الكلباني إمام الحرم يكفر علماء الشيعة

الكلباني إمام الحرم يكفر علماء الشيعة

والصفار يصفر له

د. محمد رحال /السويد

[email protected]

ازمة التكفير العربي والاسلامي لاتتوقف , وهي في حالة اشتعال دائم , ومعها يطالب نفس المكفرين بالوحدة العربية والاسلامية , وليست دعوة التكفير التي اطلقها شيخ الحرم الجديد الشيخ عادل الكلباني وقوله ان علماء الشيعة كفار بدون تمييز , ليست جديدة على الساحة العربية والاسلامية , ولايحتاج علماء الشيعة الافاضل الى سبب اخر لينتهزوه للهجوم على التطرف السني المزعوم, وكان اخر تلك الردود هو رد الشيخ حسن الصفار في السعودية , والعجيب حقا ان الحجة التي ساقها الشيخ الكلباني في حديثه هي حجة منطقية وعقلانية تماما والتي هي: ان الشيعة الذين يكفرون الصحابة وهم خير اهل الارض بعد الانبياء باعتقاد اهل السنة , بل وان السب الدائم وتناول اقرب المقربين لصاحب الرسالة وخاصة زوجته التي توفي عليه افضل الصلوات والتسليم ورأـسه في حضنها , هو سب يعتبر من ركائز الايمان في المذهب الشيعي , وبالتالي فان الطرف الشيعي يكفر علماء المذاهب السنية واصحاب صاحب الرسالة  تكفيرا عقديا ومزاجيا وبسهولة شرب الماء وكنوع من انواع التسبيح والتسلية, والقول انهم لايفعلون ذلك هو نوع من انواع اللف والدوران المتوافق مع مبدأ التقية  لمنهج الامامية الاثني عشرية , وبأي حال من الاحوال فكلا الطرفين يكفر احدهما الاخر , ولن ادخل في التفاصيل التي يضيع من يدخل فيها في جدل بيزنطي لانصل فيه الى قرار مع لي اعناق النصوص , وتناطح الادلة وتسفيه الاراء المخالفة وتاويل الاحاديث والايات وبشكل انتقائي مخجل ومفضوح , في غياب الصدق والجدية  والاهتمام بمصالح الامة ووحدتها , مع ان كلا الطرفين يدعي انه يسعى لوحدتها .

