"همجية" حماس و"تحضر" نتنياهو وأوباما
"همجية" حماس و"تحضر" نتنياهو وأوباما
رأي القدس
August 1, 2014
في سقطة دبلوماسية، ودليل جديد على مأزقه الذي لا يفوقه الا مأزق اسرائيل نفسها، اعتبر البيت الأبيض الجمعة ان حركة حماس مسؤولة عما وصفته بـ «الانتهاك الهمجي» لوقف إطلاق النار في غزة، مستندا إلى معلومات تحدثت عن مقتل جنديين إسرائيليين اثنين وأسر ضابط.
ومن البديهي ان يتساءل المرء اذ يطالع هذا التصريح غير المألوف، اذا كانت حماس «همجية» حقا لأنها قتلت جنديين اسرائيليين مدججين بالسلاح واسرت ثالثا، بينما كانوا داخل قطاع غزة الذي دخلوه كغزاة لتدميره بشرا وحجرا، فما الوصف المناسب الذي يمكن اطلاقه على الثلاثي نتنياهو ويعالون وغانتس، وهم الذين تسببوا بمقتل اكثر من الف وخمسمئة مدني فلسطيني وجرح نحو عشرة آلاف آخرين، اغلبهم من النساء والاطفال، بما يرتكبونه يوميا من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بشهادات موثقة من موظفي الامم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية؟
هل يجب ان نشيد بـ «انسانية» نتنياهو وسيد البيت الابيض اللذين اكتفيا بقتل هذا العدد، وتركوا لنا نحو تسعمئة الف طفل في قطاع غزة مازالوا على قيد الحياة؟ هل يجب ان نشكرهم لأن قطاع غزة، حسب تعبير منظمات الأمم المتحدة، «على حافة الهاوية» مع توقعات بانتشار الاوبئة والامراض القاتلة خلال ايام بسبب غياب الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وتعطل الصرف الصحي، ونفاد الأدوية والمواد العلاجية، وتكدس الجثث والجرحى في طرقات المستشفيات التي لم تنج من القصف؟
هل يجب ان ننوه بـ «تحضر» نتنياهو واوباما اللذين يعتبران ازالة احياء كاملة بمن فيها من على وجه الارض «دفاعا عن النفس»، مع قليل من «الاسف» او «القلق» على افضل الاحوال لمقتل المدنيين؟
بماذا يمكن ان يسعفنا قاموس اي لغة من كلمات لوصف تهجير نحو نصف سكان غزة عن بيوتهم واحيائهم تحت القصف، حتى اصبحت رائحة الموت تزكم الانوف من رفح جنوبا الى بيت حانون شمالا حيث يعتقد بوجود عشرات او مئات الجثث تحت الانقاض لم تتمكن عربات الاسعاف من الوصول اليهم حتى الان؟
هل يمكن»بمقاييس البيت الابيض» ان يكون الوصف المناسب لمن يتباهون بقتل الاطفال والنساء والمسنين اقل من انهم «عصابة نازية فاشية دموية دنيئة»، مكانها الصحيح الوحيد ليس في مقاعد الحكم او على طاولة المفاوضات لكن امام المحكمة الجنائية الدولية؟
وحيث أن الادارة الامريكية أعلنت مؤخرا تزويد اسرائيل بكميات كبيرة من الاسلحة والذخيرة دعما لما اعتبرته «دفاعا عن النفس»، كما أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع أمس الجمعة تخصيص 225 مليون دولار كتمويل عاجل لإسرائيل، فانه من الناحية القانونية لابد أن اي محكمة دولية ستجد ان اوباما متورط بدعم تلك الجرائم الاسرائيلية وشريك اصلي فيها، ما يجعل الاوصاف نفسها تنطبق عليه ايضا.
اما على المستوى السياسي فقد أكد هذا التصريح الامريكي ما لم يعد بحاجة الى دليل لاثباته، وهو ان الولايات المتحدة شريك اساسي ومباشر في العدوان الاسرائيلي على غزة، وانها لم تكن ابدا وسيطا نزيها، وبالتالي لا تملك القدرة على ان تكون وسيطا او ضامنا لاي اتفاق لوقف النار.
لقد ذهب جون كيري الى النوم مساء الخميس وهو يعتقد انه حقق «انتصارا دبلوماسيا طال انتظاره» في الشرق الاوسط بالتوصل الى هدنة لثلاثة ايام، لكنه أفاق على كارثة مزدوجة، بعد ان اقترن انهيار الهدنة بنجاح المقاومة في اسر جندي اسرائيلي اخر. ظن كيري انه نجح في استعادة «بعض الاحترام» في المنطقة التي غادرها قبل ايام وهو مثار للسخرية والاستهزاء من اقرب حلفائه في وسائل الاعلام الاسرائيلية، وبعد ان تعرض لتفتيش امني مهين في قصر الرئاسة بالقاهرة، اما الواقع فهو أن العدوان الاسرائيلي «الانساني المتحضر» على اطفال غزة ونسائها ومسنيها، ربما دمر ضمن ما دمر اخر ما كان بقي للولايات من احترام او نفوذ في المنطقة.
والاهم وربما الاخطر ان هذا التورط الاجرامي لواشنطن في دماء الابرياء في غزة قد لا يمر دون ثمن باهظ من مصالحها الحيوية والاستراتيجية في منطقة اصبحت كبرميل وقود على حافة الانفجار.
رأي القدس