ساعة مع الأدب الإسلامي

ساعة مع الأدب الإسلامي

رمضان عمر

 قد يحتاج منظرو الأدب الإسلامي إلى وقفات جادة مع دلالة المصطلح ليقف على قدمين راسختين أمام طغيان الرفض العلماني المسيطر على أفق الثقافة الرسمية في العالمين الغربي والعربي. ولا أقل من إيجاد أرضية تراثية خصبة تؤطر لهذا التصور وتحدد معالمه ، وترسخ جذوره .وفق رؤية نقدية واضحة . ولا أقصد هنا نوعا من التأصيل الفقهي ؛ فليس ذلك من مهمة حامل لواء الفن والثقافة .. وإن اعتمد في منطلقاته على ما اقره الشرع ؛ فيمتثل بما يرضي الإله ويعزف عن مخالفته.
ولعلي اجد من تمام العزم ان أضرب بجذور هذا البحث الى ساحة البعث الأول الذي شكل امكانية افتراضية لنشوء هذا المصطلح .. ولا اريدك ان تغيب عن مباشرة القصد ؛ فأقول اني سأنقلك الى واحة الاسلام الخالدة في عهدها الذهبي أمام مدرسة محمد بن عبد الله * صلى الله عليه وسلم- لا لأحدثك عن عظيم سيرته وجلال قدره ، وما أحوجني وإياك للتمتع بذلك ؛ بل لأسير معك في قراءة تسجيلية نقدية لمعالم النص الاسلامي المتشكل في دوحة الاسلام الأولى … راسما-بذلك- معالما كالشم الرواس في حركة الادب مهما زاغ بصر المؤرخ .. وكسرت ريشته. ولا أظنك تجهل أعلام النص المقاتل في معارك الاعلام الفنية في تاريخ الدعوة الأُول : من أمثال حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة … ولا أظنك تجهل تاريخ المعارك النقائضية بين هؤلاء وقرنائهم من قريش : أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن الزبعري وضرار بن الخطاب … ولا أظنك تنكر –مهما شط بك الرفض – ان ثمة معركة أدبية حمي وطيسها بين الفئتين جعلت المتابع يقرأ من وراء السطور دلالات تتجاوز حدود التفريق الديني في نسبة المتخاصمين الى فئة الايمان أو الكفر .. بل لعل نوعا من الدراسة النقدية المميزة للنص الاسلامي في معسكر الفئة المؤمنة قد حُددت معالمه من خلال طبيعة النص المقال في هذه المعركة ولن ادعك واجما امام عبارات التنظير في رحلة الاستكشاف النوعية في وضع تصور نقدي شامل حول طبيعة النص الاسلامي في حلقات اسأل الله ان يعينني على اكمالها .. بل سأنقلك الى عالم النص لتنهل من معين حسان ما يروي ظمأك وتقر به بلابلك … وساطوف بك مع كعب … وقد أقف معك على خنساء الاسلام ورواحة مؤتة. ولعلك واجد فيَّ طول المقام مع حسان دون غيره ؛ فذلك لأن حسان اسهل الثلاثة نصا وأشملهم قولا وأقربهم الى تمثيل المرحلة التي نحتاج اليها لتكون جذرا عميقا لما نزعم وندعو لقد حارب حسان المشركين بقلمه .. وحاربهم كعب بقلمه ولسانه .. ورضي الرسول عن كعب .. وقال فيه: انت تحسن صفة الحرب(( انظر الاغاني ، 16)وأنشده مرة فقال : "هذا أشد عليهم من وقع النبل" ورائعته التي قالها في الخندق ردا على ضرار بن الخطاب تقربه من منزلة وتجعل له مكانة في قلوبنا كنقاد، وفيها يقولك وسائلة تسائل ما لقينا ولو شهدت راتنا صابرينا غير ان في شعره ما ذكرت لم من غريب اللفظ غرابة لا تنسجم مع ذوقنا العصري في القرن الواحد والعشرين ولك علي حق ان اثقل اذنيك ببعض غريبه فاعذر في الاقحام ، يقول مجيبا ابن الزبعرى يوم الخندق : أبقى لنا حدث الحروب هـدية من خير نحلة ربنا الـوهاب بيضاء مشرفة الذرة ومعاطنا حمى الجذوع غزيرة الأحلاب كالوب يبذل جمها وحفـيلها للجـار وابن العم والمنتاب ونزائما مثل السراح نما بها علف الشعير وجزة المقضاب ولعلك تسائل عن سر هذا الاستشهاد بأبيات لا تمثل بحال من الأحوال صورة الأدب الذي أدعو إليه ولعلك ستقول : لا أجد فرقا بين هذه الابيات وأبيات أخرى لامرئ القيس أو لبيد أو عنترة إذا ما السر في هذا الاستشهاد ؟ أقول : إن الأدب بصفته الفنية هو أدب مهما كان قائله ولا ننكر على الأدباء أقوالهم من حيث الفن وقد نتشابه معهم بيد أننا سنختلف حينما تبدأ عملية التوظيف في معركة المساجلة الفكرية ومن هنا فأنني أدعوك لقراءة هذه الأبيات من قصيدة كعب ذاتها بعد أن تجاوزت هذا الاستهلال الذي شابه في رأيك شعراء الجاهلية : ومواعظ من ربنا نهدي بها بلسـان أزهر طيب الأثواب عرضت علينا فاشتهينا ذكرها من بعد ما عرضت على الأحزاب حكما يراها المجرمون بزعمهم ويفهمها ذوو الألباب ألا ترى أنك ستوافقني الرأي بأن هذه الأبيات قد حسمت فرضية الجدل القائم بين طبيعة الشعر وماهيته وهذا ما أريد أن أصل بك إليه بأن الأدب الإسلامي يتمايز عن غيره في غاياته ومضامينه . ولأجل هذه الغايات يشجع شعراء الدعوة ويحضهم على قول الشعر فكان كعب قاسيا وسليطا على مشركي مكة ويهودي المدينة وله في اليهود أبيات جميلة أنقل لك منها أجاب به يهوديا في يوم خيبر : قد علــــــمت خيبر أني كعب وأنني متى تشب الحرب ماض على الهول جريء صلب معي حسام كالعقيق عضب لكن حسان بن ثابت كان أقذع منه هجاء لقريش وأشد منه إيلاما لدهاقنتها مما قدمه على صاحبه عند رسول الله عليه وسلم وجعله شاعر الدعوة الأول كان حسان لسانا صارما في تصديه للمشركين كما قال عن نفسه لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الذلاء يروى عنه صلى الله عليه وسلم فقال أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن ، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن ، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى وفيه ورد ما اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهجهم فإنه سيعينك عليم روح القدس ( أنظر ، طبقات فحول الشعراء ص 217 ج1 ، الأغاني ج4 ص 143 ،145 ) حسان بن ثابت يمثل ظاهرة الأدب الإسلامي بكل خصائصها الفنية …………. ومضامينها المعرفية في صدق التعبير عن التجارب التي عاشتها الدعوة الإسلامية وفي صدق التعبير الفني الرائق في جلال العبارة ورقة التصوير وحسن التخلص ،؛ إذا فأدب الدعوة الإسلامية منوط بقيمتين لا انفصام بينهما قيمة تاريخية تصور واقع الدعوة وترسم معالم حياتها الفكرية وتبلور منهجها الثقافي وقيمة فنية أدبية تصوغ معالم النص المهذب في جلال العبارة ورقة التصوير . ولعل أستأذنك أخي القارئ أن تسير معي وأسير بك في رحلة فنية تحليلية مع واحدة من قصائد حسان الشعرية نتفيأ ظلالها ونتعرف على معالم الإبداع فيها فنخلص إلى ما نريد من تحديد معالم النص الإسلامي القويم ( فنقيس من خلال ذلك ما أراده المبدعون في عصرنا من تصور حول مفهوم الأدب الإسلامي على ما أبده اولئك الفطاحل من نص تأسيسي لحركة أدبية ناشئة في مدرسة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه: عفت ذات الأصابع فالجواء الى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر تعفِّيها الروامس والسماءُ هذه المقدمة الطللية مع أبيات أخر مماثلات … هي بداية نصنا الذي اخترناه .