لماذا يتجاهل د. يوسف عز الدين

عبد الله الطنطاوي

لماذا يتجاهل د. يوسف عز الدين

ريادة باكثير للشعر الحديث؟!.

 بقلم: عبد الله الطنطاوي  

[email protected]

استمتعت بقراءة المقال الذي كتبه الدكتور يوسف عز الدين في العدد الرابع والعشرين من مجلة الأدب الإسلامي الزاهرة، وبعد قراءته، تساءلت: هل كان المضمون يقع تحت هذا العنوان الذي عنون به الدكتور مقاله: (أيهما السابق في التجديد ونظم الشعر الحديث؟)

فالعنوان يتضمن:

1 – أيهما السابق في التجديد؟

2 – أيهما السابق في نظم الشعر الحديث؟

ويعني كلاً من الشاعرين المبدعين: نازك الملائكة، والسيّاب.

وكان فيما قاله الدكتور عن السبق في التجديد: "ولو أن بدراً اعتمد على الأساطير العربية، والتراث الضخم، وأصالة هذا الأدب، وطوّره، لكان تجديداً، إذن.. ما كان ما فعله تجديداً، والله أعلم" ثم يتابع الدكتور:

"بخلاف السيدة نازك الملائكة التي حافظت على الديباجة العربية، وجدّدت بكلّ رفق وتؤدة، وبحدود مقبولة، إضافة إلى حسّها الموسيقي المرهف، لأنها تعزف على العود، وتتذوق الأنغام الجميلة" ما شاء الله! معلومة مهمة أضفناها إلى معلوماتنا عن الشاعرة الكبيرة المبدعة، شفاها الله وعافاها، وأعادها إلى حظيرة الشعر والنقد، فقد شغر مكانها أو كاد!

ثم يتابع الدكتور –ومعذرة لتقطيع كلامه، وبإمكان القارئ أن يصل ما انقطع من كلامه:

"لهذا فإن بدراً أكثر إحساساً بالتجديد والتطور، لأنه أكثر اتصالاً بالشعر الإنكليزي، وكان شديد العناية بدراسته، وتتبع تطوّره وتجديده طالباً، وتأثر به شاعراً."

أستميحك العذر يا دكتور، لم أفهم ما قلت.. فمن المجدد في رأيك؟ نازك أم السياب فيما نقلته عنك؟

ثم.. ألا ترى معي ثقل اسم التفضيل (أكثر) في استخدامها مرتين فيما لا يتعدد؟ أليس كلمة (أشد) مثلاً خيراً منها؟

على أي حال.. ننتقل إلى البند الثاني من مقال الدكتور: أيهما السابق في نظم الشعر الحديث؟ يعني التفعيلة.

كأني بالدكتور حصر الريادة في نازك والسياب ابتداء، كأني به كان ينظر إلى مقالي (مع رواد شعر التفعيلة) الذي نشرته في مجلة (الآداب) في العدد التاسع (أيلول 1969) أي قبل أربعة وثلاثين عاماً.. أجل.. أقول: كأنه كان ينظر إليه، وهو يعدّد بعض الأسماء التي كنت ناقشتها في مقالي، أعني الشعراء والكتّاب: نازك – السياب – أبو حديد – باكثير – أبو شادي – د. كمال نشأت – الزهاوي – غالي شكري – صلاح عبد الصبور – لويس عوض – ناجي علوش – إنعام الجندي – النويهي – سيد قطب – مختار الوكيل – د. عبد الهادي محبوبة – عبد الرحمن شكري – خليل شيبوب، وسليمان فياض، وسواهم، وكان في بعضهم حدّة، ولكنّ أياً منهم لم يستطع دحض ما توصلت إليه في دراستي، من أن رائد شعر التفعيلة هو الشاعر علي أحمد باكثير الذي سبق نازك والسياب ببضع عشرة سنة، ولست أدري ما إذا كان الدكتور يوسف لا يعد ترجمة مسرحية كاملة "روميو وجولييت" وتأليف مسرحية كاملة، بفصولها الأربعة، وبصفحاتها التي جاءت في مئة وثمان وأربعين صفحة، نظمها الشاعر باكثير شعراً حراً.. شعر التفعيلة.. وأفادت نازك من بعض آرائه في شعر التفعيلة، وعدّه السيّاب رائد الشعراء الذين ينظمون أو يشعرون على الطريقة الجديدة، طريقة شعراء التفعيلة.

