فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ
المُصطلحُ منْ أدواتِ المُجادلةِ الثقافيَّةِ والسياسيَّةِ..بَرعَ الغربيِّون بِفنونِها..فَهاهم منْ حينٍ لآخر..يُفاجِئون ساحاتِ التحاركِ المعرفيِّ بِمصطلحٍ مَا..فَتلتقطُه الآذان والعيون وتسجله الأذهانُ وَتتفاعلُ مَعَهُ..فَمنْهم مَنْ يَتلقفُه بِالقبولِ والتسليمِ لأنًّ الغربيين عِندَهم مَرجعيَّةٌ فكريِّةٌ لا تجانب الصُوابُ..وَمِنْهم من يَتأملُها وَيُمحصُها فيَأخذُ منها وَيردُ..والعربُ والمُسلمون لَيسوا استثناءً من هذه الحالةِ..وَلكن غَالبيَّة النُخبِ الفكريِّةِ للأسف تَميلُ إلى حَالةِ القبولِ والتسليِّمِ..بشر الغرب بالحكم المدني فعشق وطرب له تيار فكري من أمتنا دونما تمحيص لمعناه ومقاصده..وَما أن نطق الغربُ بالديمقراطيِّةِ وَجَعلَها مِعّيارَ الولاءِ والبراءِ بَينَهم وَالآخرَ..صَبأ كثيرٌ من أبناءِ العروبةِ والإسلامِ فاعتنَقُوها وأخلَصوا لَها..فَلّمَا نَكثَ الغربُ بعهودِها وآلياتِها..انقسمَ الصابئون..فَمنْهم منْ ثَبتَ ومنْهُم مَنْ كَفرَ..وَمنْ قَبلُ قالَت أوروبا الشرقيِّةِ بالاشتراكيِّةِ فَسَارعَ كثيرٌ مِنْ ابناءِ العُروبَةِ والإسلامِ واتخذُوهَا شرعةً ومنهاجاً..وَبالغَ بَعضُهم فَقالً (اشتراكيِّةُ الإسلامِ) فَلمَّا هَوى صَنمُها وكُشفت سوأتها..تَلاوموا وَاستغفروا غَفرَ اللُه لنا ولهم..وَطرحَ الغربُ مُصطلَحَ الأصوليِّةِ وَذَمّها..فَانبرت لَها أقلامٌ عربيِّةٌ تَذمُها وَتُسفّههُا..فَلمَّا عَدَّلَ الغربُ فَهمَه بشأن لأصوليٍّةِ..وقالَ نَحنُ لَسنَا ضدَ الأصولية بل نَحنُ ضدَ التَعصُّبِ لها..أُحرجَ منْ انساقَ منهم وراءَ الغربِ بشأنِها..وَلكنّه لمْ يكنْ يَملك شَجاعةَ مفكري الغرب في المُراجعةِ..وَطرحَ الغربُ مُصطلحَ التَطرّفِ وَشنَّعَ أمرَهُ..فصفّقَ لهم كَثيرون من أبناء لغة الضاد..وَجَلدوا أنفسَهم وَأمتَهم بِسياطِ من نار.. فَلمِّا تَبيِّنَ لهم أنَّ الغربَ يَقصدُ من التطرفِ غَيرَ مَا فَهِموا..أُسقِطَ بأيدِيهم فأرادوا التراجعَ فلمْ يَستطيعُوه..ورفض الغربُ العنفِ دون تمييز وَقبّحَه..فَقبّحَه البعضُ بِمثلِ ما قَبّحَوه وَزيادة من دون تمحيص ونقاش..ولمَّا فَرّقَ الغربُ بينَ عُنفٍ وَآخرَ..لمْ يُدركوا مَقاصدَه من التفريقِ..فَداخوا دوخةٍ تُدوخُ من لا يدوخ..ولا يَزالون في دَوختِهم يَتمرَّغون ويترددون..وَطرحَ الغربُ مصطلحَ الإرهابِ..وأعلنَ عَلَيه ثَورتَه دُونَ أنْ يُحدد لَه تَعريفاً..لِيبقى الأمرُ مفتوحاً لِخياراتِهم يُلصِقُونَه بمنْ يَشاءون ويَصرفُونَه عَمنْ يشاءونه..وسارع أبناء ملة الرحمة والسلام يصفقون ويرحبون ويوالون دعاة وأئمة الحرب على الإرهاب ويجندون أنفسهم لمحاربته..وهاهم يجدون أنفسهم هدفاً مستباحاً لحروب الإرهاب بل هم ناقتها وجملها..ولكن يصعب عليهم بلع سكاكينها وسيوفها..مثلما يصعب عليهم إخراجها..وفاجَأ الغربُ العالمَ فطرحَ مُصطلح (الفُوضى الخلّاقةِ) وَسمِعتُ أخاً كَريماً من المفتونين بالغرب وما يصنع مدعياً:أن الرسولُ سبق الغربَ بالتحدثَ عنْ الفُوضى الخلاّقة وتحسينها..؟؟؟!وبعدُ..أما آنَ الأوانُ لأبناءِ أمَتِنا أنْ يَكفّوا عنْ مهزلة التبعيِّة المَقيتةِ للآخر..ويعودوا بأنفسِهِم لِمواقعِ الوسطية والتأثيرِ الحضاريِّ الراشد..ينشرون الرشدَ ويُؤيدونَه حَيثُما كان..وَيرفُضون الباطلَ والعبثية أيَّاً كان مَصدَرها..؟أرجوا ذَلِكَ واللهُ المُستعان.
وسوم: العدد 625