…وضد قال حسان قصيدتة هذه قبيل فتح مكة .. وقد تناول النقاد هذه المقدمة بالنقد والتحليل وقالوا فيما قالوا : ما كان لحسان وقد اصبح مسلما ان يذكر الطلل ويمدح الخمر وبعضهم وشكك في أن يكون حسان قد قال هذه الأبيات بعد إسلامه ورأوا فيها ما يمكن أن يعود ألى النحل الذي أصاب قصائد حسان بعد إسلامه وبعضهم زعم أن هذا المقطع من قصيدته قد قاله حسان في جاهليته ثم بنى عليه همزيته التي نحن بصددها ، وبعضهم قال أن حسان قد انتهج في هذه القصيدة نهجا تقليديا في ما تعارف عليه العرب من سمت القصائد واستهلالها بالوقوف على الأطلال وبكاء الديار وأنا لا أريد أن أقحم نفسي في جلبة الأخذ والرد بيد أنني سأنقلك معي إلى صلب الموضوع لتقرأ في تؤدة من بديع حسان في فن الوصف وجمال التصوير ورقة المقارعة . وهل للمقارعة رقة ، نعم ، إذا كانت تلك المقارعة الواقعية تسند بنص استعلائي متفوق كنص حسان حين يقول : عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقــع موعدها كداء يبارين الأسنة مصغيات على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالـــخمر النساء فأما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعين الله فيه من يشـــاء ولا إخالك تنكر علينا هذا الاستمتاع بوضوح العبارة وقرب المأخذ والمباشرة في التعبير وإن بدا لك بإن النص الرائق هو النص المعمم أو المعمى على رأي الحداثيين فنحن نرى من خلال تصورنا للأدب الإسلامي أن الوضوح في غير ركاكة هو غاية مرجوة لتصل دلالات النص إلى الأذهان فتشنفها وكيف نطالب أنفسنا بتبجيل النص المعقد وهذا كتاب ربنا جلت صورته ورقت عبارته ويسره الله للذكر فهل من مدكر ، وقبل أن أودعك وتودعني أحب أن تقرأ معي هذه الأبيات التي تصور مشهد الدفاع عن أصحاب المنهج القويم وتقنن لفلسفة الانتماء فالشاعر لم يعد عبدا للعبارة كما كان في الجاهلية بل تحول إلى منافح من خلال الكلمة يسير كما تريده الدعوة أن يسير ولا يراوح مكانه إلى مزاجية يعبث بها فهو يحب ما يحب صاحب الدعوة ويكره ما يكره . وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق إن نفع البلاء شهدت به وقومي صدقوه فقلتم ما نجيب وما نشاء وجبريل أــمين الله فينا وروح القدس ليس له كفاء ألا أبلــغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء هجوتَ محمدا فأجبت عني وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفؤ فشـركما لخيركما الفداء
ساعة أخرى مع حسان بن ثابت اجتمعت أقوال نقدة الشعر على تقديم حسان على أترابه الثلاثة من الانصار وقد ذكرت لك ذلك وبينته … فكان حسان يفضلهم .. في ثلاث : فهو شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر الرسول في الاسلام وشاعر اليمن بعد الفتح … وعده الأصمعي من الفحول .. بيد أنه اشار الى قضية دعتنا الى افراد ساعة ثانية معه ؛ إنها قضية النحل ولين شعره في الاسلام كما يذكرون.. وقد علل الأصمعي هذه الظاهرة في شعر حسان بقوله :" الشعر