المستعصية على المحاسبة. وعليه وبهذا الشمول يصح القول أن لا ديمقراطية بلا علمانية (دنيوية).

وبعد هذا الاقرار الواضح بأن الحكم للشعب والاكثرية وأن لا سلطة لاحد فوق سلطة الشعب، لابد من قبول اطروحات جميع الاتجاهات السياسية الديمقراطية على اختلاف مرجعياتها،  هذه الاطروحات التي تقدم للمناقشة والحوار دون فوقية ودون أن تقدم كواجبات دينية واطروحات لولاية الفقيه أو ايديولوجيات يسارية أو يمينية، عندها لكل تيار سياسي مرجعيته ورؤيته المحترمة للتشريع والقوانين يتم الحوار حولها في البرلمان وتتخذ فيها القرارات بالاكثرية.

إذن هناك دين وايديولوجيا ولكنها ليست فوقية والزامية بل منضبطة بالدستور والديمقراطية، وحتى لا يكون كلامنا استنبات بذور في الهواء، يمكن أن نستشهد بالتجربة التركية كنموذج مناسب لهذا الفهم وللدولة المدنية التي نريد.