شيخ الأزهر في ميانمار؟

 

 

حين يحتفي المسلمون باستقبال شهر رمضان اليوم، فإن مسلمي الروهينجا مستثنون من ذلك، بوجه أخص جموعهم العالقة في البحر منذ عدة أسابيع، التي هربت من جحيم الاضطهاد وما زالت تبحث عن ملاذ يأويهم.

 

أتحدث عن الألفي شخص الذين تعلقوا بأمل النجاة وتكدسوا في القوارب التي لم تجد شاطئا يرحب بها.

وكانت النتيجة انهم بقوا في عرض البحر يعانون من الجوع والأمراض، ويحوم حولهم شبح الموت طول الوقت.

تقول بيانات الأمم المتحدة ان 4500 مهاجر من مسلمي ميانمار (بورما سابقا) الهاربين من اضطهاد البوذيين المتعصبين وجحيم الحكم العسكري وصلوا إلى شواطئ الدول الثلاث المجاورة، تايلاند وماليزيا واندونيسيا. وقد ضاقت بهم تلك البلدان، حتى أصبحت تطارد قواربهم.

 

وذهبت سلطات تايلاند ذات الأغلبية البوذية إلى أبعد، حين قاومتهم بالسلاح وألقت بأعداد منهم في عرض البحر، في حين تحدثت الصحف عن العثور على قبور جماعية لمئات منهم على شواطئ البلاد.

في الأخبار ان الرئيس باراك أوباما تحدث عن أن ميانمار مطالبة بإنهاء التمييز ضد مسلمي الروهينجا إذا اختارت أن تنتقل حقا من الحكم العسكري إلى الديمقراطي.

وان آن ريتشارد مساعدة وزير الخارجية الأمريكية دعت إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية لإنهاء حملة التمييز والاضطهاد التي دفعت أولئك المسلمين البؤساء إلى اللجوء إلى الدول المجاورة.

 

وبسبب الضغوط الدولية التي مورست في هذا الصدد فإن سلطات ميانمار اضطرت إلى إعادة بعض المهجرين (نحو 900) إلى ديارهم في ولاية ارخين أو اركان، على الساحل الغربي من البلاد.

 إلا أن ذلك لم يغير من موقف السلطة التي تعتبرهم وافدين من بنجلاديش، التي آوت مائة ألف منهم. إذ ترفض الاعتراف بهم وتحرمهم من مختلف حقوق المواطنين في الهوية والتعليم والتوظف والانتقال وغير ذلك.

خلفيات مأساة مسلمي الروهينجا الذين يتجاوز عددهم مليون شخص، تناولتها وسائل الإعلام العربية من جوانب عدة،

سواء ما تعلق منها بجذورهم التاريخية في ولايتهم،

 أو معاناتهم في ظل الحكم العسكري،

 أو مظاهر اضطهادهم المختلفة من حرمانهم من حقوقهم إلى إحراق بيوتهم وزراعاتهم وتعريضهم للمذابح على أيدى المتعصبين البوذيين الذين تتسامح معهم السلطة.

 

وباستثناء زيارة قام بها وفد يمثل منظمة التعاون الإسلامي في جدة، وبيانين صدرا عن شيخ الأزهر في مصر، فإننا لم نلمس جهدا يمثل ضغطا حقيقيا يسعى إلى وقت اضطهادهم وإنصافهم،

 

ويستحي المرء ان يذكر انه ما من زعيم لدولة إسلامية تحدث عن محنتهم ورفع صوته مطالبا بإغاثتهم أو وقف اضطهادهم.

 استثني من ذلك السيد رجب طيب أردوغان الذي زار ميانمار لهذا الغرض حين كان رئيسا للوزراء.

ونقلت الوكالات انه أجرى اتصالا وهو رئيس للجمهورية مع رئيس الوزراء الماليزي في منتصف شهر مايو الماضي للتشاور معه في كيفية إيصال المساعدات لمسلمي الروهينجا.

في هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن المنظمات الإسلامية والمراجع الدينية في العالم الإسلامي لم تقدم على تحرك فعال يمكن ان يشكل ضغطا حقيقيا لوقف اضطهاد المسلمين هناك، حيث اكتفى هؤلاء بالشجب والتنديد ومطالبة المجتمع الدولى بتحمل مسؤولياته إزاء رفع المظلومية عنهم.

 

صحيح أن ذلك أضعف الإيمان، وهو مقبول إذا لم يكن بوسع تلك المنظمات والمراجع ان تفعل أكثر من ذلك.

ولكن لدينا من الشواهد والقرائن ما يدل على ان هامش التحرك الايجابى يحتمل جهودا أخرى تتجاوز حدود التعبير عن الاستياء والاستنكار.

لقد زار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إيطاليا وإنجلترا خلال شهر يونيو الحالي.

والتقى في إيطاليا بأعضاء جمعية سانت اجيديو المعنية بالحوار،

 كما التقى في إنجلترا ولي العهد الأمير تشارلز وعددا من أعضاء مجلسي اللوردات والعموم.

ولست أشك في أن مثل هذه اللقاءات لها فائدتها على صعيد مد جسور الحوار والفهم والتفاهم المتبادلين.

 لكنني حين تابعت ما نشر عن تلك اللقاءات قلت ان زيارة الإمام الأكبر كان يمكن ان تكون أجدى وانفع لو انها كانت لميانمار، لأن رمزيته يمكن ان تمثل ضغطا حقيقيا قد يخفف من معاناة المسلمين هناك.

 

وإذا جاز لي ان استخدم مصطلحات الأصوليين فلعلي أزعم ان زيارته لمسلمي الروهينجا تعد فريضة واجبة الأداء الآن، في الظروف التي يمرون بها، في حين أن زيارته لإيطاليا وإنجلترا تعد نافلة يمكن أداؤها في أي وقت، وهي مفيدة إذا تمت ولا ضرر منها إذا تأجلت.

ثمة كلام كثير يمكن ان يقال عن مسؤولية المنظمات والمجامع الإسلامية، حيث أزعم أن بوسعها أن تؤدي الكثير الذي قصرت فيه.

 ولا مفر من الاعتراف في هذا الصدد بأنها أصبحت تعبر عن سياسات الدول التي تمولها أو تستضيفها بأكثر مما تعنى بهموم المسلمين وأشواقهم. فهي أممية في عناوينها لكنها مؤممة لصالح الأنظمة الراعية لأنشطتها.

ثمة سؤال ألح على منذ شرعت في كتابة السطر الأول في هذا النص هو:

 لو أن الذين تعرضوا لتلك المعاناة كانوا من اليهود مثلا، هل كان يمكن ان تعفى حكومة ميانمار من التوبيخ والعقاب،

 وهل كان يمكن أن تسكت المنظمات الدولية والحقوقية على الاضطهاد الذي مارسته أو سكتت عليه؟..

 أكتفي بالسؤال وأترك لك الإجابة.