بحر الدم والظلمات!

" السفينة أقلعت ، وتُبْحر ، ولا عودة إلى الوراء " !

كانت هذه مقولة بوق من أبواق الانقلاب عقب جريمة 3يولية 2013. البوق من أصدقاء الفتى دحلان ، رجل الأعراب والغزاة اليهود . بدت المقولة تعبيرا عن النشوة التي حققها أعداء الإرادة الشعبية والحرية والديمقراطية بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي – فك الله أسره – وإلغاء الدستور الذي وضعه الشعب المصري ، وحل المؤسسة التشريعية ، وإغلاق وسائط التعبير الإسلامية ، وتجميد الحياة السياسية ، ثم الانتقال إلى الدم حيث جري قتل العشرات ثم الآلاف في الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة العدوية والنهضة ورمسيس ومسجد الفتح وأكتوبر ، والقائد إبراهيم ودلجا وكرداسة وناهيا ، وميادين مصر  وشوارعها وقراها ، ومن أفلت من الدم استوعبته السجون فتكدس فيها عشرات الألوف على امتداد البلاد وعرضها ، حتى بلغوا اليوم أكثر من خمسين ألفا في بعض التقديرات ، ناهيك عن المداهمات والاقتحامات وترويع الآمنين في جوف الليل ، لدرجة بات معها كل مواطن لا يأمن حين يضع رأسه على السرير هل يصبح حيا أو ميتا ؟ في داره أو في المعتقل ؟ ومع القوم قائمة بأكثر من خمسة عشر اتهاما لكل من يختطفونه أبسطها وأقلها عقوبة التظاهر بدون تصريح حتى لو كان الشخص في قرية تنام بعد الغروب ولا تعرف شيئا اسمه التظاهر ، وعقوبتها عشرة أعوام فما فوق !

يلاحظ أن المسوّغ الأكبر للانقلاب كان التظاهر الشعبي ضد الرئيس مرسي ، ولكن الانقلابيّين الدمويين لا يسمحون بالتظاهر ليروا حكم الناس عليهم ! وكان من المسوّغات التي ألحوا عليها أن الانقلاب سيحمي مصر من الانقسام والانزلاق إلى حرب أهلية ، ولكن مصر اليوم أقرب ما تكون إلى الحرب الأهلية بعد أن انقسمت كما غنى الانقلابيون إلى شعبين وربّين !

بدلا من أن تبحر السفينة إلى الأمام ، في بحر فضي وشراع أبيض ، فقد جنحت إلى الشاطئ ومالت على أحد جوانبها بعد أن اكتنفتها غيوم وعواصف حولت البحر إلى دم ، والفضاء إلى ظلمات قاتمة لا يعرف أحد إلى أين ينتهي بها المصير !

صار قتل الأبرياء خارج القانون أو اغتيالهم عملا تصفق له أبواق الانقلاب وأذرعه الإعلامية وتدعو إليه ، وأضحى التلفيق المفضوح سمة من سمات الدموية الانقلابية ، وظهر شعار الثأر على ألسنة المسئولين والأذرع الإعلامية ؛ تعبيرا عن منهج لا يضع اعتبارا لشيء اسمه الدستور أو القانون ، بل إن قائد الانقلاب أعلن أن ما يسميه العدالة الناجزة يقتضي تغيير قوانين التقاضي ، وتقليص درجات الأحكام حتى يتم إعدام من يحكم عليه بالإعدام دون أن يمكن من النقض ، أو رد القضاة ، ومنح النيابات حق الحسم في ذلك ، ومعنى ذلك أن المحاكم الخاصة الموجهة التي من حقها ألآ تسمع شهود النفي ؛ ستصدر أحكاما نهائية واجبة التنفيذ !

فوجئ الناس قبل أيام عشية الثلاثين من يونيو ذكرى الحشد الذي صنعه العسكر والكنيسة والأقليات السياسية الكرتونية ضد الرئيس مرسي تمهيدا للانقلاب عليه ، باغتيال النائب العام الذي عينه الانقلاب في ظروف مريبة وملابسات معقدة .. فقد تم تفجير موكب الرجل ، وقيل إنه نزل من سيارته سليما يعاني من بعض الإصابات الطفيفة ومضى على قدميه إلى المستشفى ، وخرج سائقه سليما معافى ، ولكن النائب العام الذي دخل المستشفى على قدميه خرج محمولا على الأعناق .. لماذا؟ وكيف ؟

