التمرد الطائفي ..  ولغة الدم

التمرد الطائفي ..  ولغة الدم !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لاشك أن التمرد الطائفي وصل إلى المرحلة التي تتجاوز المساجلات الفكرية والقضائية والاحتكاكات الجماعية الفجائية التي لا تلبث أن تنفض بعد حين .. لقد وصل التمرد الطائفي إلى مرحلة الجريمة المنظمة ولغة الدم !

في 11/10/2008 م قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن المشدّد على القسّ " ميتاؤوس عباس وهبي " ، كاهن كنيسة كرداسة وأربعة آخرين ، هم " ريهام عبد العزيز " ( مسلمة ) و " أيمن فوزي "  و " روماني نبيل فارس " و " وائل عزيز شفيق " .

كانت النيابة العامة قد وجّهت إليهم تهمة تزوير أوراق رسمية ، تتمثل في شهادة ميلاد وبطاقة شخصية لتزويج ريهام ( المسلمة ) من أيمن ( النصراني ) ، واشترك روماني ووائل في الشهادة على توثيق العقد ، ثم توجها إلى القس ميتاؤوس الذي قام بتوثيق عقد الزواج . واتهم "روماني" "نبيل" بنزع صورة البطاقة الشخصية لأخته المتوفاة مريم ، و وضع صورة ريهام المسلمة بدلا عنها ، وقام بتزويجها للمتهم النصراني أيمن فوزي .

إلى هنا ، وكان يمكن المرور على القضية مثل المرور على قضايا الانحراف الفردي التي تشمل التزوير وتغيير الديانة من أجل الزواج ، والخطأ المتكرر الذي يقع فيه المأذون مثلما يقع فيه الكاهن .. ولكن المسألة أخذت بعداً آخر ، عبّر عن " فلسفة " منظمة يُطبقها المتمرّدون الطائفيون في الكنيسة المصرية . فقد انتفضت الكنيسة فجأة ، ووضعت نفسها في موضع مثير للريبة حيث قررت استئناف الحكم الصادر ضد الكاهن ، وقال القمص تيودسيوس أفامينا سكرتير الأنبا دوماديوس مطران الجيزة : إن المطرانية قدمت طعنا في الحكم وطلبت وقف تنفيذه لحين إعادة المحاكمة . وأضاف : لا يوجد دليل ضد ميتاؤوس ، والحكم كان بمثابة مفاجأة ، مشيراً إلى أن الزواج تم ببطاقة رقم قومي ، وأن الكاهن لا شأن له بالبحث في مدى صحة الأوراق المقدمة ، وهل هي مزورة أم لا . وكشف عن أن البابا شنودة ، أحيط علماً بما حدث وبالتفاصيل الكاملة ، وشدد على ضرورة وقوف الكنيسة بجانب الكاهن ، وأشار أن الكنيسة لن تتخذ إجراء ضد الكاهن المحبوس حاليا ! ( المصري اليوم 14/10/2008 ) .

والشاهد في الجريمة ، أن القوم لا يعبأون بالقانون ولا مراعاة السياق الاجتماعي وهم يدافعون عن المتهم بل يحكمون ببراءته كأنهم محكمة بديلة لها القول الفصل ، ويتحدون السلطة والنظام حين يُصرّون أن الكاهن لن يحاكم كنسياً ، وسيبقى في السجن وبعد الخروج منه صاحب صفة كهنوتية !

ترى ما علاقة الكنيسة بمتهم أدانه القضاء ؟ وهل الكنيسة سلطة فوق سلطة الدولة ؟ وماذا يعنى إبلاغ الأنبا شنودة الراعي الروحي للطائفة بتفاصيل الحكم الصادر ضد الكاهن ؟ وهل لو صدر حكم مماثل ضد مأذون ، فإن على شيخ الأزهر أن يتحرك ويستأنف الحكم ويدافع عن المتهم ؟

لاشك أن الجريمة تشير إلى تحرك منظم يبدأ من رأس الكنيسة حتى أصغر شماس مروراً بالمحامين المتخصصين في التشهير بالنظام وسلطاته ، والمطالبين بإلغاء الإسلام لأنه يزدرى النصرانية وفق مزاعمهم  الخبيثة .

