المهرجان الثالث للقصة القصيرة السورية
المهرجان الثالث للقصة القصيرة السورية:
عنوان مثير وحضور باهت وقصص تحبو
دمشق - القدس العربي - من أنور بدر:
برعاية علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب بدمشق، أقامت جمعية القصة والرواية في الاتحاد مهرجان القصة القصيرة للسنة الثالثة على التوالي، وإذا كان المهرجان الأول تحت عنوان الحداثة فإنّ المهرجان الثاني اختار منظموه عنوان المقاومة ربما بتأثير الانتفاضة الفلسطينية المستمرة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، بينما جاء مهرجان العام الحالي تحت عنوان أكثر إثارة هو صور المرأة في القصة.
استمر المهرجان على مدى يومي (14-13) أيلول/سبتمبر 2003 عبر أربع جلسات صباحية ومسائية احتضنت فيها أروقة اتحاد الكتاب العرب العدد القليل من الجمهور المتابع والذي لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة بكثير، إذا استثنينا متابعة الكتاب المشاركين في المهرجان وهم 15 قاصاً وقاصة إضافة لثلاثة من الاتحاد وجمعية القصة للإشراف على انضباط الجمهور وحسن سير الأمور.
وإذا كان غياب الجمهور هو مؤشر على انحسار الثقافة في زمن الفضائيات التي سمّرت الكثير من الشباب أمام برامج للتسلية وأخرى للفيديو كليبات التي لا تنتهي، فإنّ هذا الأمر لا يفسر غياب المئات من كتاب القصة في سوريا الذين تغص بهم مطبوعات اتحاد الكتاب العرب قبل مقاهي دمشق وأرصفتها، مستثنين الهواة من طلاب الآداب ومراهقين ما زالوا يجربون التعبير عن عواطفهم كتابةً، والقصة القصيرة بعد الشعر هي الأقرب للواعج أولئك وهؤلاء معاً. خاصة إذا تذكرنا أنّ المهرجان يقدّم القصة القصيرة وليس الرواية، والقصة القصيرة - كما يقول بعض النقاد - أقرب إلى روح العصر من الرواية، لكن يبدو أننا في ثقافة تبتعد عن الرواية وعن روح العصر، أو كما قال حسن حميد في تعقيبه على إحدى جلسات المهرجان إنّ النصوص الرتيبة التي تتملق اللغة وتعيد قول الحياة كما هي تصبح نقشاً كالندوب، أو صناديق من خشب، أو كومة من حطب، ليس أمامها من فُسح الانتظار سوى وقت الشتاء القادم.
وأضاف الكاتب في سؤال المهرجانات التي يُعنى المشاركون فيها لمجرد المشاركة وحسب، مما يدل على التهاون والرواسب الكثيرة التي تبعث على المرارة، وخيبة الأمل في إقامة المهرجانات. فلماذا نقيم مهرجاناً للقصة القصيرة يشارك فيه خمسة عشر قاصاً ويحضره من الجمهور عدد أقل من عدد المشاركين؟ ولماذا نقيم مهرجاناً للقصة القصيرة ولا يقدّم فيه المشاركون جديداً في فن القصة أو موضوعاتها؟
في الجلسة الأولى الصباحية للمهرجان القصصي، قرأ كل من الأساتذة جان الكسان، محمود حسن، نجاح إبراهيم، حمدي البصيري، قراءات لقصص تعكس صورة المرأة في مجتمعنا، قصة عنود للكاتب جان الكسان بدت قصة تقليدية في موضوعها وآليات السرد فيها، فالمرأة عنود لها في القصة من اسمها نصيب وهو العناد، تصرُّ عليه حتى تدفع حياتها ثمناً له (الغرق في نهر الفرات) ولا نعلم إذا كان الكاتب يؤيد موتها درساً للنساء حتى لا يعاندن فيما أمر الله به وأولياء الأمر؟ أم أنّه متعاطف مع هذه الضحية؟
بينما قصة حلم في رحلة قصيرة للكاتب محمود حسن فهي تستحضر المرأة من خلال الرجل الجالس مصادفة قربها في الباص، ويذهب بعيداً في أحلامه مع احتكاك الجسدين الناشئ عن حركة الحافلة، وقد علق الناقد الأردني الدكتور محمد عبيد الله في نهاية هذه الجلسة أنّ الراوي يعبر عن رغباته المقموعة أكثر من تعبيره عن المرأة... يعبر عن غيابها لا عن حضورها مستخلصاً أنّ كلتا الشخصيتين لا ملامح لهما، وهذا النوع من المحو يتواءم مع المناخ الاجتماعي الذي صورته القصة، محو ملامح الفرد، وتدمير خصوصيته وشخصيته.
في قصة مرثية لزمن طويل للقاصة نجاح إبراهيم تقرأ شيئاً أقرب إلى الخاطرة، تقرأ عن امرأة تروي خيبتها في الحب والانتظار، وربما يعاد سرد الموضوع نفسه في قصة للراشدين فقط التي يحيلها الكاتب حمدي البصيري لقصة جميل بثينة مع استخدام متواضع لتقنيات القص إذ يكسر الحواجز بين طبقات الزمن فتقدم مذيعة التلفزيون إرشادات في فن التجميل إلى بثينة التي يستحضرها الكاتب من موروث ثقافته الأدبية.
