صعاليك الفكر والتمرد..!

صالح خريسات

مربع نص: صالح خريسات
حيثما تقع العمليات الإرهابية، التي تستهدف الحياة، والحضارة، والتاريخ، والإنسانية، يسترعي انتباه العالم الآن، مساندة جماهير الشعب، للقرارات التي تتخذها الحكومات الرسمية، لمواجهة ظاهرة الصعلكة، و الإرهاب، و التطرف، و تكفير الأنظمة السياسية ، وسحق الجماهير، وقتل البشر تقرباً إلى الله ،باسم الدين ، ونصرة الدين ، والحرب في سبيل الله. وأول ما يلفت النظر، تحيز الجماهير الواعية، وتقبلها لوجهات النظر الرسمية، و المقالات التي تظهر بين الحين والآخر، معترضة على كل أشكال التطرف، و العنف، و التكفير، وهو تقبل له دلالته، فكيف حدث ذلك ؟!

 إن جماهير الشعب، الذين يشاهدون ما تنقله وسائل الإعلام، وبخاصة المحطات الفضائية،يظهرون تعاطفاً واضحاً، مع الضحايا الأبرياء، وجلهم من النساء، و الأطفال، و المدنيين، الذين لا علاقة لهم بأوضاع العالم السياسية، لا

من قريب، و لا من بعيد، وليس لهم أدنى طموحات في الوصول إلى مقاعد السلطة ، أو تحقيق الأمجاد الكاذبة ، والانسياق وراء الأوهام، والهوس الديني .

 إن الإرهابيين،هم الآن موضع سخط الجماهير، و احتقارهم، على الرغم من أنهم اتخذوا في حجتهم ، مساراً دينياً، شاذاً غريباً، و لم يجد الناس ما يدعو إلى ربط هذه الجرائم بالدين، بل إن هذا العنف، والقتل، والتدمير، جعل الناس، يعيدون النظر في كثير من القضايا ، و الشك في قدسية كل ما يتصل بالدين ، ويقع في دائرة العنف والدم.

 والناس في مثل هذه المواقف، يتوحدون مع الأبرياء، و يتصورون أنه كان من الممكن، أن يكونوا هناك لحظة وقوع الجريمة، وهكذا تكون الرسالة الوحيدة، التي نقلها الإرهابيون إلى الناس، هي : كل واحد منكم مهدد أيضاً، فكيف نتوقع تعاطفاً من الناس، مع مثل هؤلاء القتلة ؟! لقد كره الناس الإرهاب، وكل ما يتعلق به، و عزموا على مكافحة هذه الآفة، التي تسحق الأبرياء، بلا رحمة أو شفقة، وهم الآن ، يخرجون في كل مكان، في مسيرات عريضة، تضم كل القوى، و الشخصيات الوطنية ، معلنة رفضها، لكل أشكال العنف، و التطرف، و الإرهاب، والتدين المغشوش.

 لكن ذلك كله، لا يعني أن الحكومات، العربية والإسلامية، حققت نصراً يستوجب الإحتفاء به. فقد بدا واضحاً، أن هناك مشكلة، لابد من التوقف عندها، فكل المآخذ، و الحجج ، التي روج لها الإرهابيون، تعتمد في تقديرهم ، على مخالفات دينية ، استحلوا بها قتل الرجال ، و الأطفال، و النساء، و ترويع الناس، وألحقوا الأذى و الضرر، بأمن المجتمع، و استقراره، و اقتصاده . وقد صادفت هذه الادعاءات المضللة، فراغاً فكرياً، و ثقافياً واسعاً، و فتحت أعين الناس، على أزمة التطرف الديني، و ثقافة تكفير المجتمعات ، و هي أزمة جد خطيرة، عانت منها الشعوب الإسلامية ، على مدى تاريخها الطويل كثيراً ، إلا أننا في واقع الأمر، لم نعطها حجماً من الدراسة، و البحث، و التنوير، و اكتفينا بالإجراءات الأمنية المشددة، و توقفنا عند حدود الأساليب القديمة، التي يفكر فيها دائماً رجال المباحث، و أجهزة الأمن . و الحقيقة، أن الأزمة فكربة، وليست أمنية، و التطرف مصدره الفكر، و ينبغي أن يكون علاجه، بالفكر أيضاً.

 ولهذا السبب، وجدنا من المناسب، أن نلفت النظر إلى مسؤولية الإعلام، فكلما واجهنا خطر ، تجهد وسائل الإعلام المرئية، و المسموعة، و المقروءة، في توضيح ملابساته، و إشكالاته لجماهير الشعب، من اجل التوحد مع الحكومات الرسمية، في مواجهة هذا الخطر الطارئ، وإزالة آثاره .

 و تستدعي الحكومات، من اجل ذلك، كبار الكتاب، و المفكرين، و الخبراء، و تدفعهم قسراً في هذا الاتجاه، فيدلون بآرائهم بعلم وبدون علم، ثم لا تلبث هذه الوسائل ، أن تخمد و تنام، و كأن شيئاً لم يكن، بل و يمنع الكتاب، الذين تم استدعاؤهم للكتابة، من أن يستمروا في الكتابة، لأن المناسبة قد انتهت .