والسؤال الذي يتردّد على المستوى الشعبي : هل هذه هي الجريمة الوحيدة التي تمت في كنيسة كرداسة ؟ وهل تمت بمعزل عن جرائم مشابهة في كنائس أخرى على امتداد الدولة ؟ وهل هذه مرحلة جديدة في عملية التنصير التي تستهدف الطبقات المسلمة الفقيرة وتستميل بعض النسوة الجاهلات ؟

إنها بداية الجريمة المنظمة التي تستهدف العقيدة الإسلامية دين الأغلبية ، وتتم في العلن بعد أن كانت تجرى في السرّ ، ولم تعد قاصرة على البروتستانت والكاثوليك بل انتقلت إلى الأرثوذكس الذين كانوا إلى عهد ما قبل شنودة لا يلقون بالاً لمثل هذا الأمر .. وقد صرح القمص مكاري يونان " راعي  الكاتدرائية القديمة أن الكنيسة حين تمتلك القوة ستبشر  - أي تُنصر – في الشوارع " ولن يستطيع أحد مقاومتنا ! " ( صوت الأمة 20/10،2008م ).

وليت المسألة وقفت عند حد التنصير بالزواج ، ولكنها امتدت لتشمل استخدام السلاح وإسالة الدم على طريقة العصابات المنظمة ..

فقد قام " رامي عاطف خلة " بإطلاق الرصاص من سلاح آلي على شقيقته " مريم "  وزوجها المسلم " أحمد صلاح " وابنتهما بأحد شوارع الأميرية ، مما أدى إلى مصرع الزوج وإصابة الزوجة وبتر ذراع الطفلة . كانت مريم قد أشهرت إسلامها عام 2006 ، وتزوجت من القتيل ، ولكن شقيقها سعى للانتقام – بعد تحريض مستمر –وكانت الجريمة الدامية !

بالطبع قام أكثر من طرف بمحاولة تهدئة الجوّ المشحون ، والسيطرة على الموقف ، وتدخل نائب الدائرة " زكريا عزمي " رئيس ديوان رئيس الجمهورية ، الذي أكد لوالد القتيل أن حقه لن يضيع وأن الزوجة وطفلتها ستُعالجان على نفقة الدولة .

وطلب الأنبا مرقص رئيس لجنة الإعلام وأسقف شبرا الخيمة عقد جلسة صلح عرفية لمنع تحوّل الموضوع إلى ثأر لا ينتهي ، وتوجه بطلبه إلى أعضاء مجلس الشعب والمجالس المحلية بالمنطقة ، وتمنى الأمر نفسه القمص " جرجس ناثان " كاهن كنيسة العذراء بالأميرية .

ولكن المثير للانتباه أن خونة المهجر الذين يعبرون عن الرأي الحقيقي للكنيسة الأرثوذكسية أشادوا بالقاتل وشمتوا بالقتيل ، ودعوا لمزيد من قتل المسلمين وإراقة دمائهم . وتحت عنوان " مقتل إرهابي مسلم خطف واغتصب فتاة قبطية " سرد موقع الخونة قصة الزوجة والزوج القتيل الذي وصفه بالإرهابي " أحمد صلاح الفناجيلى " مدعياً أنه اغتصب الفتاة ( زوجته ) وحملت منه سفاحاً ، وتعيش معه بغير رضاها ، وأن الشرطة لم تساعد في إعادتها إلي أهلها بل اعتدت عليهم بالضرب ، فانتقمت الأسرة لشرفها !

