مجرد رأي
م.نجدت الأصفري
لا أدري الدافع الذي يشدني أن أبحر في محيط عميق لست أهله للغوص في طيا ته
معرضا نفسي لخطر يغلبني ويصرعني ، لكن شعورا طغى عليّ وقد عشت فترة طويلة بعد عودتي من مرض أقعدني عن متابعة ما يثيره أصحاب الكفاءات من مواضيع أنا لست من صنوهم وحتى لست من تلاميذهم ، لكنني على قلة بضاعتي المزجاة فكرت مليا في رفع العتب عني بطرح أفكاري البسيطة لعل من هو أعلم مني وأدرى بحالنا أن يلتقط منها ولو كلمة أو فكرة تصلح أن يشذبها ويظهر محاسنها إن كان هناك من شيء يستحق أن يؤخذ .وقبل أن أرمي بنفسي أريد أن أسجل النقاط التالية :
أنا لست من الأخوان المسلمين ، كما أنني لم أكن في يوم من الأيام من كوادر أي حزب سياسي أو اجتماعي أو حتى من فصائل الكشافة الأبرياء . مع أنني ملتزم بشعائر هذا الدين العظيم فقد أديت من فضل الله عليّ شعيرة الحج سبع مرات وعشرات المرات من العمرة ولم أنقطع عن الصلوات في المساجد إلا بعذر من مرض أو سفر ، ومع هذا يصر الحكم في سوريا أن يحسبني من كوادر الأخوان مما يشرفني أن أتهم بأنني من حملة هذا الاسم ، فما هو أكرم من أن تكون أخا للمسلمين( إنما المؤمنون أخوة ) .
أنا سوري الأصل والمولد ، لذا سمحت لنفسي أن أدلي بشيء يخص بلدي ووطني مهما بعدت بي المسافات وحملت الجنسيات وتكلمت اللغات . فليس الوطن شيء يحب ويكره بل الوطن من المقدسات ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء) .
بعد هذه المقدمة التي شرحت فيها المبررات لدخولي هذه الساحة الرهيبة ، أقول :
كثرت المناقشات وتعددت الطروحات حول وضع الإخوان مع الحكم العنصري في سوريا ، وتنوعت الآراء وذهب كل من أخوتي في اتجاه وصل بعضهم لرفع اليدين مستسلما ، وحمّل بعضهم الإخوان مسوؤلية ما حصل من مواجهات بين صقور الإخوان وحمائمهم مع السلطة ورأوا أن تعاد عملية جس النبض والنزول على ما يراه الحاكم من شروط يمكن قبولها أو تعديلها عبر وسطاء لهم يد عنده ودالة عليه .
لكن اليوم فاجأنا الدكتور الحصيف ( أحمد مطر ) بمقال شرق فيه وغرب ، ووضع وزر ما حصل من مواجهات على عاتق الإخوان ، فكا ن حكما أشد خصومة من الحكم نفسه عندما كال بلا قناعة أو منطق الاتهامات لطرف واحد وكاد أن يبريء الحكم من مسوؤليته عن كل ما اقترف من آثام وارتكب من جرائم وغطى أرض الوطن بجثث الأبرياء فثكل الأمهات ورمل الزوجات ويتم الأولاد وغيب عن العيون عشرات الآلاف من البشر في الزنازين منذ منتصف السبعينات حتى يومنا هذا ، وشرد مئات الألوف من الوطن يتسكعون في قفار العالم تنشدون السلامة من حكم متوحش لا يشبع نهمه للدماء حتى ساعتنا هذه .
كان الأحرى بمن يريد أن يكتب في موضوع أن يكون متجردا للحقيقة ولا يكون مجرد ناعق من أبواب السلطة المارقة .
