الخيارات الإستراتيجية الفلسطينية

الخيارات الإستراتيجية الفلسطينية ...

وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

أتذكر ما قاله عضو الكنيست العربي ( عبد الحميد دراوشة ) سنة ( 1992 ) من على منبر الكنيست ، موجها خطابه لقادة الكيان حيث قال : إن لم تعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية اليوم ، فسيأتي اليوم الذي تعترفون فيه بحركة حماس رغما عنكم .

وبغض الطرف قليلا عن أبعاد وتحليلات هذا الخطاب ، وما يمكن أن نقرأ في ثناياه من حيث علاقة ذلك الخطاب في تلك المرحلة النضالية من تاريخ شعبنا .

لقد اعترف الكيان بمنظمة التحرير الفلسطينية ، كما اعترفت منظمة التحرير بدولة الكيان .

واليوم تمر قيادات الشعب الفلسطيني وبجملتها  بمأزق تاريخي لم تمر به أي حركة تحرر في العالم عبر التاريخ ، ليس فقط في أنماط وأشكال وآليات العلاقة والتعاطي مع الشعب الفلسطيني ، بل فيما يخص أيضا تعاطيهم مع الاحتلال الغاشم ، سياسيا وعسكريا ، وما ينضوي تحت ذلك من أشكال التعبئة والتنظيم ، والإعداد النفسي والمعنوي ، والإعلامي والتعليمي والثقافي والقيمي .

ولقد قال الشعب الفلسطيني كلمته في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، معبرا عن رفض أشكال وآليات تعاطي السلطة معه على كل الأصعدة ، سياسية ومجتمعية ومسلكية وإدارية ، من بعد أن خاب أمله بقادتها ، تلك الانتخابات التي أفرزت  الانقسام بين الشعب الواحد والأسرة الواحدة ، حتى بين الرجل وزوجته والأخ وأخيه  ، واليوم شبيه بالبارحة إلى حد كبير ، فالشعب الفلسطيني سيأتي عليه اليوم الذي يقول كلمته في انتخابات قادمة  كما قالها بالأمس ، ويبدو أن قيادات الشعب الفلسطيني  لم تتعلم ، ولم تأخذ العبر من الأحداث والتجارب المتراكمة ، لأن الشعب الفلسطيني شعب حي ، فهو كالبحر يلفظ من أحشائه كل ميت ولا يقبل إلا الحي ، ولأنه أضحى واعيا يرفض أن يكون معملا لتجارب وأبحاث وأخطاء الخطوط السياسية المتعثرة ، كما يرفض أن يكون مسلخاً تخضع فيه رقابه للذبح .

 ولقد كثرت الأطروحات والتوجهات واللقاءات الهادفة إلى بحث كيفية الخروج من هذا المأزق التاريخي ، ووضع البديل المناسب الذي يمكن أن يؤدي إلى الاتفاق على خيارات إستراتيجية جديدة ، تُخرج الشعب الفلسطيني من هذا الطريق المسدود .

فلقد فشلت استراتيجية المفاوضات الفلسطينية مع قادة الكيان ، ولم تتمكن قيادة الشعب الفلسطيني من إنهاء الاحتلال ، وأخفقت كل الاتفاقيات التي أبرمها قادة الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافها ولو بالحد الأدنى منها ، واجتهدوا في دراسة وتحليل سيناريوهات متنوعة تشكل لهم خروجا من مأزقهم التاريخي الذي وقعوا وأوقعوا شعبهم به .

وبعيدا عن السرد التاريخي قديما أو حديثا ، فلقد سئم الشعب الفلسطيني من قيادته بمختلف مشاربها وخطوطها ؛ بسبب قراءتها الخاطئة في تعاطيها معه ، وهو ما فتيء ينظر إلى ذلك اليوم الذي يعيش فيه بكرامة وأمن ؛ لأنه شعب يكره الموت من اجل الموت ، ويحب الحياة والبناء ، كما يحب مشاركة الشعوب والحضارات في كل ما هو صالح لقضيته ووجوده .

