وحدة الموقف..ودحر الشيطان
د. حامد بن أحمد الرفاعي
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أحتسبُ علىَ اللهِ أنَّهُ يُكفِّرُ السّنةَ التي قَبْلَهُ والسّنةَ التي بَعْدَهُ"أحسب أن هذا المقام القدسي الجليل ليوم عرفة جاء بفضل الله ومنته لكونه:يومُ التّعارُفِ..التقى على أرضه آدم وحواء عليهما السلامُ بعدِ أنْ هبِطا إلى الأرضِ وتَساكنا منْ جَديدٍ..وهو يومٌ أكمَلَ اللهُ فيه دينَهُ وأتمَّ نعمته على النّاسِ لقوله تعالى:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"ولكونه اليومُ المشهودُ لِقولِه تعالى:"وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"وهو الوتر الذي أقسم الله تعالى بقوله:"وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ"قال ابن عباس:الشّفعُ يومَ الأضحى،والوترُ يومَ عرفة..وهو يومُ الميثاقِ الأزليِّ حيثُ أخذَ اللهُ فيه الميثاقَ على ذُريِّةِ آدم لِقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ أخذَ المِيثاقَ من ظَهرِ آدمَ بنعمان(أى عرفة) فأخرجَ منْ صَلبِهِ كُلَّ ذُريِّةٍ ذرأهَا،فنَثرَهُم بينَ يَديِّهِ كالذّرِ،ثم كلَّمَهم قبلاً قائلاً سبحانه:"أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ"وهو يومُ مَغفرةِ الذنُوبِ والعتقِ منْ النَّارِ لِقولِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"ما منْ يومٍ أكثرُ منْ أنْ يَعتِقَ اللهُ فيه عبداً منْ النَّارِ منْ يومِ عَرفة،وإنَّهُ لَيدنو ثمَّ يُباهي بِهم الملائكةَ فيقولُ:ما أراد هؤلاء ؟ أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم"وهو يومُ المباهاة لِقولِ سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ يُباهي مَلائكتَهُ عَشيةَ عرفةَ بأهلِ عرفةَ فيقولُ:انظروا إلى عباديَ،أتوني شُعْثاً غُبراً"وهو يوم اندحار إبليس وجنده جاءَ في الأثرِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:ما رُئِيَ الشيطانُ يوماً هو فيهِ أصغرُ،ولا أَدْحَرُ،ولا أَحْقَرُ،ولا أَغْيَظُ منه في يومِ عرفة،وما ذلك إلاَّ لِما رَأَى من تَنَزُّل الرَّحمة"وبعد:فأحسبُ أن الشيطان وجنده سيكونُون كذلكَ منْ الذُلِّ والاندِّحارِ والصغار والاحتقاريومَ يَرون مِن المسلمينَ وحِدةَ الكلمةِ والموقفِ والاصطِفافِ يَداً واحدةً في مُواجهةِ التحدياتِ وقهرِ العادياتِ..ويوم يرونهم معاً في إعزازِ دينِ اللهِ وإحقاقِ الحقِ..ونُصرةِ المظلومين وإقامةِ العدلِ في الأرضِ.