الحقيقة الناصعة هو أن حافظ أسد ( كبيرهم الذي علمهم السحر ) فتك بكل من كان حوله حتى من رفاق دربه وأهل عشيرته (صلاح جديد ، ومحمد عمران نماذج ) فهل كانوا هؤلاء من الإخوان ؟
ومشيل عفلق الرفيق المؤسس الذي هرب من تحت يده قبل أن يظفر به ليبقى بجوار صدام حتى مات في بغداد ، وصلاح البيطار والجندي اللذان أرسل إليهما رسولا يقتلهما في أحد مصاعد باريس وهما من مؤسسي حزب البعث ، فهل هما من الإخوان ؟
وقتل مضر بدران في القاهرة وهو رئيس وزراء سابق في الأردن فهل كان هذا من الأخوان ؟ وقتل الشهيدة بنان الطنطاوي في ألمانيا فهل كانت من الإخوان المسلمين ؟
لقد امتهن الحكم السوري مهنة القتل ، لهذا تعامل مع كل عصابات الإجرام العالمية ليشيع الإرهاب في قلوب الجميع ، ولم يوفر العراق فأرسل المتفجرات عبر المسافرين وأنا أحد من الذين طلبت من قبل أمن الدولة في دمشق في إحدى إجازاتي ليفاوضني المدير العام أن أحمل معيّ شيئا سنعلمك أين تضعه أو تقوم بتسليمه لشخص نعينه ، وطبعا قبل أن يفتح معي هذا الحديث جعلني أتسلق سلما طويلا يستند إلى جدار فيه ستارة خضراء فطلبوا مني تسلق السلم حتى وصلت للستارة فطلبوا مني أن أفتحها ولما فعلت سطع في وجهي فجأة نور كمرة ( فلاش ) أرعبتني المفاجأة وإذا بالمصور يضحك قائلا أخذنا لك صورة فهل ارتعبت ؟ طبعا انتهت المفاوضات بيني وبين الرئيس بقولي هل أخبرك أحد أنني مجرم أروع أو أشارك في ترويع الآمنين ، ولصالح من أقوم بذلك لصالح بلدا حرمني أن أعيش فيه مع أسرتي ورماني في حر الكويت وجحيمها ، هذا الأمر حدث معي قبل أن يمنع النظام السوري مواطنيه من السفر للعراق في بداية السبعينات ولم يكن هناك للإخوان أي نشاط ضد الحكم .
كذلك وصلت جرائمه لتفجير سيارة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر وقد نقلت سابقا ما قاله لي مصدر أمني رفيع الرتبة في الكويت أنهم يعرفون أن جميع التفجيرات والقلاقل والمخدرات هي من تنفيذ وتخطيط الحكم السوري .ومع ذلك لا نستطيع المواجهة لضعفنا أمام حاكم مجرم .
عملية مدرسة المدفعية - أيها الأخوة – جاء بها الدكتور أحمد مطر على أنها جريمة كبيرة حكم على منفذها ( الشهيد إبراهيم اليوسف ) بأنه مجرم ولم يستطع أن يفهم أن الحكم الدموي لم يترك مجالا للمواطن أن يلتجأ إليه فقد حرم من كل شيء وسدت في وجهه كل السبل وكانت عملية مدرسة المدفعية هي الباب الذي فتح على مصراعيه أمام السوريين ليروا التحيز الواضح لصالح طائفة حافظ أسد بتركيبة عدد الطلاب العلويين في المدرسة وهم نسبة 7% قياسا لعدد طلاب باقي مكونات الشعب السوري 93% .
هل بدأ الإخوان نشاطهم في معارضة الحكم قبل تأسيس رفعت أسد ( أخو الرئيس ) جيشه المسمى ( سرايا الحراسة والدفاع ) أم بعده ؟
وماذا عن سرايا الصراع ؟ وماذا عن سرايا الالتحام ؟ وماذا عن 17 نوعا من المخابرات ذات الميزانية المفتوحة ليغدق الأموال على المخبرين والأزلام وضاف النفوس ليشتري ذممهم التي أفسدها حتى أصبح الأخ يشي بأخيه وجاره وأبيه ...فهل كانت هذه قبل الإخوان أم بعدهم ؟
هل بدأ الحكم الدموي خلع الحجاب عن رؤوس المسلمات قبل الإخوان أم بعده ؟ هل بدأ تجويع الشعب السوري وشغل المواطنين بلقمة العيش قبل الإخوان أم بعدهم ؟
كنت في مدينة حلب عام 76 وكنت مدمنا لفنجان قهوة كل صباح وإلا تملكني صداعا لا يحتمل ، ولم أترك محلا كان يبيع القهوة إلا سألته ، حتى رأيت في ( المنشية) طوابير قد لا يصدق أحد أطوالها ليشتروا القهوة ، رائحتها لا تشبه رائحة القهوة وحدد البائع حصة كل زبون بخمسين غراما فقط ، ولهذا حكاية مضحكة مبكية عن مصدر هذه القهوة ، فقد غرق حمل القهوة المرسلة من البرازيل لألمانيا بالمازوت في مستودعات السفينة وعنابرها فعوضت الباخرة المشتري عن السعر وأخذت شركة التأمين البضاعة عندما اشترتها سوريا عبر وسطائها وغمروا القهوة بالماء في برك السباحة ليطفو المازوت وظنوا أنهم بذلك أعادوها مادة صالحة لاستهلاك البشر.
