اختلاف الرأي... هل يُفسد الود
د. كمال أحمد غنيم
رئيس نقابة العاملين –الجامعة الإسلامية بغزة
لحكمة عظيمة أرادها الله عزّ وجل جعل الاختلاف محورا من محاور الكون، ومرتكزا من مرتكزاته، قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"(هود: 118-119). وقال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم"(الحجرات: 13).
وقد قامت النواميس الكونية على ذلك الاختلاف، الذي تمّ توظيفه من مدخل التكامل، حيث شكّلت الالكترونات والنواة جاذبية رائعة، تماهت معها نواميس الجذب، التي نراها في رحابة عالم الفلك، أمّا الاختلاف المنطلق من بوّابة التنازع فإنه يسبب الفشل وذهاب الريح، قال تعالى: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"( الأنفال: 46). ذلك الاختلاف الذي يقود إلى الفرقة ويسبب الضياع، لذلك قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "(آل عمران: 103).
ومن الواضح أن النص القرآني لم ينهَ مطلقا عن الاختلاف، بل اعتبره حكمة عظمى، لكنه حذّر من طريفة توجيه الاختلاف، من خلال السير به إلى النزاع والفرقة والفشل، لا التكامل والتوافق والانسجام والتوازن... قال لي أحدهم: "الشدة هي الطريق الأمثل لا الحكمة والأناة!"، قلت: "والحكمة أشمل من الشدة، لأن الشدة مفردة من مفردات الحكمة، إضافة إلى اللين والموعظة الحسنة". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خُيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما"، وقديما قالوا: "أحكم الناس أعذر الناس للناس".
يبدأ الخطأ في الاختلاف من خلال الاعتقاد الجازم بصواب وجهة النظر الخاصة، وخطأ وجهة نظر الآخرين، بعيدا عن الحكمة القائلة: "وجهة نظري صواب يحتمل الخطأ، ووجهة نظر غيري خطأ يحتمل الصواب"، ويقع الخطأ الثاني في معرفة تلك الحكمة شعاراتيا ونسيانها عند التطبيق العملي، أمّا الخطأ الثالث فيقع في التحايل من أجل فرض الرأي، وتسويقه دون الاحتكام إلى منهج الشورى الصحيّ، ويقع الخطأ الرابع عند محاولة إغفال إمكان الاختلاف وصحيّة وجوده من أجل الوصول إلى رأي أكثر نضجا وتوافقا وانتباها إلى ثغرات قد تتخلل رأي الفرد الواحد، بينما يأتي الخطأ الخامس من خلال النظرة المسبقة عن الاختلاف وضرر حدوثه وسلبية وجوده ومحاولة إلغائه والسيطرة عليه، ويكمن الخطأ السادس عند محاولة فرض الرأي الخاص وفق قوله تعالى على لسان فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"(غافر: 29). ويصل الخطأ السابع إلى مدى بعيد من خلال عدم اهتمام المسئول بحسن توجيه الاختلاف وتوظيفه من أجل تحقيق المصلحة، وتجاوز سلبياته الكامنة في تجاهله أو قهره.
رحم الله عمر بن الخطاب عندما قال: "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي"، وصلى الله على نبينا وسلّم، وهو يقول في الصحيحين ثلاثا: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم".