القاهرة ولعبتها الخطرة
القاهرة ولعبتها الخطرة
علي العبدالله
المدن:2/6/2015
انشغل معارضون سوريون في الجدل حول لقاء القاهرة القادم (القاهرة2) بجزئية تلميح مشاركين فيه بأن هدفهم تشكيل بديل سياسي للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على خلفية فشله في التعاطي مع الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي ما يستدعي تجاوزه.
لكن، وبغض النظر عن هذا السجال قصير النظر، فان اللقاء ينطوي على مخاطر شديدة في ضوء الموقف المصري من الثورة السورية ومن التوازن الإقليمي الذي يمكن أن يقوم إذا ما حصل التغيير في سوريا سلما أو حربا.فالنظام المصري ينطلق من رؤية وسلّم أولويات خاص بهأساسه اعتبار الصراع مع الإخوان المسلمين أولوية مطلقة والنظر إلى كل القضايا والملفات من هذه الزاوية الضيقة، ما جعله يرى في انتصار الثورة السورية أو التوجه نحو حل سياسي يقود إلى الدخول في مرحلة انتقالية، وفق بيان جنيف، بخروج رأس النظام أو الحد من صلاحياته خلالها،وتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تدير المرحلة، تنظر في بنية النظام وطبيعة السلطة وتضع دستورا ديمقراطياقاعدته الرئيسة المواطنة والتداول على السلطة واحترام الحريات العامة والخاصة وإشاعة سيادة القانون والعدل والمساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس العرق أوالدين أو المذهب أو الجنس، وتمهد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وتعيد هيكلة مؤسسة الجيش والأمن وتقنن دورهما وتخرجهما من الساحة السياسية، يرى في ذلك خطرا على نظامه وتصوراته لمستقبل مصر والمنطقة في ضوء قيام نظام على الضد من توجهاته القمعية والاستحواذية والاستنسابية من جهة وقيام معادلة إقليمية تتعارض مع تصوراته لمستقبل الإقليم، وما يمكن أن تفرزه من تحالفات وتوازنات في غير صالحه، من جهة أخرى.
أدرك النظام المصري أن تحقيق الانتقال إلى نظام ديمقراطي في سوريا سيعني، من بين أشياء كثيرة، إطلاقدينامية ثورية جديدة تعيد خلط الأوراق وتدفع إلى تشكيل المشهد السياسي السوري والعربي والإقليمي، وهذا سيرتب بروز توازن قوى سوري قائم على شراكة وطنية، بمشاركة قوى سياسية متعددة ومتنوعة، بما في ذلك عدوته اللدودة جماعة الإخوان المسلمين، تعمل على تخفيف الاحتقان الداخلي ونزع فتيل التوتر الاجتماعي والمذهبي عبر تحقيق المصالحة الوطنية بتحقيق العدالة الانتقالية، توجه على الضد من حكم العسكر وسياساته التي تعتمد توتير المناخ الوطني وإشعال الحرائق وتفتيت المجتمع والدفع بالانقسامات السياسية إلى حدود قصوى لتحقيق هدفه:تعزيز السلطة وإضعاف المجتمع، ما قد يعيد الحرارة والعنفوان إلى الشارع المصري الذي ضحى كي يتخلص من النظام البائد فوجد نفسه بعد معاناة وجهد ودم تحت نظام وسلطة أكثر قمعا ووحشية واستئثارا بالحقوق والخيرات. وأدرك ما سيترتب على التغيير في سوريا عربياوإقليميا: تحديد الدول والقوى المنتصرة والمستفيدة والدول والقوى الخاسرة، وهذا سينعكس على تشكيل لوحة التحالفات والتوازنات العربية – العربية وعلى العلاقات والتحالفات الإقليمية، ويفتح الباب لتأسيس توازن قوى إقليمي لا ينسجم مع تصوراته ورغباته. لذا أختار الموقف المضاد والتحق بالمحور الذي يتسق مع خياراته وتصوراته المحلية والعربية والإقليمية والدولية، محور روسيا