نكد لا يقوى إلا في الشر ؛ فإذا دخل في الخير ضعف ولان. ولك أيها القارئ الكريم أن تأخذ بهذا القدر من الاستدلال … وترضى بهذا التعليل وتسلم لهؤلاء العمالقة بمطلق الراي .. وتعفي ذهنك من مكابدة البحث ولك ،ايضا، أ ن تنتظر فنسمعك في القرن الواحد والعشرين ما يخالف حدود ظنك ويتجاوز معالم معرفتك ؛ فما نراه في حسان بعد إسلامه غير ما يراه الأصمعي .. فهل لك أن تسير معنا إلى حيث نريد أن نصل بك ، فتسمع منا كما سمعت للأصمعي . ولا أ ريد أ ن أعرض لما عرض له الأقدمون من شأن النحل –على شاعر الإسلام- فذلك أمر أرى فيه ما يرتئون وأقبل ما يقبلون, أما أن حسان شاعر فحل فذلك أمر لا يتمارى فيه ناقد…. ولا يختلف فيه اثنان ، يقول عمرو بن العلاء :" حسان أشعر أهل المضر.. وقال الأصفهاني : " حسان فحل من فحول الشعراء.. وقد سمع النابغة الذبياني شعر حسان فقال له : إنك لشاعر.. وكذلك شهد الأعشى . وأنت لو أتيت حسان من أي ناحية أردت لوجدته شاعر… أجاد المدح والرثاء والوصف والهجاء. ولو انك قارنت بين حسان –وهو من المخضرمين – والحطيئة المخضرم ،ايضاً، فلربما تجد في الحطيئة جزالة اللفظ ، وفخامة العبارة ، بيد أنك لن تجد سماحة الطبع ورقة التصوير وأخلاقية الفن ؛ فأين الحطيئة الذي ينضح باللؤم وقذاعة اللسان من شاعر الحق وصوت المصطفى الاعلامي. وما يعنيني- هنا – مناقشته يطال قضيتين لهما علاقة بشعر حسان الإسلامي ، وما يتبع ذلك من قضيتي " اللين والضعف" والتي اسميهما أنا خصائص أسلوبية توافق ما يدعو اليه منهج الاسلام .. ولعلك تنتظر مني توضيحا يليق بمقام البحث ويهيئ الذهن لعملية ابداعية في الفهم والاستقبال. أقول ، لعل ما تقوله عن الحطيئة بانه كان تلميذا لزهير صاحب مدرسة الصنعة وهي مدرسة الفن الخالص في عرفنا ..( وهم أولئك الذين يعتقون الشعر ويثقفونه حتى يخرح الينا في ابهى حلة بعد عام كامل .. وهؤلاء وأمثالهم اقدر على حسن السبك والديباجة من شعراء النقائض والحروب المطبوعين على سجية المباشرة كما في قضية حسان) … أقول ان الفن بوصفه فنا يقتضي نوعا من الابداع المطبوع ولا يعقل ان تكون عملية الخلق الصناعي سمة تفرض نفسها على النص ،، فالنص المطبوع في عرفنا القادر على التشكل الفطري وفق الحاجات السريعة في أريحية عبقة هو الأقدر على ابراز حالات الصدق ودلالات الانفعال ومهارات الابداع ؛ ألا ترى انك تشعر بشيء من الغرابة وانت تتتبع نصا قضى فيه صاحبه ساعات من التحسين الشكلي ليخرج لك بشيء عرفه القدماء بالتعقيد اللفظي ….وتتهيج مشاعرك وتأنس نفسك لتدفق العواطف في شكلها العفوي السادر في ثوب الرصانة المطبوعة التي تريح النفس وتدفع بالنص الى عالم الاريحية في نص ساقه صاحبه في يسر ورقة دون ركاكة وحوشية إن ما أخذه النقاد على شعر حسان شيء من هذا الذي ذكرته لك من سماحة الطبع، ورقة التصوير وكان القوم –ما زالوا –على صلة بجلافة الصحراء وصلافتها ؛ فظنوا الخير كله في الغريب الصعب .. ولو انك رجعت معي الى السر الجوهري في تفضيل عمر لزهير على غيره لعلمت ان الاسلام غير في طباع بعضهم ونشر بين اعلامهم معالم المنهج الجديد فكان وضوح العبارة والبعد عن الحوشي والغريب هو ديدن التنافس وموطن التفوق … يقول عمر معللا