هذه المشكلة، تتكرر في كل حادث طارئ، و كأن الإعلام الجاد، لا يمارس وظيفته الجادة، إلا في الحالات الطارئة .

 فالإرهاب، مشكلة يومية ، تتكرر بإصرار، و تتناقلها وكالات الأنباء، بالصوت، و الصورة، و الشرح، و تعقد من اجلها مئات الندوات، و المؤتمرات، بل إن بعض الدول، شكلت لها هيئات خاصة، و مجالس بحث و استسقاء ومتابعة، وقد تم إلصاق هذه الظاهرة، بالدين الإسلامي فحسب، على الرغم من أنها موجودة في كل الأديان، وفي كل الأيديولوجيات، ولكن قصور الإعلام الإسلامي، المضاد لهذه الظاهرة، عجز عن دفع التهمة ، وإظهار الحقيقة .

 وقد وجدنا أيضاً، أن المسؤولين في الحكومات، و مراكز التوعية ، لا يقيمون وزناً لهذه الظاهرة الخطيرة ، ويعتبرونها مسالة أمنية ، تخص رجال المباحث، و أجهزة الأمن، وهذا غير صحيح .

 فوزارات الثقافة مثلاً، لم تطبع كتاباً واحداً ، من بين ألوف الكتب، التي دعمت نشرها، تعالج هذه الظاهرة، أو تضعها على بساط البحث، و كذلك مؤسسات الإذاعة و التلفزيون، لم تقدم عملاً فنياً، أو ثقافياً تنويرياً، يقرب الظاهرة من بين أذهان الناس، لكي لا ينخدعوا بها ، ناهيك عن الصحافة اليومية، التي كانت و ما تزال، تحظر مناقشة المسائل الدينية ، على ظهر صفحاتها، خوفاً من الوقوع في مصادمات مع رجال الدين، أو التنظيمات الدينية المسلحة.

 أما وزارات الأوقاف، و الشؤون الإسلامية، فإنها مقصرة من جانبين , الجانب الأول : تشجيعها على النقل و الاقتباس، من كتب التراث و السلف . و الثاني : عدم توفر كتب، تعالج قضايا الفكر الإسلامي، تكون في متناول خطباء المساجد، و الوعاظ ، فالدور التوعوي للوزارات الدينية، مفقود ولا نكاد نجد بين أيدينا، مثل تلك النشرات البسيطة، التي يوزعها أفقر مركز إسلامي، أو يطبعها تاجر على حسابه الخاص، دون مراجعة أو تدقيق، وهي في جملتها تشجع على التطرف، ومحاربة الآخر من أصحاب الديانات الأخرى.

 ثم إن هناك الكثير من مظاهر التدين المغشوش، ينشغل بها الشباب عن مستقبلهم، مثل إطلاق اللحى، و النقاب ، و الحجاب، و لبس الساعة في اليد اليمنى، و السواك، و الانشغال في البحث في أشرطة الساعة، و توقع قيامها بين يوم و آخر .

 وهناك ظاهرة انتشار كتب السحر، و الشعوذة، و الخيالات، و الأوهام، ولا تجرؤ الوزارات، على النقد أو التوجيه ! وهناك الفخاخ التي يقع فيها أئمة المساجد، وشيوخ الدين، فبعض هؤلاء يدينون الإرهاب، وفي الوقت نفسه، يحاولون إيجاد مبررات له ، وبعضهم يتحدثون في إدانتهم للعمليات الإرهابية ، خلال خطبهم، عن النفس التي حرم الله قتلها ، وعن تحريم ترويع المسلمين، أو من في ذمتهم ، و لكنهم في الوقت نفسه، ينتقدون أوضاعا معينة، و يدعون أنها من مبررات الإرهاب، و هم بذلك، يجدون مبرراً، للفكر الإرهابي، و لكنهم يدينون بعض مظاهره، مثل قتل الأبرياء ، وترويع الآمنين ، مما يجعل إدانتهم للإرهاب، غير ذات وزن.

 فمن اكبر الأخطاء، إلباس الجريمة ثوب الدين و الشريعة، و يستوي في ذلك، من يرتكب الأعمال الإرهابية، أو من يحرض عليها، أو من يرسم لها خطاً فكرياً، أو من يجد لها تبريرات .

 و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : " من المسؤول " ؟ و الجواب : إن الكثيرين، يحملون مع الإرهابيين المسؤولية، وإن حاولوا أن يتبرؤوا منها، يحملها معهم بالدرجة الأولى، الإعلام، ووسائل التوعية، و التثقيف، و يحملها معهم الآباء، و المربون، و العلماء، و الموجهون، و يحملها معهم، رجال الدين، و أئمة المساجد، و الواعظين، فالمسؤولية مشتركة، وكل له دوره .

 وحتى لا نضيع في تفاصيل ما يحدث، فإننا نعيد طرح السؤال بصيغة ثانية : " ما العمل" ؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ ما هي الخطوات التي تستطيع بها الحكومات، و جماهير الشعب، أن تعيد هذا التيار الديني المتطرف إلى مساره في الاتجاه الصحيح ، أو على الأقل أن تحد من خطورته ، و تمنع انتشاره بين جيل الشباب المتحمس ؟! ..وللحديث بقية .