لن أسرح في الذاكرة أعدد مثالب نظام دموي عنصري مجرم ، بل أريد أن أمر على بعض أفعاله أعدد بعضها بسرعة :
فقدان المواد الغذائية خاصة الأساسيات كالخبز والزيت والسمنة والسكر والملح حتى اضطر البشر أن يسألوا أصحابهم الذين لهم ولدا من أولادهم يخدم في لبنان ليسعفهم بالضروري من احتياجاتهم وأدويتهم ، أما الذين ليس لهم سند فكان عليهم الوقوف أمام المخابز طوال الليل ليتمكنوا من شراء عدد محدود من الأرغفة لأولادهم .
سياسة تمويت المنتجات الزراعية في صدور وأحضان أصحابها ولا يسمحون بتصديرها أو حتى نقلها بين المدن إمعانا في تفقير الشعب وتركيعه .وحتى يأخذها زبانية النظام بثمن بخس ويصدرها إلى لبنان ليقوم لبنان بإعادة تصديرها والاستفادة من أسعار السوق العالمية .
لجميع ما سبق : أرى من الأخوة الأفاضل أن يناقشوا موضوع الحكم الحالي من منظار واقعي ، فليس في أجندة بشار ((عفوا عن أحد)) ولو جاء زحفا ، إذ كيف يعفوا وهو يلملم كل يوم من أنحاء سوريا شرقها و غربها ، شمالها وجنوبها كل قلب يخفق بحب الحرية والكرامة والإنسانية ليزج بهم في أتون السجون ، فهل فداء حوراني ، وميشيل كيلو ، والبني ، والعبد الله هم من الإخوان ؟ وهل مشعل التمو وكل الأكراد الذين تعج بهم المحاكم والسجون هم من الإخوان ؟
وحتى أبو شادي ( عارف دليلة ) من الإخوان ؟
إذا هناك خطأ في الأماني والخيال لذا علينا أن نبحث عن وسيلة نجمع فيها أطراف معارضة حقيقية فاعلة وجادة ، تلتزم بالديمقراطية التي تضع نهاية لما يسمى الفردية والأنانية والشخصنة وأن يكون الإخلاص للقضية هو رائدنا في العمل ونتبرع لهذا التجمع بمالنا وأوقاتنا ، وأن نتبع الأساليب التي تؤدي إلى نتائج فاعلة ، فليس الاجتماع مع بعضنا هو ميزان النجاح والفشل بل يجب أن ننقل قضيتنا إلى العالم ونجعل اتصالاتنا مع مفكري العالم وقادة الفكر والسياسة ونشطاء حقوق الإنسان العالميين ، ونستبدل اسلوب المماحكة مع بعضنا بالتصويت والاقتراع ، ودعم من توضع المسؤولية في عنقه لمساعدته في تسهيل وصوله لأولي الصوت النافذ في الردهات العالمية ، وعمل وفود تمثل المعارضة لتقوم بتوصيل صوتنا لمن نراه صاحب كلمة وثقل في الشؤون العالمية .
وليس من آخر إلا أن نتناقش بموضوعية عن أساليب التواصل مع مفاصل القنوات العالمية حتى ولو كانت محسوبة لصالح النظام ، فلا أحد يدري كيف يغير الله القلوب والمواقف .
ومعذرة على الإطالة والسلام عليكم.