كيف تصبح كاتباً (1)
كيف تصبح كاتباً (1)
مكانة الكتابة والكتاب
بقلم: محمد السيد
1 – تمهيد:
يتبوأ الحرف العربي مكانة أولى في معركة إثبات الذات لأمة الإسلام، لذا فهو يخوض لججاً من المحاولات في الطريق إلى توضيح الوجه الحقيقي لمستقبل الأجيال القادمة من هذه الأمة، ذلك الوجه الذي يحمل سمات دين الإٍسلام، ويؤشر إلى تبني هذه الأجيال العودة إلى نبعها الأصيل وسبيلها القويم، المؤسس على عقيدة ربانية نزل بها الروح الأمين على قلب رسول حبيب، حمل الأمانة إلى الناس بقوة وعدل وإخلاص، فسرت تلك العقيدة الإسلامية وشريعتها وسلوكياتها في أجيال الأمة على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان، تحملها حروف نورانية انتشرت أشعتها من خلال كلمات كتاب الله العظيم (القرآن الكريم) الذي تناولته والحديث الشريف أقلام الكتاب والعلماء بالشرح والتفسير والبيان والتوصيل إلى كل الأنحاء من هذا العالم، وكان لدور القلم والكتابة المكانة الأولى في انتشار الخير العميم، خصوصاً عندما كان هذا القلم يخط خطه من خلال العمل والقدوة والالتزام بما جاء في الكتاب والسنة.
ولا بد من الإشارة في هذا التمهيد إلى حقيقة راسخة في مسيرة هذه الأمة ألا وهي أن المعجزة الأولى والأساسية في حياتها كانت وما تزال وإلى أن يرث الله الأرض ومن فيها وما فيها ممثلة في كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفي ذلك ما يشير إشارة مباشرة وواضحة إلى أهمية الكلمة البليغة الملتزمة القوية الخالصة في بناء الأمم، وصناعة الأجيال، إذ أن أول ما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن العظيم "اقرأ" فكانت شعاراً ورمزاً وعملاً في أمة أمية تحولت خلال عقود من الزمان قليلة إلى أمة قارئة، عالمة قائدة للأمم، وذلك بسحر الحرف الرسالي وبيانه السامق العالي، والقدوة الملتزمة المؤمنة.
2 – ما جاء في أهمية الكتابة والكتاب
لا يستطيع أحد أن يماري في أهمية الكتابة والكتاب وأثرهما في الأمم، سلبية كانت تلك الآثار أم إيجابية، وأن هؤلاء الكتاب، كتاب الفكر أو العلم أو الأدب هم الذين بأقلامهم تسطر مصائر الأمم، وبأقلامهم تتضح معالم الحاضر والمستقبل. ولقد عظم رب العزة الحرف ومن يسطرونه من ملائكته، فأقسم بالحرف وبالكاتبين له، فقال جل من قائل:
(ن، القلم وما يسطرون)؛ فالحرف والقلم ومن يسطر به كلها أدوات حرفة الكتابة، استحقت لأهميتها أن يقسم ربنا بها. وقد بين الله لنا نحن البشر أي سبيل نتبع، لنصل إلى فضيلة العلم والمعرفة، فقال سبحانه وتعالى في محكم الكتاب العزيز: (الذي علم بالقلم)، فلا يمكن أن تمتطي أيها الأخ الكريم ناصية العلم، ولا يمكن أن تمتلك أدوات المعرفة إلا عن طريق القلم، أي الكتابة والكتّاب والكتاب، فكم هي عظيمة تلك المكانة والمهابة لهذه المهنة الراقية، إذا التزمت بقيم الحق والهدى والفطرة الإنسانية التي خلق الله الإنسان عليها؟!.
ولقد ميز ربنا جل جلاله ملائكته الكتبة على غيرهم من الملائكة، فذكرهم وحدهم بمهنتهم إذ قال في محكم الكتاب (بأيدي سفرة كرام بررة) وسفرة هم كتاب الأسفار من الملائكة. فهم كرام بررة، لأنهم كانوا أمناء أعظم ما تكون الأمانة على ما استحفظوا عليه من كتابة للأقدار والآيات الربانية.
وليس هذا الذي أبديناه من بيان لأهمية الكتابة والكتاب هو نهاية المطاف في بابه.. بل إنك أخي الكريم سوف تجد في سطورنا القادمة مزيداً من البيان في هذا المجال ليس آخره ما قاله الأصمعي لرجل:
"ألا أدلك على خليل إن صحبته زانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن استعنت به أعانك؟. قال الرجل: نعم. فقال بالأدب".
والأدب نوع من الكتابة يكتبه كتاب مبدعون، يقفون في قمة قائمة الكتاب لما كان لهم من تأثير نفسي وحركي وعملي في نفوس الناس ومشاعرهم ووجدانهم.
ويكفي أن نذكر في هذا المجال، أن أربعة من الكتاب المسلمين، قد بويعوا بالخلافة وهم: عثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم، ورابعهم عبد الملك بن مروان رحمه الله. ولا ننسى ما وصل إليه كثير من كتاب من مكانة وقدر من مثل الفتح بن خاقان، وابن عباد، وغيرهما...
وقد قال الشاعر أبو الفياض الصابئ في مدح الصاحب بن عباد:
أقال الله للأقدار سيري وفي أقلام إسماعيل صيري(1)
وهذا ابن الرومي يقول في مدح الكتابة والأقلام الكاتبة شعراً طيباً:
كذا قضى الله للأقلام مذ بُريت إن السيوف لها مذ أرهفت خدم(2)
وقد قيل قديماً: "قيدوا العلم بالكتابة".
وقال سقراط: "ما بنته الأقلام لم تطمع في دروسه الأيام" (3) فالعلم لا تثبت منفعته وتدوم إلا بالكتابة إذ لا تطمع الأيام حينئذٍ في اندثاره وذهابه أدراج الرياح بفعل النسيان وآفات اللسان.
وكل هذه الأهمية للكتابة والكتاب، وكل ذلك القدر الذي كان للكتاب نابع من أن هذه المهنة تحتاج إلى إمكانيات مضاعفة، وذكاء فائق، لأن صاحب هذه المهنة يحتاج إلى التفكر بالمعاني، وإلى اكتمالها في قلبه، ومخيلته، ثم إلى بيانٍ ناصعٍ واضحٍ مرصوف، في حروف وكلمات وجمل، يخطها قلم ثابت الجنان، عالي البيان، ملتزم العقل والقلب والجوارح بقيم الرب الديان، الذي أراد لهذا الإنسان الهدى والصلاح في هذه الدنيا، والفوز والفلاح.. (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). وانظر أخي القارئ إلى ما تركته كتابات الشيخ محمد الغزالي والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من تأثير وتعديل في سلوك وأفكار الناس، وليس هؤلاء الذين ذكرنا إلا القليل من الكتاب الذين امتد أثرهم وتأثيرهم فكان الناس تبعاً لما نشروا من أفكار بأقلامهم التي سطرت الفكر والأدب.
يتبع
(1) و(2) من كتاب محاضرات الأدباء ص .112
(3) المصدر السابق ص .49