نحو مرجعية إسلامية عربية

أرجو اعتماد وثيقة وهي أن كاتب شيعي يشهد أن إسماعيل الصفوي كان يدعو إلى إمبراطورية فارسية وجعل التشيع ستاراً لذلك .....

محمد علي الحسيني

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان

ترتبط مسألة التشيع عند قطاع عريض من الشارع الشعبي العربي بجذور غير عربية وينظر الکثير الى التشيع أساسا على أنه إبتداع من خارج الواقع العربي لأهداف وأغراض محددة وقد طرحنا في لقاءات صحفية وإذاعية ومقالات سابقة لنا مسألة أصالة الجذور العربية للتشيع واوضحنا بأن التحويرات والتطويرات والاضافات اللاحقة التي ألحقت بالتشيع کانت فرعية وجانبية وکانت مجرد تابع للأصل الرئيسي الذي ولد وبرز وترعرع عربيا.

والذي دفع الکثيرين للوصول الى هکذا قناعة هو الدور البارز الذي لعبه العديد من العلماء الشيعة المنحدرين من أصول فارسية عبر مراحل عديدة من التأريخ، لکن السعي لإستقراء واقعي ودقيق وبعيد عن کل أشکال العصبية والتعصب يدفعنا لتسليط الاضواء على المرحلة الصفوية وتلك المرام والاهداف السياسية التي تغلب عليها ابعاد قومية محددة سيما وان الشاه اسماعيل الصفوي کان صاحب مشروع سياسي ـ فکري خاص به رکز فيه أيما ترکيز على ضرورة منح إيران دورا وحجما أکبر من الذي تملکه حيال الدولة العثمانية وسعى الشاه اسماعيل من خلال الضغوط التي مارسها على رجال الدين الشيعة الفرس لدفعهم بسياقات معينة تخدم طموحاته وتطلعاته لخلق إمبراطورية فارسية تعيد الامجاد الغابرة، ومما لاشك فيه أن الشاه اسماعيل قد تمکن وبشکل لا يقبل الجدل من أخضاع المرجعية لتطلعاته السياسية ذات الطابع القومي وهذا الامر قد إنسحب بصيغة أو أخرى على مراحل تأريخية أخرى متقادمة مما ولد غشاوة وضبابا ساهم في الالتباس والحيرة للاقرار بخصوص العديد من المسائل المهمة والحساسة، ومثلما أن السلاطين العثمانيين قد عملوا کل مابجهدهم من أجل إبراز العنصر الترکي کمرجعية أساسية في عملية القيادة وعملوا على إضعاف أو تهميش الدور العربي لأخواننا من أهل السنة، فإن الامر ذاته قد حصل على الصعيد المقابل حيث جرت عملية سياسية ـ عقائدية خاصة کان الهدف الاهم فيها هو إضعاف الدور العربي على صعيد المرجعية وجعله مجرد تابعا أو ظل فرعي، وفي کلتي الحالتين فإن الخاسر الاکبر کان العرب حملة الرسالة الاساسيين وأصحاب القضية الاصليين، لکن إخضاع المسألة الدينية للطموحات القومية کما جرى مع الدولتين العثمانية والصفوية قد ساهم وبشکل غير عادي في تحريف الکثير من المسلمات والبديهيات الاسلامية ـ العربية وتجسيدها في أشکال وأنماط ومحتويات تقترب أحيانا من تشويه مقصود سيما وان في الحالتين (الفارسية والترکية) قد تم الترکيز وبشکل إستثنائي على العديد من المسائل التي تبين قصور العرب وتخلفهم في عملية قيادة الامة الاسلامية وهو أمر أبعد ما يکون عن الحقيقة ومحض إفتراء وتلاعب بالحقائق التأريخية الناصعة إذ أن المسلمين العرب الذين حملوا الرسالة المحمدية النبيلة الى أصقاع الارض المختلفة وهدوا الامم والشعوب المختلفة الى نور التوحيد وکرموهم بهذا الدين الحنيف، لم يلعبوا دورا سلبيا في إخضاع تلك الاصقاع لمبادئهم السامية وإنما وجدت تلك الامم والشعوب نفسها مبهورة ومأخوذة بهذه الافکار والطروحات السامية التي تلبي الطموحات الانسانية ومما لاشك فيه أنها قد فوجئت بتلك المعاملة الانسانية التي لم يشهد التأريخ لها مثيلا وهو أمر ساهم في إهتداءها للإسلام.

إننا لسنا نشکك في أسلمة أخواننا من الفرس والترك لکننا نشير وبشکل واضح لا لبس فيه الى تلك المراحل التأريخية التي لعبت فيها بعض الشخصيات التأريخية دورا سلبيا تجاه الزعامة والريادة العربية للمشروع الاسلامي والذي ولد وترعرع ونشأ في بيئة وأجواء عربية تغلب عليها کل السمات والطباع الانسانية، لکن الطموحات السياسية الضيقة لبعض من الشخصيات قد عملت على التشکيك في الشکل والمحتوى الايجابيين للدور العربي وسعت للصعود على حسابه وعلى حساب الحقائق التأريخية ومن هنا فإننا في المجلس الاسلامي العربي ندعو وبکل قوة الى إعادة التأکيد على الدور العربي على صعيد المرجعية الاسلامية وانهم الاجدر بقيادة الامة الاسلامية صوب شطئان الخير والنجاة. وان المزيد من اليقظة والحذر فيما يتعلق بقضية التأکيد على مرجعية اسلامية عربية رشيدة سواء سنية کانت أم شيعية، تکاد تکون من الاولويات الملحة التي من المهم وضعها على رأس قائمة الاهتمامات العربية خصوصا وان الساحة الاسلامية تشهد إجتهادات في تأويل بعض القضايا المهمة والحساسة رغم أنه من الممکن أن تکون بعضها أشبه بشطحات سطحية بعيدة أشد البعد عن روح وجوهر الاسلام وهي لاتخدم شأنا عربيا کما خدمت وتخدم شؤونا وأجندة إقليمية وحتى دولية ومن هنا فإن التأکيد على إبراز الدور العربي في المرجعية الاسلامية على مختلف الاصعدة أمرا حيويا في منتهى الاهمية وهو بمثابة صمام الامان للکثير من المسائل البالغة الاهمية والخطورة کمسألة الامن القومي العربي.