سلطة الانقلاب تعترف بأنها: الظلَمَة والقَتَلة والإعلام الفاسد :
نحن الظالمون
أصل الحكاية، أن سلطة الانقلاب في مصر أدخلت نفسها في أزمة بغباء منقطع النظير، عُرف عنها بالضرورة، فالشيخ محمد جبريل، أم المصلين في صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص، ودعا على الظالمين، ومن استباحوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، كما دعا على الإعلام الفاسد، فإذا بجماعة الانقلاب تتحرك للانتقام منه على قاعدة: نحن الظالمون، والقتلة، والإعلام الفاسد، وأنهم المعنيون بهذا الدعاء وليس خصومهم!
رمية بغير رام لخدمة قضية الشرعية ورفض الانقلاب العسكري، الذي لا يحسن المؤمنون بها التدبير، فيأتي النصر بأهداف يحرزها الانقلاب في مرماه، وربما يأتي استجابة لدعاء ولي من أولياء الله الصالحين: «واجعل تدبيرهم في تدميرهم»، ولو أن جماعة الإخوان اخترقت جبهة الانقلابيين وجندت أصحاب القرار فيها، لما تمكنت من تحقيق مثل هذا النصر!
الأمر بدأ كعملية قام بها هواة لاستدراج الانقلاب إلى فضيحة تلحق به، وانتهى في نتائجه كما لو كان مخططاً كبيراً سهرت عليه استخبارات دولة عظمى.
لقد راعني هذا الفيديو، الذي جرى الترويج له على صفحات «الفيسبوك»، وبما يفيد أن الشيخ محمد جبريل دعا على السيسي بالهلاك في صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص، وكان أول سؤال سألته لنفسي ومن أعطى موافقة للشيخ بأن يؤم المصلين في مسجد بحجم عمرو بن العاص، في مرحلة جرى فيها تأميم المساجد، وصار الأئمة يستمرون في وظائفهم بقرار أمني؟!
عندما أفشل في إيجاد تفسير لأمر بعينه، لا يكون أمامي من خيار سوى استدعاء صوفية قديمة، لو تمسكت بها لكنت شيخ مشايخ الطرق الصوفية، وعلى الأقل كنت سأعبر عن مرحلة جديدة، ونحن نشاهد الآن أحد مشايخ الطرق يكفر الإخوان المسلمين، وهو لا يحسن قراءة الفاتحة!
عند «أهل الحقيقة»، فإن تفسير هذا الأمر يدخل في باب «حكم المشيئة»!
دعاء الشيخ محمد جبريل عام، وقد استمعت له كاملاً مدفوعاً بدعاية أنه دعا الله أن ينتقم من السيسي، فلم أجد فيه ذكراً له، وكان يمكن أن يتم تجاهل الأمر واستمرار الشيخ في الصلاة في اليوم التالي والأخير فالترخيص له ليومين فقط، لكن «حكم المشيئة» انتقل بالأمر إلى رحاب أوسع، وإلى فضيحة عالمية للانقلابيين، الذين يعاقبون الناس على الدعاء، فأثبتوا وباعترافهم أنهم الظالمون والقتلة ومن يديرون الإعلام الفاسد!
آلاف المقالات والخطب، التي كتبت ودبجت لتصف القوم بهذه الاتهامات، ولم يكن للكتاب أو الخطباء أن يتمكنوا من النجاح كما حدث، وبتدخل سلطة الإنقلاب نفسها لتقول نحن كل هؤلاء، وباعتراف ضمني هو سيد الأدلة!
الدبة التي قتلت الانقلاب
لو كان أحمد موسى الإعلامي المقرب من عبد الفتاح السيسي هو جندي مجند لدى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، لما أمكنه من موقع العمالة للجماعة أن يسحب الانقلاب إلى فضيحة كما فعل بحسن نية، وسلامة طوية، وولاء خالص لقائد الانقلاب!
لدي شك في أن يكون موسى أو أحد العاملين في برنامجه قد استمع لهذا الدعاء، ولدي شك في أن يكون من يدير الأذرع الإعلامية قد استمع له.
تعرفون الدبة التي قتلت صاحبها؟! في حالتنا فالدبة ساهمت في قتل نفسها، فبدت وصاحبها كما لو كانوا أعضاء في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين!
فتح أحمد موسى النار على الشيخ محمد جبريل، في برنامجه على قناة «صدى البلد» لأنه يدعو على السيسي، وعلى الإعلام الفاسد، وجيء بوزير الأوقاف وهو يستشعر حجم الأزمة التي يمكن أن تطيح به من منصبه، فيفتح النار بدوره على جبريل ويتهمه بكل نقيصة ويصفه بالمتلون.