واختلاف الامة الاسلامية بل وكل الامم وانشقاقها ليس بدعا او مستحدثا او جديدا على البشرية , فقد شهد العالم انقسام الاديان وانشطارها الى مذاهب وفرق وجماعات وطوائف , ولهذا كانت دعوة الله سبحانه لمن يفهمها : ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم , والاية الكريمة الصريحة الواضحة والتي تركها الخالق لذوي العقول الحصيفة والعقول الراجحة تدعونا الى التعارف والتآلف والتكاتف وليس الى التناكف والتحارب والتناتف , وخص سبحانه افاضل البشر وسماهم بالاتقياء , والذين لانعرفهم وانما يعرفهم الله وحده , وهذا لايكون الا عنده , اي في يوم الحساب والذي نجتهد عند الله ان يبسط علينا رحمته في الحياة الدنيا والاخرة , ولهذا ومع اختلاف المذاهب الاسلامية بين مذاهب سنية وشيعية فقد تآلفت هذه الملل والنحل مع الاختلاف ووصلت الى قواسم حياتية مشتركة تنظم بينهم سبل العيش والتعارف والتعامل وهو اصل الدين لقول رسول النور الدين المعاملة , وحتى وصلت الى ماوصلنا له , باعتبار ان الغاية من الخلق هي عبادة الله مباشرة , وهوسبحانه اس العبادة في دين الاسلام القائم اصلا على التوحيد ومخاطبة الله مباشرة دون وسيط او شريك وما اكثر الادلة على ذلك , ولهذا فان المذاهب السنية والتي تجاوز عددها العشرات, واشهرها المالكية والشافعية والاحناف والحنابلة والظاهرية والاوزاعية والبصرية والسفيانية  والتي لم يبق منها وبشكل كبير الا اربعة والتي انحصر الخلاف بينها على امور في بعض التفصيلات وتعدد الاراء في شرح النص  او قوة الدليل لبعض المسائل الفرعية في الشريعة , وكذلك الخلاف بين الطوائف الشيعية والتي لم تتعد في الغالب الخلاف على عدد الائمة, او في حالات اخرى اضافة بعض العقائد كالنسخ والمسخ والحلول واسقاط بعض الفرائض لدى بعضها , وهي امور ايمانية عقائدية خاصة بما بين العبد وربه لم تفسد التعايش السائد بين هذه المجتمعات , ووصل هذا التعايش حد تقنين وتعليب هذا التعايش , فوضعت له ضوابط وقوانين محلية الصنع اضفت على هذا التعايش ايجاد مجتمع مختلف العقائد متوحد الطباع, وتركوا مالم يستطع الائمة حله الى خالق الموازين يوم العدل الالهي المطلق فياخذ كل فرد ماله وما عليه , وقد وصل هذا التعايش وخاصة في بلاد الشام حدا كبيرا , درجة ان الطوائف في غالبيتها وهي متعددة وكثيرة اعلنت الجهاد ضد المحتل الفرنسي والانكليزي , وقاتل السني مع الدرزي من احتل البلاد واختلطت دماء الاخوة في عمق الارض واثمر هذا العطاء والتحالف والتآلف ارض محررة سقتها الدماء الزكية لابناء الوطن الواحد, واستمر هذا التآلف ومعه استمر هذا التقنين الاخلاقي للعلاقة بين الاطراف المختلفة والمتفقة على انها تنتهي الى رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد ووطن واحد , ومعهم كان يشاركهم المسيحيون والذين لا يقلوا وطنية وتضحية وفداء عن اقرانهم درجة ان اختير  فارس الخوري المسيحي في احدى الحكومات الوطنية وزيرا للاوقاف الاسلامية وكان مضرب المثل في التصوف الوطني والعطاء وهو الذي تبرع بمرتبه الشهري لثورة الجزائر العربية الاسلامية , وما التلاحم المستمر حتى اليوم في فلسطين بين هذه الفئآت الا دليلا على وعي هذه الفئآت المختلفة مذهبيا والمتفقة اخلاقيا ودينيا في مرحلة من اصعب مراحل تربص اعداء الامة بنا والذين ينتظرون منا كبوة او عثرة او نبوة , وساظل اشيد بهذا التلاحم لعرب الخط الاخضر الصامدين من مسلمين سنة ودروز ومسيحيين بكل تشعباتهم ومدى مساهمتهم في حماية و الحفاظ على استمرارية الاقصى الذي تهاون الحكام العرب في حمايته والذود عنه وتحريره وكأنهم لاعلاقة لهم به من قريب او بعيد , مسارعين الى عقد صفقات ومعاهدات حب ثنائي بين هذا العدو المحتل الغاصب وبين انظمتهم  , هذا الاقصى الذي لو هدمته دولة صهيون اليوم فلن يقدموا للامة الا الصريخ والتنديد في الوقت الذي تستمر علاقاتهم السرية والعلنية بهذا الكيان المغتصب.

