الكاريكاتور العربي والعالمي في كتاب لعبد الحليم حمّود

"الكاريكاتور العربي والعالمي" في كتاب لعبد الحليم حمّود
مرجع غنيّ يؤرّخ لمراحل فنّ بالأسماء والنماذج

صدر حديثاً كتاب "الكاريكاتور العربي والعالمي"(*) لعبد الحليم حمود في 168 صفحة قطعاً كبيراً، وهو على ما ورد في المقدمة "تاريخ أولي للكاريكاتور العربي مع إطلالة على الكاريكاتور لعالمي".
ينتمي عبد الحليم حمود الى جيل الرسامين الشباب (مواليد 1974) ويتعامل مع التقنيات الحديثة منها الكاريكاتور المتحرك والثابت، وشارك ولا يزال في صحف يومية ومجلات اسبوعية ومحطات
تلفزيونية، أرضية وفضائية. لم أتوقع أن يكون هذا الكتاب التأريخي لفن الكاريكاتور على هذا المستوى الجدي من البحث لدى تناولي إياه مغلفاً بالنايلون. اعتقدت أنني سأقع على رسوم كاريكاتورية للمؤلف، وترددت في فضّ الغلاف الشفاف رغم الرسم الكاريكاتوري على غلاف الكتاب وهو لسلفادور دالي في خطوط ساخرة وملونة. بيد أني خضت المغامرة ورحت اتصفّح صفحاته سريعاً في البدء ثم انجذبت الى محتواه فأبطأت في تقليب الصفحات والتمعن في المعلومات
والنماذج المدرجة فيه سواء كانت منحوتات او محفورات او رسوماً بالقلم وبالأسود والابيض، ومن كتب متخصصة او من منشورات مكتوبة او وسائل مرئية.
يستعرض الكتاب اسماء وصوراً وهيئات ووجوهاً تمثل مجموعة من البلدان المتقدمة والنامية. نرى رسوماً كاريكاتورية موفقة أو فاشلة، مقتضبة او ثرثارة، ثاقبة او ساذجة، ذكية أو بليدة، جادة او رديئة... وأعود الى الصفحات الأولى وآخذ وقتي في التوقف عند كل ما تمكن حمود من توثيقه في صفحات كتابه المئة والثماني والستين. وهنا اتوقف لتسجيل انطباعاتي او مآخذي على هذه او تلك قبل أن أكمل القراءة، ثم ألجم نفسي كي لا أتدخل في كل شاردة وواردة من النص، حتى لو كان يغضب أحياناً بعموميات كان مفترضاً تجاهلها واسقاطها بدلاً من تسطيحها وسردها، فهي متوافرة
في مراجع متخصصة أو في الموسوعات وعلى الانترنت. واذ ذكر المؤلف انه بنى عمله على ارضية مؤلفة من أكثر من عشرين ألف رسم كاريكاتوري لعرب وأجانب كان ممكناً أن يتم اختيار النماذج الأفضل، ولا سيما لفناني الجيل المعاصر له، أي ما نشر خلال الأعوام الخمسةوالعشرين الأخيرة. يقول حمود في تعريفه لفن الكاريكاتور:
"فن اللا الصريحة والمتخفية الساذجة والخبيثة، فن صدامي نزق، هزلي تهكمي يستخرج مكبوت المتلقي من دهاليز الدماغ المعقدة ليحدلها تحت شوبكه الأملس ثم يعيد عجنها مع خميرة البهجة او الفرحة او الحبور، او السرور أو المرح بحسب الطلب، كل هذا لترفخ مكنونات النفس في الأفران الملتهبة وما أكثرها".
غير المطلع كفاية على هذا الفن يفيد حتماً من مضمون الكتاب الذي اعتمد له المؤلف منهجاً كلاسيكياً. يضع حمود بين أيدي القراء معلومات مبسطة انما عميقة ومختارة من مصادر جدية ذات صدقية علمية وتاريخية. والرسوم الكاريكاتورية المرافقة للنص تدعم التعليقات والتفسيرات. يعود في بحثه الى ما قبل التاريخ فيتناول رسوماً عن العصر الحجري وجدران الكهوف، ومنها كهف لاسكو في فرنسا. ثم ينتقل الى الدوافع التي حضت البدائيين على الرسم الساخر في الحضارات القديمة،
وخاصة ما يتعلق بالطقوس الدينية وتصميم الأقنعة ودروع المحاربين. ويتوقف عند المصريين الذين جعلوا للفكاهة إلهاً دعوه "بسي". ولدى بلوغه الفن العربي يقول:
"اما عند العرب فكانت السخرية أكثر حضوراً في الأدب والشعر مع أسماء كالجاحظ وأبو حيان التوحيدي والهمذاني في مقاماته والمعري في رسالة الغفران، وطبعاً مع الفرزدق وجرير. ويمكننا القول ان اكثر القصائد حملت الفكرة الكاريكاتورية الكاملة ولا ينقصها سوى التجسيد على الورق".
ويقفز حمود الى عصر النهضة الاوروبية متوقفاً في ايطاليا عند دافنشي (1452-1519) معتبراً ان دراساته التشريحية التي كسر بها قواعد التشريح في رسم الوجوه تحديداً هي البداية الأكثر نضجاً ووضوحاً بل الأكثر تبلوراً لفن الكاريكاتور. ثم يتناول رسوم جيروم بوش (1460-1516) وبريغيل (1525-1569) وانيبال كاراتشي (1560-1650) الذي أحدث التغيير الفعلي ودعم نشأة الكاريكاتور، ولعل كلمة كاريكاتور مشتقة من اسمه.
ويشير المؤلف الى ان الكاريكاتور كان يعرض في القرنين السابع عشر والثامن عشر في واجهات المحلات وكان الناس يحتشدون امام الرسوم الكاريكاتورية ويفرحون بما كانت تقدمه من سخرية ومبالغة في الهيئات والملامح والمقامات.
كان لنشوء الصحافة الدور الكبير في انتشار الكاريكاتور في القرن التاسع عشر وما تلاه، ولمع اسماء في فرنسا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وسائر البلدان الاوروبية في نسب متفاوتة، وأشهر هؤلاء الفرنسيان دومييه (1808-1883) ودوريه (1832-1883) والالماني تسيلي (1858-1929) وكولوتيس (1867-1945) وفي  الولايات المتحدة كان ثمة عباقرة أيضاً أبرزهم كلي (1799-1857) وكيبلير (1838-1894) وناست (1840-1902).
اضحى لدى الصحف والمجلات كلها اليوم رسام كاريكاتوريّ يساهم في توسيع انتشارها، ومن هؤلاء مثلاً بلانتو في "لو موند" الفرنسية، وفي عالمنا العربي ازدهر فن الكاريكاتور، رغم ان بعض الأنظمة لا يتقبل بصدر رحب الانتقاد والسخرية والهزء من الحكام والسياسيين. ومع ذلك نجد مواهب عديدة في لبنان وفي مصر خاصة، ويعدّد حمود الاسماء اللامعة في البلدان العربية مقدماً نماذج من ابتكاراتها ومعلومات عن كل من هؤلاء. ونعرف جميعاً أساليب الزملاء بيار صادق وستافرو جبرا وارمان حمصي كما نتذكر ما كان يرسمه ديران.
يمكن الافادة كذلك من كتاب حمود من الناحية التوثيقية، ومن الملخصات التي تختزل مراحل متعددة من فنّ ذي أهمية تاريخية.
لور غريب

(*) صدر في منشورات "دار الأنوار"، .2004