 إستراتيجية اللاءات الثلاث ، الدعوة إلى دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة التي يعيش فيها الشعبين العربي والإسرائيلي جنبا إلى جنب بعد تحرير فلسطين ، البرنامج المرحلي والنقاط العشر ، وجبهة الصمود والتصدي ، واتفاقيات السلام المبرمة ، والسلطة الفلسطينية بمشروعها الوليد ، والانقسام المزلزل الأخير ، وطرح حل الدولتين .... لم تفلح كلها في جلب النصر ولا التحرير بل على العكس تماما ، والشواهد تتحدث عن نفسها .

واليوم نسمع بسيناريوهات جديدة منها حل السلطة ، إعادة تقويم السلطة ، وحل المجلس التشريعي والعودة للمجلس الوطني ، وصاية الأمم المتحدة ،  الدولة الواحدة ثنائية القومية ، والانفصال الأحادي الجانب ، والسيطرة المصرية والأردنية .

 وفي غزة تنعدم أي رؤية سياسية ، ولم تتمكن حركة حماس من أي إنجاز سياسي حقيقي يُذكر، ولم تستطع الوفاء بمتطلبات المرحلة ، إلى جانب القمع والظلم والتنكيل مما أفقدها كثير من أنصارها ومؤيديها .

لقد كثرت الاجتماعات والنقاشات من أجل الخروج من هذا المأزق التاريخي ، وعجز الجميع عن إيجاد مرجعية ثابتة ، كما عجزوا عن تغليب المصلحة الوطنية العليا ، وفشلوا في تحقيق الوحدة الوطنية ، والكل يتخبط في متطلبات المرحلة من حيث التفكير الاستراتيجي والخطاب السياسي والبناء المعنوي  ، واتفقوا على شيء واحد فقط هو ألاّ يتفقوا ، والضحية هو الشعب الفلسطيني ، رهينة القرار القيادي والخط السياسي .

البعد الدولي يكيل بمكيالين ، والبعد العربي الرسمي لا يعنيه أمرنا إلا من خلال مصلحته وأمنه واستقرار نظامه .

فهل تنتظر القيادة الفلسطينية بكل مشاربها ، أن تسيطر قوى أخرى جديدة على الساحة الفلسطينية هي أشد تطرفاُ ورفضاً ؟

وهل ستستخف هذه القيادات ( بكل مشاربها ) بتلك القوى ، كما استخفت من قبل فكان ما كان ؟

إلى أين ستذهب قياداتنا الآن في الشعب الفلسطيني ؟

لقد وصل شعبنا إلى أيسلندا وكندا والبرازيل ، وتسرب شبابنا مهاجرا من وطنه ، ويخضع الناس هنا لمعاناة من فوقها معاناة ، على أمل أن يروا بصيصا من الأمل في نهاية النفق الأسود ، فماذا بعد ؟

لا أعتقد أن الشعب الفلسطيني يخلو من العقلاء والمفكرين الذين يستطيعون القفز بشعبنا قفزة نوعية .

ولعل أحد الحلول للخروج من هذه الأزمة يكون في أسلوب التحايل المُمل ، والدهاء الكبير، والذكاء الحاد ، فمداخل ذلك ومخارجه كثيرة جداً ، إذا نجحنا في فهم الآخر، حتى لو لم يستوعب طرف الطرف الآخر، وهنا كلامي دقيق لمن أراد أن يقرأ ما وراء العبارة  ؛ من أجل أن ينبثق اتفاق على برنامج مقاوم تكون فيه إستراتيجية البندقية هي رائدة الحديث وهمزة الفصل والوصل ، وأن يتفيأ الشعب الفلسطيني ظلال قيادة رشيدة تكون قد تعلمت من الأخطاء كيفية تسييس البندقة والإنسان .