وبعد وصلة السب في حق الغائب الحاضر الشيخ محمد جبريل، أعلن وزير الأوقاف أنه لم يستمع للدعاء بعد، ومع هذا اتخذ قراره بمنعه من الخطابة والإمامة، ليس فقط ما دام الوزير في موقعه، ولكن ما دام على قيد الحياة. لتطرح مداخلة الوزير، ورأيه في الشيخ جبريل سؤالاً: ومن الذي سمح لهذا المتلون بإمامة المصلين في أكبر المساجد المصرية وأعرقها وهو مسجد عمرو بن العاص، وفي ليلة القدر؟!
السؤال ليس فقط لأن هذا هو رأي الوزير صاحب الإختصاص في قرار إمامة محمد جبريل، ولكن في السماح له بالإمامة حتى وإن لم يدعو بهذا الدعاء الأزمة، وهو الذي منع من ذلك في العام الماضي، وكان المنع طبيعياً لأن الرجل ظهر على منصة التحرير في ثورة يناير، والتي تعادي الثورة المضادة الحاكمة في مصر كل من شارك فيها، وكل أيقوناتها، حتى وإن ظل منهم من يتقرب لعبد السيسي بالنوافل، ويبدي استعداده لأن يكون خادماً في البلاط!
وفي أول رمضان بعد الانقلاب قرأنا أن الشيخ محمد جبريل صلى التراويح بالمصلين في أحد الأندية ودعا على الانقلابيين مما كان سبباً في تطاول البعض عليه، ممن غلبت عليهم شقاوتهم فأبطلوا صلاتهم ليثبتوا الولاء لقائد الانقلاب!
ما علينا، فهذا تأكيد على أن انحيازات الشيخ معروفة سلفاً، وكان منعه في العام الماضي يتماشى مع طبيعة المرحلة مع أنه ظل أكثر من عشرين عاماً يؤم المصلين في صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص منذ أن اكتشفه خطيب المسجد الراحل الدكتور عبد الصبور شاهين، وكان الآلاف يهرعون إلى هناك للصلاة خلفه وقبل أن يصبح ذائع الصيت.
شخص في حجم الشيخ جبريل، وفي مسجد بقيمة عمرو بن العاص، لا يمكن أن تكون الإمامة إلا بقرار من وزير الأوقاف، وبموافقة الأجهزة الأمنية، ولأن «ساعة القدر يعمي البصر»، فقد صدر القرار كما لو كان من أصدره ومن وافق عليه عميلاً مجنداً لدى الإخوان المسلمين!
إنه حكم المشيئة، وهو المسؤول عن فقدان دائرة السوء، لرجل رشيد يمنع كرة الثلج من أن تتدحرج وتكبر، فشمر كثيرون عن سواعدهم ليثبتوا الولاء، فحتى وكيل الأزهر تدخل وصرح بأن مساجدنا ليست للدعاء على الظالمين، ليتحول الموضوع إلى نكتة! وتدخلت الدوائر القضائية والأمنية ومنعت الشيخ من السفر، وحررت ضده محضر بقسم شرطة مصر القديمة والاتهام غير منصوص عليه في أي قانون وهو أنه وظف دعاء القنوت توظيفاً سياسياً!
وفي حملة الإبادة الإعلامية ضد الشيخ قالوا فيه الشيء ونقيضه؛ فروجوا بأنه كان من الداعمين لمبارك في ثورة يناير، بينما أحمد موسى ضبطه متلبساً بالوقوف على منصة ميدان التحرير، بعد أن تم تجريم الثورة، وهذا هو الأساس. فالشيخ خالد الجندي الذي قال دفاعا عن مبارك وهجوماً على الثورة خطبة عصماء، وجدها فرصة للدفاع عن ولائه القديم، واستنكر الدعاء على الظالمين وقال إنهم يقولون إننا تحسسنا بطحتنا، ويعترف بأنه تحسسها لكن هذه البطحة هي مصر، التي وصفها بأنها حرمه المنوط به الدفاع عنها..»الملافظ سعد»!
فات خالد الجندي، أن مصرنا نحن لم تكن عورة أو بطحة، فقد انتقلت لموضع العزة بثورة يناير عندما كان الهتاف الأثير ارفع رأسك فوق أنت مصري.
لقد تعرضت مصر لكبوة بالانقلاب العسكري، حتى صارت بطحة، وجار عليها الزمان لتكون مجرد زوجة وبعلها خطيب نظام مبارك خالد الجندي.
لكن وكما قال المثل الشعبي: «شدة وتزول»!
٭ صحافي من مصر
وسوم: العدد 626