وبالطبع فإن موقع الخيانة لم يذكر شيئاً عما قام به القاتل المجرم من قطع التيار الكهربائي عن المنطقة حتى يرتكب جريمته الدموية التي كانت تستهدف أخته وابنتها أيضا بسهولة ويسر ، ولكنه تفاخر ببطولة القاتل وشجاعته الرادعة لكل مسلم يخطف فتاة قبطية بأنه سيقتل بالطريقة ، نفسها وستنتهي بذلك - كما يقول الخائن – مسألة خطف الفتيات المسيحيات  . ويلاحظ أن الكنيسة لم تستنكر هذا التأييد الأعمى للجريمة المخططة والمنظمة ، وجعلت أذنا من طين وأخرى من عجين ، والسكوت يعني الرضا !

إن البطل " رامي عاطف خلة " – كما وصفه الخونة - لن يفلت من العقاب القانوني بوصفه مجرماً دفعه إلى ارتكاب جريمته المنظمة مجرمون آخرون يقبعون هنا ، وهناك ، سعيا لإشعال النار في وطن يصبر عليهم ، ويدلّلهم ، ويمدّهم بوسائل التدليل المختلفة وعناصره ، وأولها استرخاء النظام وطراوته تجاه التمرد وتجلياته ، واستئساده على المسلمين وتقديمهم للمحاكمات العسكرية ..

ولا أحد يعلم تماماً ، ماذا يكون ردّ الفعل تجاه الجريمة المنظمة التي تشير كل السياقات إلى أنها تتخذ مثالا من الحركة الصهيونية في فلسطين المحتلة  : نموذجا ومنهجاً وتخطيطاً وتنفيذاً ، وخاصة في الأماكن التي تمثل فيها الأقلية الطائفية كثافة سكانية ، أو صحراء واسعة تنشر فيها القلّايات والأديرة .

وإذا كانت الكنيسة قد تجاوزت حدود الوطن ، لتنظر بعيداً إلى العراق ، وتعد نفسها " وصية " على نصارى الموصل ، وتصدر بيانات عنيفة من أجلهم وتطالب بحمايتهم دون " اعتبار " لوجود الدولة المصرية ووزارة خارجيتها ، فإن الأمر لا يحتاج إلى بيان يكشف عن طبيعة التمرد الطائفي ، وتجلياته التي تزري بالسلطة والنظام والقانون .

كان يمكن قبول البيانات العنيفة وطلب الحماية ، لو كانت الكنيسة فعلت ذلك من قبل حين دخل الغزاة الصليبيون المتوحشون الاستعماريون بغداد ، وقتلوا وحرقوا ودمروا وسرقوا ونهبوا واغتصبوا وهجّروا وأبادوا وغيّروا وبدّلوا .. ولكن الكنيسة الوطنية (!) لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام 2003 ، إلا في شهر أكتوبر 2008 من أجل نصارى الموصل في العراق ! وليتها استفادت من درس الاستقواء بالأميريكان الذين تخاذلوا ولم ينقذوا بني ملتهم ، لأنهم لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة ، وما يريدون سرقته من أرض الرافدين ، ويتجاهلون العملاء والخونة .. فما معنى هذا ؟

من العبث مناشدة السلطة أن تأخذ موقفا حازماً ضد التمرد الطائفي ، وأن تنفذ القانون على من يعبثون بالأمن وسلامة الوطن ووحدة أراضيه ، و يبدو أنها تنتظر المواء مات الدولية التي لن تتحقق في المستقبل المنظور ، وأخشى ما أخشاه أن يصحو الناس ذات يوم على واقع يصعب التحكم فيه ، حيث تسيل الدماء البريئة بلا حساب ، ويرى خونة المهجر الجبناء ماذا جنت أياديهم   جراء إشعال التمرد والتحريض على الجريمة المنظمة واستخدام السلاح ، وبث الأكاذيب وسب عقيدة الغالبية العظمى الساحقة من أبناء الشعب المصري .

ولله الأمر من قبل ومن بعد .

حاشية :

يبدو أن الجريدة الأسبوعية التي نشرت سفالات التمرد الطائفي ضد نبي الإسلام –صلى الله عليه وسلم – لم تكتف بذلك ، بل تحولت إلى ناطق رسمي باسم الكنيسة ، وطالعوا العدد الأخير .. يا خسارة المعارضة المنتفشة على الفاضي !!