وفي ختام قراءته النقدية أكدّ الناقد عبيد أنّ انشداد القصة إلى الماضي أكد ارتهاننا له، حتى إننا ننظر إلى الحاضر بعين ذلك الماضي ونعجز عن معالجته، أمّا بخصوص المرأة فقد بدت شخصية خائبة، مهزومة، عنيدة بشكل مشوه أو غائبة تسترجع ذكريات حب مضى وقضى فيما يؤكد أنّ هذا الشعور الأدبي الذهني يعبر عن شيء جماعي وشمولي وليس هو مجرّد مصادفة.
في اليوم التالي قرأت لنا القاصة نادرة بركات قصتها أبو البنات لتقيم مصالحة ذهنية بين النسوية والذكورية في الأدب وليس في الواقع، بعد أن أسهبت في نقد الأعراف والتقاليد والعادات التي تنعى ولادة الأنثى وكينونتها.
بينما قصة الأديب خليل جاسم الحميدي الشرفات ترتدي حزنها فهي القصة الوحيدة التي تلجأ إلى تقانات الحداثة في سرد يحيل أو يماهي ما بين الشرفات والأشخاص، فيشئ الأشخاص، ويؤنسن الأشياء، لكن تداخل الوصف مع النجوى الدرامية والنهاية التي أعلنت انكسار الرجل وذوبان صورته في المرأة الراحلة، خلق التباساً في الدلالات التي تفضي غالباً إلى نسوية مشوهة.
مرثية زليخة للقاص علي ديبة، قصة تنتمي للأدب الساخر، وتقوم على حكاية بسيطة لرجل هجر امرأته إلى واحدة من بنات الليل، وبعد أن يتعرف لمأساتها ودوافع انحدارها الأخلاقي والاجتماعي تموت ، فيقرر أن يقدسها في بيئتها، فيأتي القرية ليعلن رؤيته لها في الحلم، ربما تكون السخرية ناجحة، لكن القصة في الكثير من مفاصلها احتاجت إلى مسوغات درامية كانت غائبة.
وفي اليوم الثاني للمهرجان قرأت نجلاء علي قصتها ذاكرة الموت عن مجازر صبرا وشاتيلا على لسان فتاة كانت شاهدة على استشهاد حبيبها، لكن القاصة لم تقدم كركتر بطولة، بل أنثى من لحم ودم تحب وتشتهي وتكتب خيبتها، عبر تقنية في السرد والتقطيع وتوظيف العناوين التي تضيء النص، ما أعاب هذه القصة أكثر من سواها اللجوء إلى المبالغات المعنوية واللفظية واستخدام مفردات قاموسية ورتابة الإيقاع الواحد في السرد.
الناقد غسان ونوس علّق على قصة مسعود في ليلة عاصفة للكاتب نصر محسن بأنّها تعبير عن قلق الرجل الدائم ورغبته المستمرة في امتلاك أجمل النساء، حتى مع تقدم العمر في الوقت الذي ترضى فيه المرأة بالرجل وتصبر على عجزه
سعاد القادري في قصتها امرأة تتحدث عن راقصة في لحظاتها الأخيرة بما يذكرنا برواية الإغواء الأخير للمسيح للكاتب الكبير نيكوس كازنتزاكس، حيث تسترجع مشاهد وأحداث ومواقف المجتمع والناس، لكنها تنتهي بنهاية سريالية، حين تدخل أسراب الفراشات في رقصة فرحة إلى مأتمها.
علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب وراعي المهرجان قال في كلمته الافتتاحية: إنّ اختيار عنوان المهرجان كان صائباً، وذهب يعدد صور المرأة في الأدب أماً تبكي جوعاً، أو تبحث عن الأمن، امرأة تلهث وراء الحب.. نساء موتى فوق الجثث والدماء، المرأة الفلسطينية، المرأة العراقية.. ما يجري في العالم من تخريب للأسرة.. نحتاج إلى قصاصين وكتاب ليصوروا صورة الوجدان، ونحتاج إلى الكلمة التي لها شأنها وتأثيرها.
وأضاف عرسان يقول أريد أن أرى صورة المرأة التي تنتظر ابنها المقاتل أو ابنها الأسير، أو زوجها السجين والمعتقل وحدد المهمة الأساسية للأدب بالعودة إلى التاريخ لاستلهام نماذج كفاحية ونضالية محفزة بالمقابل حمل على الكتاب الذين يصورون نساء مأزومات ضائعات، وينساقون وراء إغواء التخييل، لأنّ التخييل إذا كان مطلوباً فإنّ الواقع أوجب بالطلب.
يبدو أنّ رؤية علي عقلـة عرسان حكمت نماذج القصة المشاركة في المهرجان إلى حد بعيد،
ولا أريد القول إنّها حكمت أو إنّها كانت سبب غياب الجمهور، وضعف النماذج القصصية
المقدمة والتي بدت أنّها بعد تجارب ناجحة لزكريا تامر، وعبد الله عبد، ومحمد كامل
الخطيب، وسواهم....ما زالت تحبو على مدارج اتحاد الكتاب العرب بدمشق وفي مطبوعاته.