عظام أجدادنا غير آمنة
عظام أجدادنا غير آمنة
جميل السلحوت
قرار المحكمة العليا الاسرائيلية يوم 29-10-2008 ردّ الالتماس الذي قدمته مؤسسة الاقصى للحفاظ على المقدسات والاوقاف الاسلامية ومؤسسات ولجان اخرى ضد اقامة ما يسمى متحف التسامح على ارض مقبرة مأمن الله " ماميلا " على بعد عشرات الأمتار من باب الخليل في القدس الشريف ، يشكل انتهاكا خطيرا لحرمات المسلمين الأحياء منهم والأموات ، اضافة الى كونه انتهاكا لحقوق الانسانية جميعها ومسّا بحرية الأديان.
وهذ القرار الذي يسمح لمؤسسة " فيزنطال " الامريكية باقامة متحف اختاروا ان يحمل اسم " التسامح " لن يخلق سوى البغضاء والكراهية والأحقاد ، فعدا عن حرمة الأموات ورفات الأموات بغض النظر عن لونهم أو دينهم أو أعراقهم ، هذه الحرمة التي تصل الى حدّ القداسة ، الا ان لهذه المقبرة خصوصية وقداسة زائدة ، كونها تحوى رفات الصحابة الذين شاركوا في فتح القدس الشريف عام 636م رضي الله عنهم وأرضاهم، ورفات اكثر من سبعين الف مقدسي قتلهم الصليبيون اثناء احتلالهم للقدس الشريف في اواخر القرن الحادي عشر الميلادي ، اضافة الى رفات المئات من العلماء والأعيان والصالحين الذين عاشوا في القدس وأكنافها ، فأي تسامح سيكون في هذا المكان ؟! وهل ضاقت الارض بما رحبت بحيث لم يعد متسع للتسامح الا على رفات العرب والمسلمين ، وفي أقدس بقاع الارض ؟؟
وصدور القرار بهذا التاريخ الذي يتزامن مع ذكرى مذبحة كفر قاسم ، وذكرى العدوان الثلاثي على مصر ، هل جاء من باب الصدفة ؟؟ أم جاء من باب التذكير بان الجريمة متواصلة ؟؟!!
وللتذكير فقط فإن مقبرة " مأمن الله " التاريخية ليست المقبرة الاسلامية الاولى التي يتم تجريفها ،تماما مثلما لن تكون الأخيرة ، فقد سبق وأن تمّ تجريف مئات المقابر مع مئات القرى العربية التي مسحتها الجرافات الاسرائيلية من على الارض منذ قيام دولة اسرائيل في 15 أيار 1948 . والهدف طبعا هو محو الذاكرة الفلسطينية والعربية والاسلامية من خلال تدمير وطمس كل ما يشير الى الوجود العربي والاسلامي في هذه الديار .
ومن حق المرء ان يتساءل عن ردود الفعل الاسرائيلية والامريكية والاوروبية فيما لو كان التجريف يستهدف مقبرة يهودية ، فقرار المحكمة الاسرائيلية ليس قرارا قضائيا بمقدار ما هو قرار سياسي يستهدف اقتلاع الأموات بعد اقتلاع الأحياء . ونحن امام سياسة ترانسفير قديمة جديدة تستهدف التطهير العرقي للأموات كما استهدفت الأحياء .
وما ٌقامة شركة امريكية لهذا المشروع الا بمثابة مشاركة رسمية امريكية في الاعتداء على حرمة الأموات في هذه المقبرة ، والا لماذا لا تمنع الحكومة الامريكية شركاءها ورعاياها من المشاركة في هذا الاعتداء على حرمات الفلسطينيين والعرب والمسلمين والانسانية جميعها .
ومن هنا فإن منظمات حقوق الانسان ، وقيادة السلطة الفلسطينية والجامعة العربية ، والمؤتمر الاسلامي مطالبون برفع دعاوي قضائية امام القضاء الامريكي لمنع الشركة الامريكية من اقامة هذا المشروع ، أو المساعدة بإقامته ودفع تعويضات عما تم تجريفه ، كما ان هذه القضية تستحق ان ترفع امام محكمة العدل الدولية كي تدين وتوقف هذه الجريمة التي ستزيد اشتعال دائرة الصراع في المنطقة ، أم ان أنين وصرخات عظام موتانا مجرد صرخة في صحراء قاحلة .