رئيس مسلم لدولة مسلمة
أ.د. حلمي محمد القاعود
لم يغفروا للرئيس الراحل أنور السادات قوله : " أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة " ! انطلقت خفافيش الظلام والشر من كل حدب وصوب تتهم الرئيس الراحل بالتعصب وتسخر منه ، وتعده مفرطا في حق الأقلية غير المسلمة بقوله هذا .. قاد الشيوعيون والعلمانيون والماسون والمرتزقة الحملة ضد السادات ، بعد أن انتقل إلى رحاب ربه ، وصار لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام أبواق النظام وطبوله ، التي لا تسمح لأحد غيرها بالكلام أو التعبير .
الرئيس الراحل أنور السادات لم يتجاوز حدوده ، لأنه عبر عن حقيقة يعرفها القاصي والداني فوق ظهر الأرض . فمصر تضم أكثر من 95% من سكانها مسلمون بالعقيدة ، والباقي مسلمون بالثقافة والحضارة والعادات والتقاليد ، فالإسلام حضارة مهيمنة .. أي إن الإسلام هو قدر هذا الوطن التعيس ، ومن الطبيعي أن يكون رئيسه مسلما ، فملكة بريطانيا بروتستانتية ، وأيضا رئيس وزرائها والوزراء البريطانيون كلهم بروتستانت ، مع أن البروتستانت لا يشكلون أغلبية ساحقة مثل المسلمين في مصر . ورئيس جمهورية فرنسا ورئيس وزرائها ومعظم الوزراء من الكاثوليك لأنهم الأغلبية أيضا ، وفي الولايات المتحدة يكون الرئيس بروتستانتيا بحكم أن البروتستانت أكثر قليلا من الكاثوليك ، وكان الاستثناء الوحيد في حكم الولايات المتحدة هو الرئيس " جون كيندي " الكاثوليكي التي تم اغتياله قبل أن يكمل مدته ، واغتيل قاتله وقاتل قاتله حتى لا يعرف أحد شيئا عن طبيعة الجريمة . لم يستطع النظام الأميركي الذي يعد واحة للديمقراطية أن يتحمل وجود رئيس كاثوليكي فتمت تصفيته .. !
أما المرشح " باراك حسين أوباما " لرئاسة الولايات المتحدة في أوائل عام 2009م ؛ فقد أقسم بأغلظ الأيمان البروتستانتية أنه مسيحي قحّ ، وأنه يتبرأ من أصوله الإسلامية ، ومن ماضي أبيه الإسلامي ، ومن عائلته التي تنتسب إلى الإسلام ، وأنه يذهب إلى الكنيسة ، ثم إنه سيفعل ما يفعله الرؤساء البروتستانت تجاه الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين من دعم وتأييد وحب ومودة وتسليح حتى الأسنان ، لدرجة أن يكون هذا الكيان مهجة القلب وحبة العين ونسمة الروح !
والكيان الصهيوني نفسه ؛ لا يسمح أن يكون رئيسه أو رئيس وزرائه من غير اليهود أو حتى من المسيحيين ، مع علاقته الوطيدة القوية بالعالم المسيحي : كاثوليكيا وبروتستانتيا وأرثوذكسيا ، فما العجب أن يقول السادات : إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ؟
لقد رأى التمرد الطائفي أن مقولة السادات جريمة يجب أن يعاقب عليها ، وسانده في ذلك التوحش الصليبي الاستعماري ، انطلاقا من أن مصر ؛ يجب ألا تكون مسلمة ، وألا تنعطف نحو الإسلام ، ولو لفظيا ، كما فعل الرئيس السادات يرحمه الله .
وعندما أخذ التمرد الطائفي اتجاها عمليا مع نهاية عام 1971م ، فإن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ، كان على رأس الأهداف المطلوب تحقيقها ، وهو ما تم بالفعل بعد وفاة الرئيس السادات ، فقد ألحت جوقة الطبول والأبواق ، وبعضها يتقلب في المال الطائفي ، على مهاجمة الشريعة وتجريحها ، وظهر كتّاب من المجهول يحتكرون صفة " المفكر الإسلامي المستنير " يطعنون في التشريعات الإسلامية التي أجمعت عليها الأمة منذ عهد البعثة ، ويرددون مزاعم المستشرقين والمنصرين ، مع أن كثيرا من أعلام النهضة الحديثة ردوا عليها ودحضوها . وفي ظل غياب المنابر الإسلامية الفعالة ، واستئصال الصحف الإسلامية الحرة ، فقد صار الحديث عن الشريعة وتطبيقاتها أمرا مستهجنا ، ومرادفا للظلامية والتخلف !