لا أحد يجيب ! العملية التفجيرية كبيرة وضخمة ( قيل أن المتفجرات تزن نصف طن !) أي إنها ليست متاحة لأفراد غاضبين أو جماعات محدودة الإمكانات والقدرات . أي إن العملية كبيرة وأقرب إلى سلوك الأجهزة المحترفة التي تتحرك من خلال إمكانات كبرى ، وهو ما دفع بعض المعلقين إلى المطالبة بتحقيق دولي يشبه التحقيق الذي يجري في حادثة اغتيال رفيق الحريري ، فاحتمال مشاركة قوي أجنبية وأجهزة مخابرات دولية وارد في هذه الحالة .. حيث يتم الآن تفجير العالم العربي من مشرقه إلى مغربه على قدم وساق ، وقتل المسلمين وسفك دمائهم يتم على مدار الساعة في معظم بلاد العرب ولم تفلت دولة من سفك الدماء إلا نادرا : اليمن وسورية وليبيا والعراق والسودان والصومال ومصر والكويت والسعودية وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين ، بيد أن الأذرع الإعلامية للانقلاب توجهت على الفور إلى الطرف الذي تعلق عليه دائما فشلها الذريع وكل مصائبها وخيباتها ، أعني الاخوان المسلمين ، وتتجاهل أن معظم أعضاء الجماعة في السجون والمعتقلات أو منفيون خارج الديار ، أو مطاردون في كل مكان فكيف يتأتي لهم مثل هذا العمل الاحترافي الضخم وهم أسرى لدى الانقلاب وجنوده ، اللهم إلا إذا كانت لهم قوة خارقة تخترق جدران السجون الصماء وتنفذ عمليات في مناطق عسكرية حصينة لا يسمح فيها إلا بسباق الدراجات لقائد الانقلاب ومحبيه ومؤيديه ؟

سمعنا تهديدات ووعيدا في جنازة النائب العام ، أعقبه قتل ثلاثة عشر من قيادات الإخوان في شقة بمدينة أكتوبر أبرزهم النائب السابق بمجلس الشعب المنحل ناصر الحافي ، وقيل إنه ومن معه هاجموا القوات التي كانت تقبض عليهم وصورت الأذرع الإعلامية بعض البنادق بجوار الضحايا دليلا على أنهم أطلقوا النار على من ذهبوا للقبض عليهم . وواضح أن الضحايا لو أطلقوا رصاصة واحدة ما كانت القوات تستطيع التقدم إليهم بسهولة وكان الناس يسمعون صوت تبادل الإطلاق، ولكن الجيران أعلنوا أنهم لم يسمعوا شيئا . ثم إن نتائج المعركة المزعومة لم تخلف أثرا واحدا في القوات حيث لم نر جنديا واحدا أصيب بخدش أو خربوش ، ولا في المحيط المادي حولهم يظهر على الحوائط أو الأثاث . ثم وهو الأخطر أن بعضهم كانت بصماته تحمل حبر الفيش والتشبيه الذي يتم عمله عند دخول المعتقلين أقسام الشرطة ومراكزها ،وللأسف شاهدت ما يسمى خبيرا أمنيا يدعي أن البصمات أخذت بعد القتل للتأكد من شخصية الضحية . وهو كلام مضحك يدل على المدى الذي وصلت إليه عقلية بعض خبرائنا الأمنيين والاستراتيجيين!

الاغتيال أو القتل خارج القانون وفقا لتسمية العدو النازي اليهودي صار علامة المرحلة الجديدة للانقلاب بعد أن جنحت السفينة وأوشكت على الغرق ، وبينما الناس في شتى أنحاء العالم يتجهون نحو التوافق والتفاهم في ظل الحكم المدني وليس العسكري ، حتى في إفريقية ، فإن الانقلاب يغني "تسلم الأيادي"! ، ويعمل لمحو الإسلام ، وحكم البلاد بالحديد والنار ، وينتصر لمنهج نحن السادة وأنتم العبيد ، وعليكم أن تقبلوا بما نمليه عليكم ، وترضوا بما نلقيه لكم ، ولا تتحدثوا عن إرادة الأغلبية ، فالحكم للنبوت ، ولو كره الديمقراطيون في أنحاء العالم ، ولدينا الأذرع الإعلامية الكذابة التي صنعت من البكباشي الأرعن زعيما قبل ستين عاما ، وستصنع من الانقلاب العسكري الدموي الفاشي بطلا خارقا في البر والبحر جميعا !

الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 623