يا قدس
صلاح حميدة
القدس، فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، القدس منها عرج الرسول عليه الصلاة والسلام إلى السماء، أرض المحشر والمنشر، مهد الرسالات، وفيها وحولها معركة الفصل بين الحق والباطل، معركة قيام الخلافة الراشدة، القدس، موضع الرباط المتقدم في العالم الإسلامي، ومن يعيش فيها في رباط إلى يوم الدين، القدس، التي لا يعمر فيها ظالم، ومن أظلم ممن منع الصلاة في المسجد الأقصى؟ ومن أظلم ممن يظاهر المسلمين فيها ويخرجهم من ديارهم؟.
القدس مسجدنا للصلاة، القدس حضارتنا ومعمارنا وثقافتنا ومكتباتنا ومدارسنا، القدس فتحها عمر، وحررها صلاح الدين وطهرها الظاهر بيبرس، القدس مهوى القلوب وإليها تشد الرحال، القدس تراثنا الذي نحرص عليه ونحفظه، القدس تجارتنا ومالنا.
تعاني مدينة القدس منذ ما يزيد على الأربعين عاماً، فمنذ ان وطأت أقدام الصهاينة أرض القدس، حتى أعملت أيديهم فيها قتلاً وتدميراً وحرقاً، أحرقوا المسجد الأقصى، وقتلوا المسلمين المصلين فيه وفي أكنافه، ضيقوا على الناس، هدموا بيوتهم وأرهقوا المقدسيين بالضرائب، وشلوا تجارتهم، هدموا بيوتهم، منعوهم من ترميم أخرى، والبناء ممنوع، وإذا سمح فيلزمك دفع ثروة حتى تبني بيتاً.
لم تتوقف الحفريات تحت القدس القديمة والمسجد الأقصى منذ الإحتلال الصهيوني وحتى اليوم، زادت الحفريات وتسارعت وتيرتها، وبدأت نذر الخطر تظهر للعيان بشكل فاضح وجلي، تقع البيوت والمدارس بأهلها وطلابها، تتشقق الجدران، القدس والأقصى يقفان على فراغ، ونذر الخطر الأكبر قادمة، فالأمطار قادمة، والزلازل قادمة، ويد البشر تفعل فعلها، وربما نفيق ذات صباح على خبر فاجع؟! الشيخ رائد صلاح يصرخ الأقصى في خطر، الأقصى والقدس تهودان، ولا نرى التجاوب المطلوب، القدس تحاط بالجدار وتغرق في الإستيطان يلتهمها كالسرطان، تغرق ببطء في رمال التهويد.
قبل فترة قصيرة أعلن رئيس بلدية القدس الصهيوني العنصري، أن القدس ستصبح في العام 2025م مدينة عربية؟ وأن العرب ينجبون كثيراً، وأن اليهود يهاجرون بهجرة عكسية من المدينة المقدسة؟
عندما قرأت تصريحاته بأناة، علمت أن موجة من التطهير العرقي والديني ستتم ضد أبناء المدينة من العرب الفلسطينيين، لم يمر يوم، إلا وطالعتنا وسائل الإعلام على أنباء الإخطارات التي وجهت إلى الفلسطينيين في حي البستان في قرية سلوان الفلسطينية الملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى، والتي تعيش فوق فراغ من الانفاق التي تحفر ليل نهار تحتها، ونتيجة هذه الخطة سيتم تشريد أكثر من ألف وخمسماية فلسطيني من محيط المسجد الأقصى، والحجة بناء حديقة في المكان؟!.
عنصرية هؤلاء وإجرامهم يدفعهم لتغليف هذا التطهير العرقي العنصري بحق الفلسطينيين بحجج، كحديقة عامة ومنطقة خضراء وأراض حكومية مكان البيوت وأهل البلاد الأصليين، مكان مقبرة المسلمين (متحف تسامح)؟! فأي تسامح هذا؟ مكان قرى اللطرون المهجرة( متنزه)؟! مكان مسجد يوسف والنبي صموئيل(كنيس)؟! ومكان المسجد الأقصى (الهيكل)؟!
من يتابع هذه السياسة السرطانية، يعلم أن هؤلاء يقومون بتنفيذ سياسة من خطوات، ويتم التنفيذ بغض النظر عن الواقع السياسي والأمني، بل لاحظت أن هذه السياسة تزداد شراسة عندما يتم الحديث عن تفاوض، أو أثناء فترات الهدوء.
تعتبر السياسة العملية الوحيدة التي تواجه هذه المخططات هي ما يقوم به الشيخ رائد صلاح ومؤسسة الاقصى وبعض المؤسسات الأهلية الاخرى، والتي تسعى لتثبيت المقدسيين في القدس، ومدهم بكل أسباب الحياة للصمود والرباط حول المسجد الأقصى، ما عدا ذلك، يعتبر العمل الرسمي والشعبي الإسلامي ضحلاً ولا يوازي الإستهداف الكبير للقدس والمقدسات.
سياسة التهويد في القدس والمقدسات وصلت إلى مرحلة الخطر الشديد، وهنا تحديداً يقع العبء الأكبر على الفلسطينيين، فالنظام الرسمي العربي لا يعول عليه، وهنا يجب أن تطرح هذه القضية على الطاولة في الحوارات في القاهرة، فالقدس والاقصى هما أم القضايا، وهما ملف الملفات، وهما مركز الإهتمام، وهما مبعث القلق والحرص، وهما مهوى أفئدة الفلسطينيين، ولذلك قضية القدس مقدمة على كل القضايا الداخلية، بل يجب أن يتم الحوار في كل شيء في ظلال قضية استهداف القدس والمقدسات، فلا كنا إن ضاعت القدس، وما الحصار و( التهدئة) والتسلح والتصالح والمعتقلون والأسرى إذا ضاعت القدس والاقصى؟.
فهل ستدفع قضية القدس الفلسطينيين للتصالح فيما بينهم؟ على قاعدة الإستهداف يوحد الجميع، وعلى قاعدة التنافس في حماية القدس والمقدسات؟ وهل سيتنبه العرب والمسلمون والفلسطينيون إلى الخطر الداهم المحدق بالقدس والأقصى؟ قبل أن يقع ما لا تحمد عقباه، ونفيق ذات يوم على مجزرة مروعة، أو هدم المسجد الأقصى؟!.