أقول: ألا يكفي هذا، مع ما نظمه باكثير فيما بعد، ليقرّ الدكتور بأن باكثير هو السبّاق، وهو الرائد؟

الدكتور من قراء (الآداب) ومن كاتبيها، و(الآداب) كانت وما تزال، مجلة الأدب الأولى في الوطن العربي، منذ ظهورها، وما كان أديب أو متأدب إلا ويطلع عليها، وكثير منهم يقتنونها.. وخاصة الأدباء والكتّاب العراقيين.

ثم إني نشرت ذلك المقال في كتابي: (دراسات في أدب باكثير) المطبوع عام 1975م، ثم نزل –سهواً- في كتابي (فلسطين واليهود في مسرح علي أحمد باكثير) عام 1997م، وأحسب أن الدكتور لم يطلع عليهما حتماً، ولعله لم يطلع على الردود على مقالي، والردود على الردود، فكان ممن ردّ عليه: غالي شكري، والدكتور كما نشأت، وسليمان فياض، وسيد ياسين، وكان الأستاذ الشاعر الناقد محمد الحسناوي فيمن شارك في الردّ على بعض هؤلاء، كالدكتور سيد ياسين، في العدد الثامن من مجلة (الآداب) عام 1970م رد على "سيد ياسين الذي نقد المقال (مع رواد الشعر الحر) للكاتب عبد الله الطنطاوي الذي دلّل بالحجة والاستقصاء على ريادة باكثير للشعر الحر، أو الحديث، أو شعر التفعيلة، من دون بدر شاكر السياب أو نازك الملائكة، أو فريد أبي حديد، أو أحمد زكي أبي شادي، أو لويس عوض، فإذا بالسيد ياسين يستلب الريادة من الرجل، ومن كل رائد على ظهر الأرض، إذ يقول: "وكما أننا لا نستطيع –من وجهة النظر العلمية- نسبة التحولات الكبرى في التاريخ إلى أفراد أعلام –لاشك في عظمتهم- فنحن هنا أيضاً - إذا ما التزمنا بالمنهج العلمي في دراسة الأدب –لا نستطيع أن نسلّم بأن فلاناً من الأدباء، هو الرائد الأول للقصة القصيرة، أو الرواية، أو للشعر الجديد". – الآداب: 10/1969 -.. هكذا إذا ما التزمنا بالمنهج العلمي! وأي منهج هذا المنهج العلمي؟ ولكن.. هل هذا النوع من المعرفة –ولا أقول العلم- هل يبطل دور (العوامل الذاتية التي تتمثل في الجهد الخلاق للأدباء، ونوعيّة تكوينهم الثقافي، وانتماءاتهم الأيديولوجية والاجتماعية التي تؤثر تأثيراً حاسماً في نوعية إنتاجهم؟.. هذه العبارات من كلام سيد ياسين نفسه، فما الجريمة التي اقترفها عبد الله الطنطاوي لما –أجهد نفسه للعثور على الرائد "الأول" للشعر الجديد؟*

كنا نظن أن الموضوع قد حُسم، بعد كل تلك المناقشات والردود التي لم يستطيع واحد من كتابها أن يدحض ما انتهيت إليه، من أن باكثير هو الرائد –كما قلت- وعندما التقينا الشاعرة الرائعة نازك في فندق الصخرة في لبنان عام 1972 بحضور زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة لم تنكر ريادة باكثير، ولكنها لم تكن تعرف عنه هذا، كما كان السياب الذي كان يهديه دواوينه، ويكتب له في الإهداء كلمات يعترف فيها بسبق باكثير في هذا المضمار، كما جاء في مقدمة مسرحية (أخناتون ونفرتيتي).

وقد نشرت وقائع هذا اللقاء في جريدة (الحياة) اللندنية في العدد 11275 تاريخ 28 من كانون الأول 1993.

لقد أشار الدكتور إلى باكثير إشارة عابرة، ولكنه كان قد حسم الأمر من العنوان، ومن الكلمات الأولى التي قرّر فيها، أن نازك والسياب أول من جاء بشعر التفعيلة: "وحسب هؤلاء أن الشاعرين –السياب ونازك- هما أول من جاء بالشعر الحر، والأمر ليس كذلك، وهذا لا يضير شاعرينا الكبيرين المبدعين: نازك والسياب، لأن هذا حقيقة تاريخية يجب احترامها، وردّ الفضل إلى أهله.

* انظر كتاب (في الأدب والأدب الإسلامي) تأليف محمد الحسناوي ص: 263.