المخالفة في اللغة

المخالفة في اللغة

د: عبدالكريم مدلج

ظاهرة لغوية صوتية وُجدت في أكثر اللغات الجزريّة (السّاميّة)، ومنها العربية, وتُعدّ نتيجة من نتائج التطور التاريخي للأصوات, وهي أن يجتمع صوتان متماثلان في كلمةٍ واحدةٍ, فيُقلبُ أحدهما إلى صوتٍ يخالف الآخر لأجل السهولة في النطق, والأغلب في الصوت المقلوب أن يكون من أصوات العلّة الطويلة: (ا, و, ي), أو من الأصوات المتوسطة أو المائعة, المعروفة في اللاتينية 

باسم: (Liquida) وهي (ل, م, ن, ر) وقد يُستعاض عن المخالفة بين الصوتين المتماثلين بوسائل أخرى, كأن يُفصل بين الصوتين بفاصلٍ, أو أن يُحذف أحد الصوتين, أو الأصوات المتماثلة.

فالمخالفة تنحو باللغة نحو السهولة والتيسير وذلك عن طريق التخلص من الأصوات العسيرة في النطق؛ لأنّ الصوتين المتماثلين يحتاجان إلى مجهودٍ عضلي للنطق بهما في كلمةٍ واحدةٍ.

وقد تنبّه اللغويّون العرب القدامى إلى هذه الظاهرة, وعبّروا عنها بمصطلحات عدّة, نحو: (كراهية التضعيف), أو (استثقال الجمع بين الحرفين من جنسٍ واحدٍ), أو (اجتماع الأمثال مكروه), أو غير ذلك من المصطلحات الأخرى.

فمن أمثلة قلب أحد الأمثال إلى صوتٍ آخر قولنا: (لبَّيكَ, ولَبَّيتُ), والأصل فيهما (لَبَّبَ), فعندما اجتمعت ثلاث باءاتٍ متوالياتٍ في كلمةٍ واحدةٍ أضحى النطق بها عسيرًا, فأبدلوا من إحدى الباءات ياءً طلبًا للخفّة والسهولة. وهذا ما يُقال في: (تَسَرَّيتُ, و تظنَّيتُ, و تَقصًّيتُ من القصّة ...) وأشباه ذلك. إذ أصلها: (تَسَرَّرتُ, و تظنَّنتُ, و تَقصًّصتُ), فأبدل من أحد الأمثال حرف علّة وهو الياء لسهولة النطق.

قال العجّاج:

تقضّي البازي إذا البازي انكسر

وقال النّابغة:

فليس يردُّ مذهبها التَّـظَـنِّي

ومثل ذلك يقال في: (قيراط, ودينار), فأصلهما: (قرَّاط, ودنَّار), وللسهولة أبدلوا من أحد المثلين حرف علة وهو الياء.

ومن أمثلة الفصل بين الصوتين بفاصلٍ قول صفية بنت عبد المطلب (فأطل علينا يهودي, فقمت إليه, فضربت رأسه بالسيف, ثم رميت به عليهم فتقضقضوا), أي: تفرّقوا, وأصله: تقضَّضُوا, من القضِّ وهو كسر الشيء وتفريق أجزائه, ففي الفعل (قضَّضَ) توالت ثلاث ضاداتٍ, والنطق بها مجتمعةً يتطلّب جهدًا عضليًا كبيرًا, لذلك أبدل العرب ثاني الأمثال صوتًا من جنس فاء الكلمة, وهو صوت (القاف), فقالوا: قضقض, وهذا أيسر في النطق من (قضَّضَ).

ومثل ذلك يُقال في: تحَشحَشَ القوم إذا تحرّكوا, وأصله: (تحشَّشَ). كما قالوا: تَكَعْكَعَ الرجلُ إِذا ارْتَدَعَ, أو أحجم, أو حبس عن وجهه, وأصله: (تكعَّعَ), فاستثقلت العرب الجمع بين ثلاثة أَحرف من جنسٍ واحدٍ ففرقوا بينهما بحرف مكرّر، قال متمّم بن نويرة:

ولكِنَّني أَمْضِي على ذاكَ مُقْدِماً           إِذا بَعْضُ مَنْ يَلْقَى الخُطوبَ