جذور في الهواء!
زغلول عبد الحليم
لم يترك الله الإنسان سدى، بل جعل له نداء من داخله ونداء من خارجه وكانت الفطرة هي نداء الداخل تدفعه إلى الخير والحق وكانت الشريعة وهي نداء الخارج ترسم له الطريق وتحدده.
لم يترك الله الإنسان سدى، ويقول تعاظم وارتفع لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " [التين 4-5]
أي أن الله سبحانه وتعالى – خلق الإنسان في أصل فطرته سويا لا عوج فيه ولا انحراف، ولكنه بعمله السيئ يخرج عن نظام الفطرة، فيرتكس إلى أسفل سافلين ويتدلى تدليا يصل به إلى أحط من مستوى الحيوان، وأنه يتجاوز الحد إذا رأى نفسه غنيا بما وهب الله له، والواقع المخزي للبشرية الآن يؤكد مدى انحطاط البشرية غير المسبوق وإنها فسدت، كما لم تفسد من قبل ولا تزال الذاكرة تحفظ محاولات أمريكا لإفساد مجتمعات العالم الثالث وعلى التحديد الدول الإسلامية بتبنيها قضايا شاذة وغريبة مثل حق الإجهاض والزواج المثلي لهدم الأسرة وهي الفكرة التي يتبنناها الفكر الليبرالي في مواجهة الفكر الأمريكي المحافظ ! ولأن أمريكا ليس لها ماضي أي (دولة) بلا جذور أو حضارة مثل الهند أو الصين أو مصر أو بلاد الرافدين فهي تريد أن تؤكد على قوتها بالغطرسة والقوة لا بالحضارة الحقيقة القائمة على قوة الأخلاق أولا. فلا حضارة بلا أخلاق وقد اتفق الكثير من علماء الحضارة على هذا المقوم (المقوم الأخلاقي) الذي أكده (أبن خلدون) في مقدمته. لا حضارة بدون أخلاق.
لم تكتف أمريكا بهذا فهي صاحبة الديمقراطية المزيفة أيضا وهل تنسي الذاكرة كيف وصل (بوش الأبن) إلى البيت الأبيض ؟!
جذور في الهواء هذه هي أمريكا أمة بلا ماضي، تحاول بالقوة والغطرسة أن تفرض قيمها التالفة على أمم الأرض مستندة إلى النبوءات الفاسدة ودعواها الفاسدة بنشر الديمقراطية الزائفة والقصد الأول والأخير كما قال جارودي هو الاستيلاء على ثروات الأمم ولنهب خيراتها. رحم الله جارودي فقد فجر القضية وكشف عن زيف ما يطلق عليه (الحضارة الغربية) !!
تقول (زيجرد هونكة) وصاحبتها (أنا ماري شمل) عن الفتوحات العربية ما يؤكد للناشئ أن العرب فتحوا الدنيا بالأخلاق أولا وليس كما يزعم الزاعمون فلم يفتح العربي المسلم الأرض بالقوة ولا يفتح البلدان إلا بعد عرض الإسلام أو الجزية !! هذه هي أمة العقيدة بجذورها الممتدة في الأرض والتاريخ إلى أزمان لا يعرفها إلا الله ودع عنك (مناهج) الزيف والكلام الذي هو أفرغ من الفراغ الذي بثه (ول ديورانت) وغيره من كتاب الصهاينة مع كل أفكار البلاء الأزرق الوارد لنا من الغرب ويجد عندنا الترحيب الشديد حيث تم ويتم تفريغ العقول والقلوب من كل ثقافة الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لم يبق إلا النفايات (الحضارات) الوثنية من إغريقية ورومانية شكلت (الفكر) الغربي الحديث لنقيم عليها حياتنا وتكون لنا هي المنهاج والمرجع..
بلاء من البلاء وانحطاط بالغ السوء تقدمه وتفرضه أمريكا بالقوة على الأمم ولقد صدق (روجيه جارودي) حين أطلق عليها (الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها !!) فالشركات العملاقة عابرة القارات، والسجون المحمولة بحرا، وآلات التعذيب الجهنمية وعصابات أصحاب المصالح، والأكذوبة الكبرى التي اسمها حقوق الإنسان الذي تصنع له أمريكا الآلات الجهنمية لتعذيبه وتدفع بمن تريد تعذيبه مع الأدوات اللازمة التي صنعها إلى بعض الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لتنفيذ المهمة التي لا يمكن أن تنفذ على أرضها بصفتها راعية حقوق الإنسان !!
هذه هي أمريكا التي تحفر للإنسانية قبرها كما يقول (روجية جارودي) ونحن معه، رحم الله (روجية) رحمة واسعة.
أمريكا (قمة الاستعمار الاستيطاني) التي أبادت الهنود الحمر !! وكذا (إسرائيل) التي أبادت وتبيد أهل بلادنا المحتلة في فلسطين وكذا (استراليا) التي اقتلعت أهل البلاد واحتلت الأرض وقد أوضح العالم الكبير الدكتور جمال حمدان لنا في كتابه (إستراتيجية الاستعمار والتحرير) جريمة إبادة الناس واقتلاعهم من أراضيهم من خلال ما فعلته أمريكا وإسرائيل واستراليا.
نعم الاستعمار الاستيطاني الذي أنشأ بالقوة المسلحة دولا لم تكن لتوجد.
نعم، جذور في الهواء …
دول بلا ماضي وبلا قيم وإلى زوال.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من وحي القراءة الأولية لكتاب (الإمبريالية الأمريكية من الغطرسة إلى الانبهار) من تأليف أستاذنا الكبير الكاتب الموسوعي محمد يوسف عدس ومن منشورات مكتبة الإمام البخاري مصر 1435ه / 2013م.