وإيرانوالنظام السوري، وبدأ فتح الخطوط والتعبير عن اصطفافه الجديد عبر إطلاق المواقف والتقديرات ليس في الملف السوري وحسب بل وفي ملفات عربية وإقليمية ودولية أخرى، فقد أعلن انه مع حل سياسي على قاعدة اتفاق النظام والمعارضة وبقاء رأس النظام في السلطة بذريعة الحفاظ على الدولة السورية ووحدة أراضيها، ووجه انتقاداته إلى الحركات "الجهادية" ووضع الإخوان المسلمين في السلة ذاتها، وحدّد خصومه وأعداءه العرب والإقليميين في الصراع السوري فوقف ضد التدخل القطري والتركي وغض الطرف عن التدخل الإيراني والأحزاب والميليشيات التي ترسلهاللقتال إلى جانب النظام وما ترتكبه من مجازر وحشية بحق المواطنين وما تثيره من توتر مذهبي وانقسام طائفي بين السوريين وعلى امتداد المنطقة، ونسق تحركه في الملف السوري مع روسيا ليس باعتبارها صاحبة موقف عقلاني وموضوعي بل لأنها تتبنى خيارا ينسجم مع خياره، فهي مع بقاء النظام مع تطعيمه ببعض المحسنات وتجميله بإشراك شخصيات معارضة في حكومته وطي صفحة الثورة بهذه الخطوة "الديمقراطية"، وبعث برسائل ود للنظام السوري عبر استقبال موفديه وإرسال وفود مخابرات إلى دمشق وعدم دعوة الائتلاف إلى القمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ ومنع نشاطات للمعارضة في مصر.
على هذه الخلفية قبل استضافة لقاء القاهرة الأول وتحرّك للعب دور مؤثر في توجهاته وقراراته من خلف الستار لكنه كشف أوراقه مبكرا عندما تدخل في اختيار المشاركين عبر رفض مشاركة ممثلين عن الإخوان المسلمين وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ومنع دخول هشام مروة، نائب رئيس الائتلاف، وأعاده على نفس الطائرة بعد أن وصل مطار القاهرة الدولي.
والآن ها هو يعلن عن موعد عقد اللقاء الثاني بعد أن أضاف بُعدا جديدا لتدخله عبر فرض إشراك كتلة من 17 شخصاعلى رأسها شخص غير معروف في أوساط المعارضة، ما أثار هواجس ومخاوف كبيرة إن لجهة نجاحه بتشكيل بديل للائتلاف يربك المشهد وما يعنيه من توتير للعلاقات بين أطراف المعارضة أو بدفعه المؤتمرين إلى تبني موقف سياسي يتسق مع خياراته، خيارات الدولة المضيفةالتقليدي، وما يجعل هذه الهواجس والمخاوف حقيقية وضع اللقاء تحت إشراف المخابرات المصرية وتكليفها بإدارة الملف السوري، لإدراك خطورة الخطوة نذّكر بما فعلته المخابرات المصرية في الملف الفلسطيني الذي أدارته طوال عقود فكانت النتيجة فرقة وانقسام وانفصال غزة عن الضفة والضغط على الفلسطينيين للقبول بمطالب إسرائيلية،وتنسيق التحرك مع روسيا وإيران اللتين لا تخفيان توجههما وتطلعاتهما للإبقاء على النظام وإعادة الوضع إلىماقبل الثورة.
الواقع إن المخاطر لا تتوقف عند التحرك المصري بل تتعداهإلى أطراف المعارضة المشاركة والتي أثارت الشكوك حول موقفها وتوجهاتها عندما سكتت على قرار النظام المصري منع مشاركة أطراف معارضة في اللقاء الأول، بل إن بعضها ارتاح للخطوة لأنها استبعدت منافسيه، ورضخت لطلبه إشراك كتلة جديدة مصنوعة من قبل المخابرات المصرية في اللقاء الثاني، ما يثير مخاوف كبيرة من احتمال انصياعها لطلباته في قضايا أخرى، وخاصة في صياغتها للوثيقة السياسية وخارطة الطريق التي أعلنت إنها ستطرحها خلال اللقاء، بعد ان تبين سعيه، وبالتنسيق مع روسيا، لتجويف بيان جنيف عبر دفع بعض المعارضة إلى التخلي عن بنود رئيسة فيه.