التدليس في خطاب الرئيس !
يرغب الكاتب أن يشير فيما يتعلق بعنوان هذه المقالة إلى ثلاثة أمور : أولها هو أن التدليس من الناحية اللغوية هو أخو الكذب ( الدلس : الخديعة )، ولكن عندما يتعلق الأمر ب" رئيس جمهورية " ، فلابد أن يتطابق المفهومان ، وهو ما شهدناه وما سمعناه في خطاب بشار الأسد الأخير ( 26.07.2015 ) بصورة تدعو إلى الدمج بين الضحك والبكاء ، وثانيهما أن اختيار الكاتب لعنوان هذه المقالة ، إنما جاء بعد ان شاهد بأم عينيه ، وسمع بأم أذنيه خطاب بشار أمام بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني الذين جمعهم في القصر الجمهوري بغرض إلقاء هذا الخطاب الذي لم يكن سوى تكرار ممل لخطاباته التي طالما مل الناس سماعها ، ولا سيما بعد قيام ثورة آذار المجيدة في شهر آذار 2011 ، أما الأمر الثالث المتعلق بعنوان هذه المقالة ، فهو أن الكاتب بعد أن غربل وكربل ومنخل خطاب بشار توصل إلى مايلي :
1. لاننكر على سيادته ، محاولته الخجولة في بعض المواقع من الخطاب إضافة بعض البهارات التي حاول أن يجعل بها طبخته السياسية ( تدليسه) مقبولة ممن يراه و/ أو يسمعه ، متجاهلا ماذا صنعت يداه ويدا جيشه و شبيحته ومناصريه الطائفيين طوال أكثر
من أربع سنوات بسوريا بشراً وحجراً وشجراً ، حتى أن الحيوانات لم تسلم من شرّه وشرّ جيشه وشبيحته ( مقتلة الحمير ) ، ومتجاهلاً أن ورقة التوت التي يحاول لسانه أن يستر بها عورة نظامه الطائفي الديكتاتوري، إنها إنما تفضح ما صنعت يداه أكثر مما تستر .
2. لقد كانت أبرز الوقائع آلتي أظهرتها ورقة التوت ، هي اعترافه ببعض الحقائق التي كان ينكرها في خطاباته السابقة ، ولا سيما :
+ اعترافه بتراجع عدد / حجم القوات النظامية وغير النظامية التي تقاتل معه ، ويعود السبب في ذلك وهو ما يدخل هنا في باب (المسكوت عنه ) الى ، من جهة ، الانشقاق المتواصل لعناصر من الجيش النظامي وانضمامها إلى الجيش الحر ، ومن جهة أخرى إلى رفض المواطنين السوريين الالتحاق بالجيش النظامي ، سواء بما يعرف ب " خدمة العلم " ، أو بما يعرف ب " الخدمة الاحتياطية " ، وذلك لأنهم لا يريدون أن يكونوا أدوات بيد النظام لقتل أبنا ء شعبهم .
+ اعترافه الضمني بتراجع قواته ( وقوات أنصاره ) أمام ضربات قوى الثورة ، وعلى رأسها الجيش الحر ، ولا يغير من هذه الحقيقة ، استخدامه لبعض المصطلحات العسكرية التلطيفية ، التي تدخل واقعياً في إطار ورقة التوت التي أشرنا إليها أعلاه ( الانسحاب من هنا لمصلحة هناك ، أو إعادة الانتشار بين هنا وهناك !! ) .
+ اعترافه بالدور الإيراني ، وبدور حزب الله اللبناني ، في مساندة جيشه وشبيحته عسكرياً في مقاتلة الشعب السوري ، بل وتثمينه لهذا الدور الطائفي المشبوه (!!) ، واعتبارهم أحق بالجنسية السورية من المواطنين السوريين الذين يطالبونه بالحرية والكرامة ذلك أن ( سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها ، وإنما لمن يدافع عنها !! ) والدفاع عن سوريا بنظره يتماهى مع الدفاع عن نظامه الديكتاتوري والطائفي ، أي عن " سورية الأسد " على حد تعبير " السيد " حسن نصر الله (!!) .
