الحب ما بعد الخمسين
الحب ما بعد الخمسين
محمود القلعاوي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
تختلف الحياة بالنسبة للزوجين بعد الخمسين ويعتبرها الكثيرون من أخطر المنعطفات في حياتهم .. ترى هل يستمر الحب بعد الخمسين؟؟! .. وهل تدوم السعادة التي ارتشفنا من رحيقها في بداية الزواج ؟! ، .. وهل من الممكن أن يكون الزواج شهر عسل دائم ؟؟ ، .. وهل تظل المودة والرحمة تُرفرف على عش الزوجية ؟ ، هل ما يطلق عليه - أزمة منتصف العمر- وهي وصول أحد الزوجين أو كلاهما إلى سنِّ الخمسين يمكن أن يُدمِّر هذه العلاقة ؟ .. فكيف يمكن أن تستمر السعادة في هذه المرحلة ؟! .. وكيف نسقي شجرتها حتى تُورق تُثمر وتُرفرف الرحمة والمودة على أغصانها بعد الخمسين وحتى آخر العمر؟! .. وكيف يمكن أن نجعل حياتنا بعد الخمسين شهر عسل جديد ؟! .. هذا ما سنتكلم فيه :-
ما بعد الخمسين
وفى البداية لابد أن نعترف أن استخدامَ لفظ الأزمة لهذه المرحلة ، أمر خاطئ ، ويبتعد عن المفهوم العلمي ، فالدراسات الطبية الحديثة أكدت أن كثيرًا من المفاهيم والعبارات التي كانت تُستخدم لوصفها بحالة مرضية ، قد ثبت عدم صحتها ، وليس هناك أساس علمي لها .. لأنها تشير إلى وجود صعوباتٍ ومشاكل لا يمكن التغلب عليها أو تجاوزها، وهذا لا يحدث في منتصفِ العمر.
رومانسية ما بعد الخمسين
وقد أظهرت دراسة مسيحية بريطانية جديدة نشرت نتائجها أن الرجال يبلغون ذروة الرومانسية في سن الثالثة والخمسين تقريبا ، وذكرت صحيفة « الديلي تلغراف » المحافظة ، التي نشرت تفاصيل الدراسة ، أن الرجال في هذه السن يكونون أكثر إلماماً بالإيماءات التي تنال إعجاب النساء مقارنة بأقرانهم من الشبان ..
وكشفت الدراسة التي أوصت على إجرائها شركة فندقية بريطانية ، والتي شملت رجال تتراوح أعمارهم بين 51 و55 سنة ، أن ثلث المشاركين في الاستطلاع فاجأوا زوجاتهم بهدية خلال الفترة الأخيرة ، في حين كتب 28% من الرجال قصائد شعرية لزوجاتهم ، واصطحب 48% منهم نصفهم زوجاتهم في رحلة أو في مشوار ترويحي خارج المنزل.
الواقع يتكلم ..
تقول سامية محمد - عراقية ومقيمة في بريطانيا 53 سنة- : ( منذ وصولنا أنا وزوجي في بداية حياتنا إلى هنا ومع الغربة تعلمتُ أن زوجي هو حياتي وحديقتي التي أزرع فيها أزهاري وأشجاري ، وكلما رويتها نمت وازدهرت وإنْ نمت عنها وغفلت ذبلت وماتت ؛ ولذلك عند وصولي وزوجي سن الخمسين شعرتُ أن حياتي معه أروع مما سبق ، فقد كبر الأبناء حتى وإن لم يتزوجوا جميعًا فقد عوَّدتُهم الاعتمادَ على النفس ؛ ولذلك أصبح عندي وقتًا أكبر ، فأصبحتُ أصاحب زوجي في كل سفره ، فهو دائم السفر من مكانٍ إلى آخر ، وأحضرُ معه جميع مؤتمراته ، وتعوَّد أبنائي على أنَّ هذا حق والدهم عليَّ ، وسبحان الله قدر الله وابتلاني وقتها بمرضٍ خطيرٍ ووجدتُ زوجي بجانبي لا يُبارحني ورأيتُ دموعه عليَّ لأول مرة فعرفتُ أني بدأتُ أقطفُ أزهار .. )
أما الحاجة قوت القلوب- ربة بيت 50 سنة زواجًا - تقول : ( أنا بطبعي متسامحة مع الآخرين وزوجي أولى بالتسامح وأولى بالابتسامة والزينة ، خاصةً عندما يكون هذا الزوج رجلاً كريمًا محبًا وبحكم عمله كتاجرٍ ترك لي مسئولية تربية الأولاد ، فلم أشغله بمشاكلهم ، بل كنت أظهر لهم حُبِّي لوالدهم ، وهو كذلك حتى يعتادوا على هذه المشاعر الحميمة في أسرتهم وبعد زواجهم ، وكذلك فإني حرصتُ أن أبدو أمام زوجي عروسًا دائمًا حتى إنَّ زوجي ما زال يدعو لي بالعمر الطويل، وبأن يسبقني هو إلى الموت .. )
وتقول الحاجة شيماء : ( الزوجة بيدها كل مفاتيح السعادة وإشاعة أجواء الودِّ ، فبعض النساء وللأسف يكرسن وقتهن للأولاد ، فيصبح الزوج في المرتبة الثانية بعد أن كان الأول في حياتها ، وعلى الزوجة أن تنقذ حياتها من تسرب الملل ، فتشعر زوجها باهتمامها ورعايتها له وتناقشه في أمور حياتها ، وتشاركه هواياته ، والخروج سويًّا للتنزة .. وأهم شيء هو الحرص على التفاهم والترابط الأسري .. لقد أصبح من المتعارف عليه بين كثير من الأزواج أن متعة الزواج والسعادة الزوجية ما هي إلا سنوات ، وسيحل محلها الملل والقلاقل والعراقيل ، والكل يُرجع هذه المشكلة إلى الزوجة ؛ لأنها في الغالب هي المسئولة عن التحول , والدليل على ذلك أنها الوحيدة التي بإمكانها إعادة الحب والسعادة إلى الحياة الزوجية.. )
مفهوم راقي
يقول الداعية جاسم المطوع في أحد محاضراته : ( إنَّ رسالةَ الإسلام هي رسالة حب ، والمتتبع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث المسلم على إشاعةِ الحب واستمراره كثيرة جدًا ألا نذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما عاش مع السيدة خديجة رضي الله عنها خمسة وعشرين عامًا كلها محبة وسعادة ، فلما ماتت لم ينسَ هذه السنوات واستمرَّ يذكرها بالخير ويهدي أصحابها الهدايا ويتابع أخبار صديقاتها حبًّا ووفاءً لها ، وفي ذلك دليل على أنَّ الحب يمكن أن يستمر لما بعد الخمسين ، على الرغم من أن بعض الدراسات الغربية ومنها دراسة العالم الكيميائي )روبسون ) أكدت أن كيمياء المخ المسيطرة على عمليةِ الحب تظل تولد شحنات لمدة ثلاث سنوات فقط .. فتعريف الحب عندنا يختلف عن تعريفه عند الغربيين ، فمن قيمنا المرتبطة بالحب (الإخلاص والوفاء والتضحية )، بل إنَّ الأصل في الحب أن يكون في الله ولله حتى ولو كان بين الزوجين ، وهذا مفهوم راقٍ من مفاهيم الحب ، ولهذا أوصانا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن نرتبط ( بالحبيبة ) عندما قال صلى الله عليه وسلم :- ( تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة "، وذكر صفة الودود أي الحبيبة والتي تشعُّ الحب إلى حبيبها.. ) رواه الدار قطني والطبراني ..
وصفة السحرية
وصفة سحرية لدوام الحب مهما طال الزمان :
- الالتقاء على طاعةٍ مشتركةٍ لله تعالى بصفة مستمرة ودورية مثل قراءة الورد القرآني معًا، أو يصليا ركعتين لله في جوف الليل.. الخ ، وألا يحول أي حائل بينهما وبين هذا اللقاء المقدس.
- ألا يضع كلا الطرفين أخطاء الآخر تحت الميكروسكوب ، وإلا فإنَّ المسافةَ بينها ستزداد.
- يجب عدم وضع الزناد على القضايا التي يكون فيها الرفض أو القبول هو الرد المتوقع .
- التحدث بإيقاعٍ هادئ غير مثير وغير مستفز ، وتجنب نبرة السخرية أو الاستهزاء
- خططا لوجبةٍ لذيذةٍ تصنعانها معًا أو أي عملٍ في المنزل لزيادة العلاقة الحميمة بينكما.
- انظرا بعين النحلةِ تريا الزهور كلها عسلاً .
- تكلما عن الإيجابياتِ التي يحبها كل طرفٍ في الطرفِ الآخر، واستعيدا دومًا الذكريات الجميلة.
وبعد هذا
وبعد كل ما سبق لنا أن نقول أن الدراسات والواقع الحياتي يثبت أن السعادة الزوجية لا تنتهي بالخمسين ، بل له وجه آخر ..