ولقد كان الخلاف المذهبي بين الطوائف المسيحية في العالم اشد من تلك الخلافات التي هي اليوم بين المذاهب الاسلامية , وكانت هناك حروب شديدة ومستعرة , ولكنها وصلت الى مرحلة التعاون والاتفاق على تعليب وتحديد الخلاف , فمناقشة الخلاف هو نوع من انواع نكث الجراح , والامم المتحضرة لاتحتاج الى المزيد من الحروب ولهذا فقد اتفقت الكنائس الاوروبية ومع اختلافاتها الشديدة وتكفير بعضها دينيا الا انها تعمل وبيد واحدة وضمن قائمة بيانات مشركة من اجل نشر التنصير , وايصال الفكر الديني المسيحي الايماني الى كافة ارجاء الارض , وخاصة البلدان الاسلامية من اجل هدايتها الى الطريق المستقيم الذي يؤمن به مبشروا هذه الكنائس وبكل جد , ولقد توسعوا في ذلك واسسوا المعاهد والمدارس والجامعات من اجل التوغل في عمق العالم درجة ان هذه المعاهد والجامعات التعليمية صارت قبلة الدارسين العرب في الدول العربية والخليجية خاصة , وتحولت اللغة العربية فيها على يد ابنائها الى لغة جرباء عرجاء مستنكرة , وصار الرطم باللغات الاجنبية هدف الاجيال وسبيلهم للتخاطب , ومنح الحكام في هذه الدويلات حقوق منح الشهادات الى الخريجين من تلك المعاهد المشتغلة بنشر الفكر الاوروبي التنصيري وسعدوا بهذا التتويج , وبات من الطبيعي ان نجد فكرا مزروعا بين غالبية هؤلاء الخريجون  بمساندة اي قوة احتلالية لبلادنا ودعمها في ظل غياب جامعات محلية تهتم بثقافة الاسلام والعروبة وتحافظ على اخلاق العربي والمسلم , ولن اتكلم عن السقوط المريع لهذه الدول في بحر هذا التبشير والذي تنشره الكنيسة الاوروبية المتحدة على انه انجاز كان مقفولا عليهم وعسيرا على المبشرين الاقدمين منهم , وهو انجاز تعتز كنائس الغرب وتفتخر به وتسجله انجازا في سجلها التبشيري والذي ينشر كل عام .

وهذا التآلف الذي كنا نعيشه والذي نقله الغرب واستفاد منه يبدوا انه صار مستحيلا اليوم امام عدم تعليب الخلاف الديني القادم لنا بعد ان قامت الدولة الايرانية , والتي اعلنت ان مذهبها هو المذهب الشيعي الاثني عشري , وهي حرة في اعلان ماتريد , ولكن العلماء من الطرفين عليهم وفي ظل اختلاف تاريخي مستعر ان يكفوا عن زج الايمان والمصالح الفردية والاقليمية وان يتجهوا الى تعليب هذا الاختلاف وتقنينه , فعقيدة الطرفين واضحة المعالم وهي ليست من صنع اليوم ولن يستطع اي من الطرفين تغييرها باعتبارها مذاهب واسعة الانتشار متشابكة الارجاء متوغلة الخلاف  , وهذا التغيير ان حدث فلن يكون الا مذهبا جديدا يضاف الى المذاهب الاسلامية والتي لايحتاج المسلم اليوم الى المزيد منها , واذا كان الشيخ الصفار منزعجا من وصف الكلباني لعلماء الشيعة انهم كفار , فعليه ان يراجع ماذا يقول المذهب الشيعي عن علماء السنة , واذا كان من حقه الاعتراض على امام يكفره ويطالب بعزله تحت ذريعة انه امام الحرم المكي , ومكة لكل المسلمين فمن حق السنة ايضا وهم يحبون آل البيت اكثر من الشيعة ان لم يكونوا مثلهم  وهي عقيدة لدى السنة وينكرها علماء الشيعة في اهل السنة,  فلهم الحق في ان  يكون لهم امام في النجف وكربلاء والكوفة وسامراء وقم وكل المزارات الاخرى  المحسوبة على الائمة والتي صادر ائمة الشيعة  الايرانيون حب آل البيت لهم وتوارثوه واحتكروه وكانه انتاج وبضاعة ايرانية محضة  , ومتى كان الحب يورث والايمان يورث , وما على الجانبين الا احترام هذا النوع من انواع الاختلاف الى درجة التكفير وتحديد وتعليب قواعد للتعامل , فالوحدة الاسلامية لاتقوم على اللف والدوران واستغلال المواقف, وليت علماء الطرفين يستفيدوا من تجربة الكنيسة في اشادة روح التعاون بين اطراف المذاهب الاسلامية والكف عن دعاوى الوحدة الفاشلة والتي تخبيء تحت عبائتها الف حرب والف مؤامرة, والف كذبة.