مسألة العقائد :
بين الاحتجاج والاستمزاج !
عبد الله القحطاني
1) العقائد الدينية ، تختلف عن غيرها ، من العقائد، والمذاهب الفكرية، والمبادئ والنظريات ، التي يبتكرها البشر لأنفسهم ، ويتناقشون حولها ، بعقول مجرّدة ، ويحتجّ بها ، بعضهم على بعض ، بأقوال بعضهم ، من المتقدّمين والمتأخّرين !
العقائد الدينية ، محكومة بنصوص يقدّسها أصحابها ! بعضها منزل من عند الله ، عزّ وجلّ.. وبعضها توارثته الأمم والشعوب ، عن أسلافها ، على أنه عقائد دينية ، منها ماله أصول ربّانية ، ومنها ماهو من أقوال أناس ، ذوي مكانة وشأن ، واحترام في أقوامهم .. أسبغت عليه الشعوب ، عبر مراحل تاريخية معيّنة ، قداسة من نوع ما ، وصارت تتوارثه ، على أنه دين مقدّس ، لايجوز لأحد التعرّض له بسوء !
معلوم ، لدى كل من أتباع الديانات السماوية الثلاث : اليهودية والنصرانية والإسلام .. أن ديانته منزلة من السماء ، وأنها هي الصحيحة ، دون غيرها !
أمّا الديانات الأخرى ، كالبوذية والهندوسية ، وسواها من العقائد غير المتأكَّد من مصادرها تماماً .. فتختلف فيها آراء الناس ، من غير أتباعها ! فمنها : ماهو مختلط من ديانات قديمة ، وثنية وغير وثنية .. ومنها : ماهو وثني بحت ، كعبادة البشر والبقر ، والشمس والقمر، والحجر والشجر .. ومنها ماهو مجوسي .. ونحو ذلك !
2) الحوار في العقائد ، شديد الحساسية والدقّة ، يحتاج إلى علم وافٍ ، لدى من يحاور بها ! لأن مسالكها دقيقة ، من حيث موضوعاتها ، العامّة والتفصيلية .. ومن حيث قدسيّتها في نفوس أتباعها !
3) الذين يتصدّون لمناقشة العقائد ، بعقول مجرّدة ، دون علم بتفصيلاتها .. على أنها مجرّد أفكار قابلة للمناقشة .. إنّما يضعون أنفسهم في مواقف حرجة ، أمام عقولهم ، وأمام الناس عامّة ، وأمام أصحاب العقائد ، الذين يسمعون حواراتهم ، بشكل خاصّ .. سواء أكان هؤلاء المناقشون ، مؤمنين بالعقائد التي يناقشونها ، أم مؤمنين ببعضها ، أم غير مؤمنين بأيّ منها !
4) قياس سلوكات المؤمنين بعقيدة دينية معينة ، إلى غيرهم ، ممّن لايؤمنون بأيّة عقيدة دينية، وممّن يؤمنون بعقائد مخالفة ، أو مناقضة ، لما يعتقدون .. هذا القياس ، يشكّل مزلقاً فكرياً خطيراً ، لمن يلجأ إليه ! لأنه يبني على هذا القياس ، مواقف وتصورات ، فكرية أو سياسية ، أو ثقافية .. مشوبة بخطأ منهجي ، يفسد عليه أيّ موقف عملي ، يتّخذه من أصحاب العقيدة التي يناقشها .. سواء أكان مخالفاً لها ، أم ميّالاً إلى تصديقها ، أم محايداً في موقفه منها !
5) الذين يتحدّثون في وسائل الإعلام ، المرئية والمسموعة .. أحاديث فكرية بحته ، أو فكرية ممزوجة بآراء سياسية .. عن العقائد ، دون علم ، ولا دليل ، ولاحجّة ، من كتب العقائد نفسها .. إنّما يرتكبون خطأ فادحاً ، يقترب من حدّ الجريمة ، لأنهم يسهمون في بلبلة أفكار الناس ، وتشويه تصوراتهم !
6) أصحاب العقائد الذين يتبعون أحكام أمزجتهم ، فيهاجمون مصطلحات سياسية معيّنة ، أو مواقف سياسية معيّنة .. دون أن يكون لديهم علم كافٍ ، بصلة هذه المصطلحات والمواقف ، بأصول عقائدهم أو فروعها .. ودون قدرة على القياس والاستنباط ، ودون معرفة ماهو مباح أصلاً ، من هذه الأمور ، وماهو مكروه ، وما حرام ، وما أباحته الضرورة .. أصحاب العقائد هؤلاء ، يؤذون عقائدهم ، حين يظهِرونها في نظرالناس ، بمظهر المسطّحة ، أو المتخلّفة ، أو المنغلقة ، أو المتزمّتة .. فينفّرون الناس منها ! كما يظهِرون أنفسهم ، بمظهر الجهلة ، أو الحمقى ، أو الأغبياء.. من حيث يريدون أن يَظهروا بمظهر العقلاء ، والمثقّفين ، والمفكّرين ، والمنظّرين.. الحريصين على مصلحة عقائدهم ، وحمايتها من عدوان الآخرين !