أكاذيب حملة تسويق الاتفاق النووي الايراني
صحيفة العرب القطرية
أما وقد تم التوصل إلى الاتفاق النهائي وأصبح الجميع على بينة من أمرهم، نستطيع أن نؤكد أن التسريبات والمعلومات التي تم نشرها سابقا عن حجم التنازلات المخيفة التي قدمها أوباما في الاتفاق قد ثبت صحتها تماماً، رغم أن إدارة الرئيس أوباما كانت تجادل المعارضين دوما بأنهم لا يعرفون تفاصيل الاتفاق، وأنه ليس من الانصاف انتقاد شيء غير معروف.
من الصعب بطبيعة الحال مناقشة 159 صفحة في مقال صغير، لكن ما سنناقشه بشكل سريع هو بعض ادعاءات الحملة التي يقودها البيت الأبيض لتسويق الاتفاق، ويدافع فيها عما جاء فيه بأسنانه وأنيابه، ولعل من أهم هذه الادعاءات:
أولا: الاتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي
هذا غير صحيح، الاتفاق لا يمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية إذا ما أرادت ذلك. الاتفاق هو ببساطة كما سبق وكتبنا يجعل العمل النووي الإيراني غير الشرعي شرعيا (كتبييض الأموال). قبل الاتفاق كان لدى النظام لإيراني خيار واحد وهو العمل سرا وبطريقة غير مشروعة وتحت الضغوط الإقليمية والدولية وتحت سيف العقوبات. أما اليوم وبسبب الاتفاق، فسيكون لديها خياران، خيار الالتزام الكامل بالاتفاق وبعد 10 سنوات ستصبح في حل منه وستكون حينها دولة نووية متطورة، لأن الغرب ملتزم وفق الاتفاق بمساعدة إيران على تطوير قدراتها النووية العلمية والبحثية وتلك المتعلقة بالبنية التحتية والتكنولوجية. عمليا تصبح جاهزة لإنتاج القنبلة النووية متى ما أرادت إذا توافرت الإرادة السياسية، وحتى في حال لم تتوافر فهي ستعتبر دولة (دي فاكتو) نووية، وسيتعامل معها العالم على هذا الأساس كما هو الحال مع دول أخرى (اليابان، ألمانيا، البرازيل وغيرها).
أما الخيار الثاني، فهو خيار مواصلة العمل السري حتى في ظل الاتفاق، فسيبقى قائما لاعتبارات كثيرة سبق وأن شرحناها في المقال السابق، ولكن من دون ضغوط أو عقوبات دولية هذه المرة!
ثانيا: الاتفاق يتضمن آلية تفتيش صارمة
هذا غير صحيح. الإدارة الأميركية تنصلت بعد الاتفاق من مقولة كانت أعلنت عنها سابقا وهي أن «التفتيش سيتضمن أي مكان في أي زمان في إيران». النظام الإيراني لديه حق الاعتراض وفق الاتفاق على أي عملية تفتيش في المواقع المشتبه بها أو غير المصرح عنها، وعندها تبحث لجنة من الدول المعنية هذا الاعتراض (من بينها إيران نفسها!)، وإذا قررت التفتيش فقد تأخذ العملية كلها حوالي 24 يوما، وهذا قدر كاف لإخفاء ما تريد إيران إخفاءه، فضلا عن مشاكل التفاتيش الأخرى التي سبق وناقشناها أيضا.
ثالثا: الاتفاق يتضمن إعادة فرض العقوبات بشكل آلي إذا خرقته إيران
هذا نظريا لذر الرماد في العيون، أما عمليا فالأمر مختلف تماما في المبدأ وفي المضمون. قال أوباما أثناء المفاوضات لتبرير الاتفاق إن «العقوبات على إيران لم تنفع ولم تمنعها من تحقيق تقدم في برنامجها النووي ولن تمنعها أيضا». إذا كان هذا الكلام صحيحا، فالأولى أن يكون أكثر صحة بعد تنفيذ الاتفاق الذي سيحرر إيران من العقوبات وسيعطيها دفعات هائلة من الأموال (عشرات مليارات الدولارات المجمدة يصل مجموعها إلى حوالي 150 مليارا)، وسيفتح اقتصادها على الاستثمارات والتجارة الدولية. فلو التزمت إيران سنتين أو خمس ثم قررت خرق الاتفاق، وتقرر إعادة فرض العقوبات عليها (snap back) فلن يكون للعقوبات تأثير يذكر أبدا، هذا إذا استطاعوا فرض (snap back) أصلا.
رابعا: الاتفاق لم يتضمن مواضيع خارج الإطار النووي
هذا غير صحيح أيضا. عندما سئل أوباما قبل عدة أيام عن سبب عدم مطالبته لإيران بالإفراج عن المعتقلين الرهائن الأميركيين الموجودين لديها كجزء من الاتفاق، كان جوابه بأنه لا يجب ربط المواضيع الأخرى أو مثل هذه الأمور بالاتفاق المحصور بالملف النووي، وأنه لو طالب إيران بذلك لكانت استغلت الموضوع من أجل ابتزاز الجانب الأميركي بشكل أكبر لتقديم المزيد من التنازلات.
الحقيقة أن إحدى أكبر المشاكل المتعلقة بهذا الاتفاق على الإطلاق هو عدم ربطه بالكثير من الأمور التي كنا نتمنى أن تتم مناقشتها بشكل شفاف وربطها به، وأن تفرض بموجبه التزامات على إيران أيضاً وعقوبات حال خرقها، كموضوع «سلوك إيران الإقليمي ودعمها للإرهاب»، لكن الجانب الأميركي لم يفعل ذلك، وفي المقابل هو لم يلتزم كما ادعى بجعل النقاش حصريا في الإطار النووي.
ما جرى وفقا للمعلومات المتوافرة والتي تؤكدها الآن الوقائع، أن الجانب الإيراني فرض لائحة طويلة من الشروط على الجانب الأميركي، وطالب أيضاً في آخر لحظة بتضمين الاتفاق قضايا ليس لها علاقة بالاتفاق النووي أساسا، وقد وافقت إدارة أوباما في النهاية لأنها لا تريد التراجع وخسارة الاتفاق. ومن بين هذه الأمور ما ورد في الاتفاق، كموضوع التسلح التقليدي وإزالة العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني وعن قائمة من المسؤولين من بينهم الجنرال قاسم سليماني، ومنها ما لم يرد بالاتفاق وتم سرا كالتغاضي عن دور إيران في العراق (بل تشجيعه) والامتناع عن الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وعدم الالتزام الجدي بدعم العملية العسكرية السعودية في اليمن، وغيرها من الكوارث التي تبين لكل مشكك أن موقف إدارة أوباما المتراخي منها كان في الحقيقة مقايضة مع الجانب الإيراني لإبقائه على طاولة المفاوضات والحصول على هذا الاتفاق.
وسوم: العدد 625