هل دخلت تركيا المغطس ؟؟
حاولت تركيا جاهدة النأي بنفسها عما يدور حولها : في العراق وسورية.. واتخذت مواقف معارضة لتوجهات الإدارة الأمريكية ومفاهيمها عن الإرهاب ومحاربته، وكانت عنصراً فاعلاً في الشأن السوري، قدّم، وما يزال العون والاحتواء لملايين السوريين، وأشكالاً أخرى من الدعم متعدد الوجوه .
ـ المواقف التركية كانت جليّة من بقاء المجرم بشار ونظامه، وعملت وسعها على اتخاذ مواقف دولية حاسمة بهذا الشأن، أو فيما يخصّ إنشاء منطقة آمنة عبر تسليح الجيش الحر بأسلحة فعالة ضدّ الطيران وكانت المواقف الأمريكية بالمرصاد...وبما أطال الأزمة السورية وفرّخ فيها عديد البيوض المستوردة، أو تلك التي صاصت في أتون الحريق السوري المقصود..ثم محاولات إشغال تركيا داخلياً كي تغرق، واقله كي تقلص اهتمامها ودورها بالشأنين السوري والعراقي.. وبالدور الإيراني المتفاقم ..
ـ من أشهر وبعض الأصدقاء يضخّون معلومات عن احتمالات إغراق تركيا بتفجيرات داخلية قد تذهب إلى مديات حريق كبير يتجاوزها إلى عدد من الدول العربية.. وهو ما برز في الآونة الأخيرة عبر تضافر مجموعة من الأحداث.. والتي فاقمتها نتائج الانتخابات الأخيرة التي سحبت الأغلبية من حزب العدالة والتنمية التي تسمح له بتشكيل حكومة دون لجوء إلى التحالفات والمساومات المشروطة مع القوى الأخرى..أو الاضطرار إلى إجراء انتخابات مسبقة.. وبنوع من تجميد الوضع، أو إضعافه ريثما تمرّ هذه الفترة الانتقالية ..
ـ تركيا رفضت النظرة الأحادية الأوباماوية في محاربة الإرهاب..لأنها تؤمن بأن النظام السوري، والمليشيات الطائفية في العراق والتي تسانده ـ كحزب الله ـ أبو الإرهاب وحاضنته، وأن على الحلف الدولي أن يواجهه على نفس سوية محاربة"الدولة افسلامية" وبقية القوى المصنفة أنها إرهابية، لذلك لم تدخل في ذلك الحلف، ولم تسمح باستخدام القواعد المنتشرة في أراضيها، والتابعة لحلف الأطلسي، خاصة قاعدة جينريك، من قبل الطيران الأمريكي وغيره..
ـ يبدو أن تركيا عليها أن تدفع ثمن مواقفها تلك بتحريك الوضاع الداخلية، وممارسة ضغوط من النوع التفجيري، واقتراب بعض الأوضاع من خطوطها الحمراء التي لا تسمح بها، وبشكل خاص : تحريك حزب العمال الديمقراطي الكردستاني لوقف الهدنة وبدء عمليات عسكرية، وتوالي مسلسل التفجيرات التي تشترك فيها قوى ذلك الحزب وبعض المجموعات اليسارية المتطرفة، إلى جانب" داعش".. دون أن ننسى جيوب ودور النظام السوري، واتهامه بالمسؤولية عن بعض التفجيرات، وعمليات الاغتيال .
ـ وتركيا تنظر بعين الخطورة إلى ما يجري في الجزيرة السورية، وصولاً إلى تل أبيض على يد " قوات الحماية الشعبية" ومن يقف خلفها "البيدي"، وترى فيه عملاً يؤسس فقامة كيان كردي خاص على حدودها بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أوضاعها الداخلية، وتدفع أكراد تركيا إلى محاولة الانفصال والاستقلال..
ـ الحكومة التركية ـ عبر حزب العدالة والتنمية ـ اتخذت في السنوات الأخيرة مجموعة من القرارات لصالح الحالة الكردية التي تمثل ثقلاً مهما في منسوب تركيب الشعب التركي، ويتجاوز عدد الأكراد ال 16 مليون نسمة، وبظنها أنها أرست قواعد التعايش السلمي، والإقرار بحقوق الأكراد القومية في إطار تركيا الموحدة، وعبر الانتخابات التي فازت فيها" قائمة الشعوب التركية" بنسبة تجاوزت ال 13 بالمائة، غير أن مجموعة التفاعلات الجوارية، والداخلية، والدولية تخلق وقائع ممتلئة بالتحديات..أجبرت القيادة التركية على الزحزحة، وتغيير مواقفها، والدخول طرفاً مهما في ميداني : الحرب على الإرهاب، ومواجهة المخاطر الداخلية التي يمثلها حزب العمال الكردي وبقية المجموعات المعارضة ..
ـ في هذا الجانب كانت الحكومة التركية في موقع الاتهام على مدار سنوات ظهور "داعش" وتمدمدها، إن كان لجهة السكوت عن ذلك التطور، أو بعبور معظم المنخرطين فيها من دول العالم عبر الحدود والأراضي التركية، وجرى كلام كثير عمّا تجنيه الحكومة التركية من وجود داعش في كل من العراق وسورية.. وحكايا الحلف السني مقابل الشيعي...
غير أن تغوّل داعش، وتمركزها القوي في المناطق السورية المجاورة لتركيا يحملان الأخطار الجدّية على الوضع التركي داخلياً، أو بقابلية الاستقرار، وتصدير الأزمات..
دون أن ننسى وجود نسبة ليست صغيرة من " الطائفة العلوية" التي يدين عديدها بالولاء للنظام السوري، خاصة الذين ينحدرون من اصل سوري، سكان لواء الإسكندرونة والذين لا يتجاوز عددهم ال 300 ألف كما تشير بعض التقديرات، والذين يختلفون بتركيبهم ومواقفهم عن " علويي الأناضول" الذين يشكلون النسبة الأكبر من العلويين في تركيا حيث تشير المصادر إلى تجاوزهم ال 8 مليون منتشرون في مناطق مختلفة، وبينهم نسبة من الأكراد تصل الثلث، والمندمجين في الحياة السياسية والاجتماعية..
ـ مجموع هذه الأوضاع دفعت الحكومة التركية إلى الدخول العلني في حرب مفتوحة تبدو أنها اضطرارية ، وبأمل أن تقطع الطريق على المخاطر الكبيرة المحدقة بها، وعلى احتمالات تفجيرات داخلية كبيرة يمكن أن تشعل حريقاً شاملاً ..
وسوم: العدد 626