نجاح التمرد الطائفي في جعل الدولة الإسلامية تتبني سياسة غير إسلامية خرقاء ، شجع على المزيد من المطالب الطائفية غير القانونية ، يتم تلبيتها عن طريق الابتزاز ؛ وبعد أن أعلن رئيس الوزراء " أحمد نظيف " أن مصر دولة علمانية ، فقد صار كل شيء في مصر قابلا للتحقيق على حساب الإسلام والمسلمين . ومن ذلك ما قام به وزير الأوقاف من وضع شروط تعجيزية لبناء المساجد ، وتحريم الخطابة والإمامة على غير الحاملين لتصريحات أجهزة الأمن ؛ حتى لو كان المصرح لهم أشباه أميين وأشباه جهلاء ، وسن قانون لمنع التظاهر في دور العبادة ، طبقه على المساجد ولم يستطع تطبيقه على الكنائس ولن يستطيع ! ، فضلا عن حملته على المنتقبات وتسفيه الدعاة ومعارضيه ..
هناك نجاح آخر للتمرد الطائفي من وجهة نظره ، وإن كان رسوبا عظيما من جهة نظري ، وهو جرّ الأقلية النصرانية إلى داخل الجيتو في الكنيسة ، حيث صارت هي الدولة والحكومة والمدرس الخصوصي والأم والأب وحلال المشكلات .. وكان هناك ما يمكن تسميته بتوجيه كنسي ضمني بفك الارتباط مع الأغلبية الإسلامية برفض التعامل معهم في حالة وجود بديل طائفي ، وعدم تأجير مساكن طائفية للمسلمين ، وعدم الذهاب إلى الأطباء والمدرسين والمهندسين والصيادلة والخبراء المسلمين ... بالإضافة إلى أشياء أخري رخيصة ، وقد عبر منشور قيل إنه صادر عن الكنيسة في أوائل السبعينيات عن بعض هذه الغايات الطائفية الخسيسة التي لا تخدم الطائفة في حقيقة الأمر ، وإن صور الخيال المريض لأصحابها ، أنها تفيدهم وتضر الأغلبية .
ولو أخذنا علي سبيل المثال جانبا واحدا من تخطيط التمرد الطائفي لوقف التعامل التجاري مع الأغلبية الإسلامية ، كان الخاسر الأكبر هو الطائفة التي تسيطر على 60% من التجارة الداخلية كما سبقت الإشارة .
لو توقف المسلمون عن الشراء لكانت الخسائر فادحة ، وهم يعلمون ذلك جيدا ،وتصور مثلا رفض الملايين التعامل مع شركة الاتصالات التي يملكها الملياردير الطائفي ( أغلبية العاملين معه من طائفته ،وليت طبيب الأسنان الذي يتعاطي الرواية يعلم الآن من يوظف من ؟ ) ، هل سيظل ضمن مليارديرات العالم العشرة الأول ؟
الشعب المصري شعب طيب ، ومتسامح إلى درجة السذاجة والهبل أحيانا ، ينسى مخططات المتمردين الطائفيين ، ويتغاضى عنها ، ولا يتوقف عن التعامل مع رءوس الطائفة الاقتصادية بكثافة مذهلة ، واذهبوا إلى منطقة السبتية في بولاق على سبيل المثال ، وتأملوا حجم حركة التعامل اليومية ، ولا أدري ماذا أقول للمتعصبين العملاء الذين يتجاهلون تسامح الأغلبية ، ويعدونها " استعمارا " يجب التخلص منه ومن لغته وشريعته ؟ هل أقول اخجلوا من أنفسكم وكفوا عن ترديد أكاذيب الاضطهاد والتمييز وعدم بناء الكنائس ؟ إن من يبيع نفسه للعدو ويستقوي به لا يعرف الخجل أو الحياء !
من المؤسف تكرار القول ؛ إن الحزن ليس على أقلية الأقلية المتمردة ، ولكن الحزن على القاعدة العريضة من أبناء الطائفة البسطاء الذين يشاركون الأغلبية الإسلامية همومها ومشكلاتها ومتاعبها ، وأفراحها القليلة وآمالها البعيدة . إن هذه القاعدة العريضة حين تنجر وراء الدعوة إلى الجيتو الكنسي ، وتبتعد عن الأصحاب والزملاء والجيران تحت أوهام لم ولن تتحقق بإذن الله ؛ فإن النتيجة ستكون وخيمة وغير سارة .
إن حديث الرئيس السادات عن رئيس مسلم ودولة مسلمة ، ليس جريمة يظل يحاسب عليها حتى بعد رحيله بما يقرب من ثلاثين عاما ..
حاشية :
الملايين التي تلقى على أقدام الغانيات من دم الشعب البائس الفقير للاستمتاع بهن وقتلهن ، يقابلها صخور غليظة تلقى على الشعب البائس الفقير وهو نائم فلا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بعد أن يستقر تحتها بلا حراك .. اللهم رحمتك !