الانقلاب العسكري وسطوة الدم
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
سطوة الدم والبطش والتنكيل وصنوف التعذيب الممنهج وممارسات الإقصاء البغيض التي يمارسها الانقلاب العسكري ضد أبناء الشعب المصري، لن تقهر إرادته، ولن تفل من عزيمته، حتى لو اكتظت كل السجون بمئات الآلاف من معارضي الانقلاب العسكري الدموي، ولن تضيع حقوق الشهداء والجرحى والمصابين هباء منثورا، حتى لو تناسى الجلاد أنات المجلود، واستهان القاضي بمصير المظلوم، فهناك عدالة الله وقدره الغالب الذي كتبه على نفسه، بوعده لدعوة المظلوم لأنصرنك ولو بعد حين.
ومن يقلب صفحات التاريخ يجد أن سطوة الدم الذي يسفكه الظالمون سرعان ما تتحول إلى لعنات على من سفكها دون وجه حق، وسيأتي جيل يقلب المعادلة وينتصف من هذا الانقلاب الذى قتل وعربد وسرق وأفسد الحياة في مصر ، وهذا الجيل هو جيل الحسم الذى سيغير الواقع المرير الذى تعيشه مصر في ظل حكم العسكر ، وهو جيل يُربي على عين الله ويتقدم صفوفه أبناء وبنات الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل العزة والحرية والكرامة، ومن أجل نصرة هذا الدين.
جيل الحسم يولد الآن من رحم المحنة التي تعيشها مصر بينما يظن الظالم أنه تمكن من قهر خصومه ووطد لأركان حكمه وعرشه بسفك الدماء وأحكام الاعدام وإرهاب الآمنين !!
لقد نسي الطاغية أن سطوة الظلم يقابلها سطوة الملك الجبار الذي يدافع عن الذين آمنوا، والذي سيرد كيد الكائدين ، ويرد بغي البغاة على أنفسهم.
من سنة الله مع الطغاة أنه يمهلهم في غيهم وطغيانهم (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48) فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماً (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم:44 ـ 45) فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة ، والقدرة على الاستبداد والظلم كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً ، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث :"إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". إنها مسألة وقت " ولكنكم تستعجلون".
ليعلم الظالمين وأعوانهم أن جولات الباطل قصيرة وخاطفة، ودولة الحق آتيه لامحالة ، وموعدنا معها عند نفاد الأسباب والتعلق بمسبب الأسباب ، وعند أعلى نقطة استضعاف تكون الأمة على موعد مع التمكين، فكم من طاغية ومستبد أخذه الله بعد أن أمهله، وكم من جلاد انكسر سوطه بصمود من ظلمه ، وكم من زنزانة أصبحت مقبرة للسجان، وكم من قيد أحكمه الطاغية على شعبه صار حبلا لشنقه!!
لابد أن نعلم علم اليقين أن جيل الحسم يصنع على عين الله بينما الطاغية يزهو بطغيانه، جيل لا يهاب الرصاص، ولا ترهبه الأهوال لكثرة ما رأى من بطش المستبدين، ومن يقرأ التاريخ يدرك أن عهود الظلم والطغيان تولد فيها أجيال الحرية ، وينشأ فيها الأحرار، ونحن نتربص وعد الله .
أما طغمة الظالمين ؛ فعليهم أن يقرؤوا التاريخ جيدا لاسيما ما قاله جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لأبيه وهم في القيود والحبس ، إذا قال له : يا أبت، بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس.
فقال يحيى البرمكي: يا بني، دعوة مظلوم سرَت بليل، غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها".
فأبشروا بدعوات المظلومين من أهالي الشهداء، والمعتقلين الأبرياء، والحرائر اللاتي ذبحتم شرفهن، والأيتام والثكالى، إنها تنطلق في جوف الليل حيث نومكم أو وقت لهوكم وعربدتكم، تغفلون عنها، ولن يغفل الله عنها. {ولا تحسبنّ الله غافلا عما يعمل الظالمون}.
وليعلم قائد الانقلاب العسكري إنما تعد له الأقدار عداَ ، وليكن له في تاريخ من سبقه من الطغاة عبرة وعظة فقبل أن يموت تشاوشسكو بأربعة أيام سُئل عن الأوضاع في رومانيا، وكان في زيارة إلى طهران : هل يمكن أن تتأثر بالإعصار الذي يدمدم في شرق أوروبا وتتساقط فيه تباعا عروش الملوك الحمر؟
قال: سلوا شجرة التين هل تنبت حسكا؟ صحيح أن من حولي تساقطوا ولكنكم لا تعرفون الشعب الروماني وقيادته الحكيمة.
وعندما سألوه عما يحدث في مدينة «تيمي شوارا» والعصيان المدني خلف قس مغمور؟ قال: أما القس الذي حرض على الشغب فهو أخرق مأفون، وأما من حوله فهم شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ولا يعرف قبره. وانطبقت عليه دورة التاريخ.
في السياق :
يقول الشهيد سيد قطب ـ رحمه الله :" إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة . فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلاً واستكانة وخوفاً. فأما حين استعلن الإيمان ، في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج ، ودون اتقاء للتعذيب . فأما عند ذلك فقد تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة. وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب .