الاتفاق النووي يمهد لإيران أكثر تطرفاً
يوما بعد يوم يتأكد لنا أننا متجهون إلى كارثة بفضل سياسات أوباما والاتفاق الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى مع نظام الملالي الذي يقول تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير عنه إنه نظام يمارس ويدعم الإرهاب في مناطق مختلفة من المنطقة والعالم. في مقاله في الواشنطن بوست قبل عدة أيام تحت عنوان «أسوأ اتفاق في تاريخ الدبلوماسية الأميركية على الإطلاق» يوجز تشارلز كراوثمر النتائج المتوقعة للمفاوضات النووية الأميركية-الإيرانية والاتفاق الذي سيولد قريبا بشكل ممتاز ليقول: «في النهاية سيحصل أوباما على الإرث السياسي، وسيحصل كيري على جائزة نوبل، وستحصل إيران على قنبلتها النووية»!
لكن حتى حينه، يتساءل كثيرون عن الكيفية التي سيؤثر فيها الاتفاق على إيران وانعكاساته على سلوكها. كل النخبة الأميركية التي تدور في فلك أوباما «تؤكد» أن الاتفاق سيؤدي إلى تغيير سلوك إيران نحو الأفضل وأنه سيفتح آفاقا واسعة أمام التعاون الثنائي بين البلدين، وأن التجارة والاستثمارات ستدفع النظام الإيراني إلى مغادرة أحلامه التوسعية والإمبراطورية وتجعل تركيزه على البعد الداخلي أكبر.
مثل هذا الطرح -الذي شكل ويشكل محور منطق إدارة أوباما الجدلي في مناقشة مخاطر اتفاقها مع إيران- يعد مثاليا وساذجا إلى أبعد الحدود، وقد أثبتت التجربة التاريخية مع دول أخرى عدم صحته، سيما وأن الكثير من الكلام المشابه كان قد قيل سابقا عن الصين وروسيا وعن كوريا الشمالية، والنتيجة ما يراها العالم اليوم، المزيد من التعنت والقمع الداخلي والتوسع الخارجي، وافتراض عكس ذلك هو تجاهل لطبيعة الأنظمة القائمة وللحقائق التي لا يمكن تغييرها بالأماني وإنما بالعمل على الأرض.
بعض المسؤولين المحسوبين على أوباما كانوا قد بدؤوا يستشعرون مؤخرا صحة مثل هذا التقييم، فخرجت عدة مقالات من شخصيات مرموقة وكذلك بيانات من شخصيات رفيعة المستوى سبق لها وأن كانت جزءاً من إدارة أوباما، لتحذر من أن الاتفاق بشكله الحالي المعروف سيكون كارثة وأنه سيؤدي إلى ولادة إيران أكثر توحشا وعدائية في سياستها الخارجية الإقليمية وأكثر دعما للإرهاب والعمليات الإرهابية وأكثر مناعة في وجه أية ضغوطات أو عقوبات خارجية مع امتلاكها لبرنامج نووي على مستوى صناعي ضخم وأن الاتفاق لا يمنع بأي حال من الأحوال امتلاك إيران للسلاح النووي وهو يظل ناقصا أيضاً في ظل غياب استراتيجية متكاملة للتعامل مع تهديدات إيران الإقليمية.
في شهادته نهاية الشهر الماضي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، يقول راي تقية -وهو باحث أميركي من أصل إيراني وزميل في قسم دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية- إن الاتفاق سيؤدي على الأرجح إلى ولادة نظام ثيوقراطي متطرف يقود برنامجا نوويا على مستوى صناعي. ويقول راي في شهادته إن الخامنئي سيحظى بالوقت اللازم لإعادة ترتيب المشهد الداخلي، فالأخير ليس مهتما بازدهار إيران الاقتصادي إلا بقدر ما يخدم ذلك مهمته الإلهية في حماية وتصدير الثورة الإيرانية التي لا تعترف بحدود.
المفارقة هنا أن عددا من الخبراء بالشأن الإيراني لا يزالون يتحدثون عن إمكانية أن يؤدي الاتفاق إلى تقوية ما يسمونه «المعتدلين» في إيران دون أن يدركوا بعد أن التوزع الإيراني ضمن الطيف الواحد بين «معتدل» و «محافظ» أو «متطرف» لا قيمة حقيقية له إلا بما يخدم هدف المرشد الأعلى ويتيح لإيران الاستمرار في استراتيجيتها الداخلية والخارجية في توزيع الأدوار قاطعا الطريق على أي معارضة حقيقية.
وفي هذا السياق، ينسى أو يتناسى البعض أن روحاني وفريقه المفاوض ما كان له أن يكون موجودا في السلطة أولا وفي المفاوضات النووية ثانيا لولا سماح المرشد بذلك. ومن هذا المنطلق فإن من يصفهم البعض بـ «المعتدلين» موجودون فقط لخدمة خامنئي، وما إن ينتهي دورهم في تأمين الاتفاق النووي وفق معايير الخامنئي، حتى يتم التخلص منهم. فالتوصل إلى الاتفاق النووي يعزز حظوظ المتطرفين لأن خامنئي سيكون بحاجة إلى فريق متشدد للدفاع عن الاتفاق فيما بعد، وللتوسع الإقليمي تحسبا لأي تراجع أميركي، وبعد انتهاء مهمتهم ستكون إيران أقرب من أي وقت مضى إلى القنبلة النووية.
وسوم: العدد 623