من التخريف ادعاء جهة ما تمثيل الرأي العام
من التخريف ادعاء جهة ما
تمثيل الرأي العام
محمد شركي
من الأمور التي لا خلاف فيها بين الناس أن ما يجمع عليه الرأي العام يكتسي شرعية ، ولهذا تدعي مختلف الجهات والفئات والهيئات ...أنها تمثل الرأي العام طمعا في اكتساب الشرعية . ولهذا نجد فئة أو جهة أو هيئة ما تنصب نفسها ناطقة باسم الرأي العام الذي لا يمكن حصره أبدا كما تحصر الفئات والجهات والهيئات . ومن أمثلة الوصاية على الرأي العام اعتبار جمهور الفيسوك أو جمهور حزب من الأحزاب أو جمهور جماعة من الجماعات أو حتى جمهور سهرة فنية من سهرات مهرجان موازين ممثلا للرأي العام ومعبرا عنه أو وصيا عليه أو ناطقا باسمه .ويمكن القول بأن مفهوم الرأي العام غير قابل للضبط والتحديد حتى لا نقول إنه لا وجود حقيقي له بل هو شيء افتراضي . ويعتمد البعض على معيار الكثرة أو الأغلبية لادعاء تمثيل الرأي العام وهو أمر لا يستقيم منطقا إذ لا يمكن حصول توافق بين كل أفراد المجتمع الواحد يمكن اعتباره رأيا عاما . ويكثر استعمال عبارة " الرأي العام " في المجال الإعلامي ويحاول الإعلام إضفاء الشرعية على نفسه بادعائه نقل وجهة نظر الرأي العام . وقد يكون هذا الرأي العام الذي يزعم الإعلام الإلمام بوجهة نظره مجرد رأي فئة أو مجموعة محدودة زمانا ومكانا . ويلوح الإعلام أو يهدد بالرأي العام وبسبب ذلك صار يلقب بالسلطة الرابعة وهي في الحقيقة سلطة الرأي العام ، وهي سلطة معنوية لكن لها تداعيات مادية ، وتشكل خطورة وقد تفضي إلى أضرار جسيمة وعواقب وخيمة تلحق أفرادا أو جماعات . وقد يختلق الإعلام رأيا عاما لا وجود له بل قد يتحايل على الناس فيسوق وجهة نظر ما ينسبها زورا وبهتانا للرأي العام ، وهكذا يقوم الإعلام بصناعة الرأي العام أو ابتداعه وخلقه من فراغ. وغالبا ما يسوق الإعلام الإشاعات تحت عطاء الرأي العام . ويستعمل الإعلام مقولة الرأي العام كوسيلة لتنويم المستهلكين لمواده الإعلامية مغناطيسيا ويملي عليهم قناعات ومواقف معينة ، ويوجههم إليها توجيها. وغالبا ما تدور على ألسنة مستهلكي المواد الإعلامية عبارة " قالوا " بضمير جمع يوحي بالرأي العام أو يحيل عليه دون التدقيق في المقول الذي غالبا ما يكتسب شرعيته من خلال نسبته للرأي العام الذي يستحيل في حقه الخطأ في اعتقاد غالبية الناس .
وقد يحتج البعض على ذلك بما جاء في الأثر : " لا تجتمع أمتي على ضلال " وكأن الأمر يتعلق بمجرد الاجتماع دون صواب المجمتع عليه . ومن الباطل أن ينسب الخطأ إلى الرأي العام قصد إضفاء صفة الصواب عليه من خلال نسبته للرأي العام المسلم بتنزيهه . ومما يثير الانتباه في عصر تكنولوجيا المعلوميات أن الرأي العام صار يحصر في جمهور وسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية ، وهو جمهور مقنع غير معلوم الهوية كما هو الحال بالنسبة لجمهور التغريد على سبيل المثال . وقد ينصب هذا الجمهور نفسه إلها يبث في مصائر الناس أو ينصب نفسه قاضيا أو حكما يقضي ويحكم بذريعة الحديث باسم الرأي العام . وكمثال ملموس على ذلك إدانة جمهور المغردين لفئة الطلبة الأطباء الذين عبروا عن استيائهم من قرار وزير الصحة الذي ألزمهم بما يسمى الخدمة الإجبارية في المناطق القروية بأجر لا يتعدى 2000درهم شهريا لمدة سنتين . ونظرا لاستياء الناس من تدهور الوضع الصحي في القطاع القروي نشأ لديهم تعاطف مع ساكنة هذا القطاع ، وعوض التوجه بالنقد للدولة وللوزارة الوصية عن الشأن الصحي صب جام الغضب على الطلبة الأطباء ونعتوا بأبشع وأشنع النعوت وتبلور تصور مغلوط عنهم تناقله المغردون كما تنتقل العدوى . ولقد استطاع وزير الصحة بقراره أن يصرف عن وزارته النقد ، و يوحي لجمهور المغردين بأن الخلل في رفض الطلبة الأطباء ما سماه الخدمة الإجبارية وهو ما صار بعد ذلك رأيا عاما منزها عن الخطإ بفعل الإعلام بعدما كان مجرد رأي شخصي لوزير لا يمكن تبرئته من استخدام الدعاية والإشهار وسيلة ضغط وابتزاز . ولقد غفل المغردون عن اختلال البنى التحتية لقطاع الصحة في القطاع القروي واختزلوا أزمة الصحة في رفض قضاء الطلبة الأطباء الخدمة الإجبارية فيه . وكمثال آخر الضجة الإعلامية التي أثيرت حول جولة النائب البرلماني من حزب العدالة والتنمية عبر الشريط الحدودي والتي تسببت في التحقيق مع عناصر من الجيش والدرك وغيرهم حسب مصادر الإعلام المقتضية للتبين. ولقد تعمد الإعلام خلق رأي عام حول هذه النازلة لتسويق تجريم النائب البرلماني دون الكشف عن سبب تجريمه ذلك أنه لا يعرف لحد الآن ما الذي اقترفه في جولته أهو مجرد انتحال شخصية أم اطلاعه على أسرار عسكرية في منطقة محظورة أم هي حمى الصراع الحزبي والحملات الانتخابية قبل الأوان أم شيء آخر لا يمكن الكشف عنه ؟ المهم أنه حصل ما يشبه إجماع الرأي العام على إدانة هذا البرلماني ، وهو عبارة عن رأي عام صنع صناعة بفعل فاعل .والأمثلة على صناعة الرأي العام كثيرة ومتعددة ، وهي تدل على أن فكرة استغلال شرعية الرأي العام لاكتساب المشروعية صارت عملة متداولة في أسواق الإعلام الذي يعمل لصالح أشخاص وفئات وهيئات مقابل أجر تماما كما يتقاضى أجرا على الإشهار.