اعجابه بزهير: لأنه كان لا يعاظل ولا يفحش في القول ولا يذكر الرجل الا بما هو فيه هذا هو المعيار النقدي الجديد الذي فرضه دين السماء على طباع القوم فهاجت به مشاعرهم ورضيت بذلك نفوسهم وسمحت دلالات النص عندهم اذن حسان جزل في جاهليته وإسلامه ولا يعقل ان يكون الاسلام بعظمته ؛… الاسلام الذي جاء العرب بكتاب مبين .. فحارت به العقول ووجمت أمامه الطاقات .. لا يعقل ان يكون هذا النمط الكتابي الجديد الذي دعا دهاقنة القوم لوسمه بالسحر والكهانة وما ذلك الا لبليغ قوله وقوة تاثيره .. ولو نظرنا الى سمات النص القراني لرايناها تخالف القوم في معايرهم وسمتهم ؛ فقد مال النص القراني الى اليسر والوضوح وتمشى مع طبيعة النفس وسجية اللغة فابتعد عن الغريب فكان قريب الماخذ حلو الديباجة متدفق العاطفة قوي التاثير ، تنساب موسيقاه عذبة ، و تتعانق فيه الفواصل عناقا ينم عن اريحية تحلو وتعلو .. ولم يصدر عن القوم المجبولين على الغرابة الا اذعان واعلان لمنهج السهولة واليسر . فاليسر في عبقية التصوير، فن واللين في جمالية التصوير فن ولا حاجة للزعم ان كل سهل مشين وكل صعب رصين . كان حسان في راينا من الصنف الثاني الذي رضيه القران ولعل حسان قد تأثر بهذا النص الالهي المنزل العظيم فاقتدى حيث اراد ، واقتفى المنهج الوسطي في التعبير فانظر اليه في سماحة طبعه وحسن تخلصه؛ حين ينتقل بك من التشبيب الى ذكر الحبيب: فدع الديار وذكر كل خريدة بيضاء انسة الحديث كعاب واشكو الهموم الى الاله وما ترى من معشر متالبين غضاب كيف يزعم زاعم ان وراء هذه الرقة وحسن التخلص لين وركاكة وانظر اليه وقد خضعت له عناق الكلم فقادها رضية حيث اشتهى الى موطن الضرب والطعان : حتى اذا وردوا المدينة وارتجو ا قتل النبي ومغنم الاسلاب وغدوا علينا قادرين بايدهم ردوا بغيظهم على الأعقاب بهبوب معصفة تفرق جمعهم وجنود ربك سيد الارباب لعله من السهل ان يصل بك التقدير الى تحديد المشهد الذي صوره حسان من قصة الاحزاب وما حل بهم من عواصف وقلب القدور , ولعلي أراك هنا تحث الخطى لت قول بأن ما أوردته لك من السهل القريب المطبوع ولكنني اتحسس مواطن ذوقك فاجدك قد اكبرت هذا الطبع ورضيت من حسان بما أتى ولا أحسب انك ستقول كما قال الاصمعي أن حسان في هذه القصيدة قد خرج عن سماحة الشعر وجزالة اللفظ واحسب انك ستقول ما كان للاصمعي أن يزعم زعمه فها انا ذا ارى في هذا الشعر ما يشنف الاذن وينعش القلب ويقر العين ارأيت كيف انني قدمت لك من حسن التعليل ما يثبت لك ان الامور لا تؤخذ كما أراد لها القوم واختم بهذه الكلمات العبقة من شعر حسان في رثاء عمر الفاروق رضي الله عنهم أجمعين: رؤوف على الادنى غليظ على العدا أخي ثقة في النائبات نجيب متى ما يقل لا يكذب القول فعله سريع إلى الخيرات غير قطوب ولعلك تلمز هنا بطرف خفي؛ تريد أن تذكرني بتلك الآية العظيمة في حق محمد وأصحابه ( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ………) ولعلك قائل أيضا بأن حسان تأثر بتلك الآية بيد أنني أقول لك أيضا ألا تلمح معي أن حسان قد تمثل منهج الفاروق في خاصيتيه العظيمتين: الصدق الفني والصدق الأخلاقي؛ فلم يمدح الفاروق الا بما هو فيه ولم يثقل نصه بأي حوشي أو غريب