3. ألحّ وأصرّ بشار في خطابه على أن كلّاً من أوروبا وأمريكا إنما يساندون ثورة آذار ضده ، علماً أن القاصي والداني يعرف أن الثورة السورية هي من أبرز ومن أهم ثورات " الربيع العربي " ، وأن كافة الدول الكبرى ، ولا سيما أمريكا وروسيا والصين وأوروبا ، إنما تقف مع توابعها من العرب ضد هذه الثورات ، وهو ما نشاهده بأم أعيننا في مصر والعراق وليبيا واليمن وتونس ، فلماذا تكون سوريا استثناءً ياسيادة " لرئيس " ؟ ! .
4. يتباكى سيادته في خطابه العتيد ، على ماحلّ بسوريا من خراب ودمار ، ويضع ( دون خجل أو وجل ) مسؤولية ذلك على عاتق الثورة تحت مسمى قديم هو" العصابات المسلحة " والذي تم تحديثه إلى مسمى جديد هو " الإرهاب " ، فهل تملك الثورة السورية ( العصابات المسلحة / الإرهابيون) يابشار الطائرات والبراميل والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ؟!!. أم أن المثل العربي الذي يقول " رمتنا بدائها وانسلّت " . إنما ينطبق على موقفك المضحك والمبكي هذا ؟ ! .
5. ادعى بشار في خطابه أنه تقدم بعدة مبادرات لحل الأزمة السورية ، ولكنها كانت ترفض من قبل كل من الخارج و الداخل . وإذا كان الخارج ( الدول الكبرى ) لايقبل سوى الاستسلام الكامل ( لسوريا الصمود والتصدي )على حد زعمك في الخطاب ، فلابد أن تتساءل: لماذا رفضت ( بضم الراء ) مبادراتك المزعومة من قبل الداخل ( الثورة / المعارضة ) أيضاً ؟!!.
6. ادعى بشار في خطابه ان الحملات العسكرية والسياسية والإعلامية الغربية لمكافحة الإرهاب ، إنما هي حملات " ذر الرماد في العيون ". والسؤال الذي لابد من طرحه على بشار هنا هو : عيون من التي يقوم الغرب بذرها بالرماد ؟ ولماذا؟ . وهل الطائرات التي تنتهك حرمة الأجواء السورية صباح مساء تدخل في إطار ذر الرماد في العيون هذا ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تمنعها أسلحتك المضادة للطائرات من متابعة هذه المهمة قبل أن يصل ذر الرماد في العيون إلى مرحلة إصابة هذه العيون بالعمى ، وبالتالي عدم رؤية الحقيقة التي لايراها إلّا أطباء العيون دون غيرهم !! .
7. عدت إلى خطاب بشارالأسد مرة أخرى قبل أن أصل إلى هذه الفقرة السابعة ، واستمعت إليه من التصفيق إلى التصفيق ، وذلك خشية أن أكون قد جانبت جادّة الصواب في اختياري لعنوان هذه المقالة .نعم إن الخطاب لايعدو أن يكون جملة من الأضاليل ، التي كان على مستمعيه أن يخجلوا من أنفسهم عند سماعها ، ليس فقط بسبب تصفيقهم ، وإنما بسبب تواجدهم نفسه . لقد كان خطاب بشار رثاءّ لسوريا ، التي فقدت خيرة شبابها وشاباتها ، أطفالها ونسائها وشيوخها ، وفقدت الماء والغذاء والكهرباء وفقدت البنية التحتية والفوقية ، ولكن كان كل ذلك حسب منطوق الخطاب " بيد عمرو " وليس بيد بشار ، بيد التكفيريين والإرهابيين القادمين من الخارج ، وليس بيد شبيحته ومرتزقته وفرقته الرابعة الموجودين في الداخل . إن القاصي والداني يابشار يعرفون جيداً من دمر سوريا ، ويعرفون جيداً من قتل حوالي نصف مليون من أبنائها ، ويعرفون جيداً من هجّر وشرد الملايين من نسائها وأطفالها . نعم ياسيادة " الرئيس " إن الشعب السوري يعرف جيداً عدوه من صد يقه ، ويعرف جيداً من أصدر بلاغ سقوط القنيطرة رقم 66 ، وبالتالي سقوط الجولان بأكمله بيد اسرائيل ، إن الشعب السوري يعرف الحقيقة يابشار ، كل الحقيقة ، وإن خطاباتك هذه لن تغير من الأمر شيئاً ، سواء أكانت مع التصفيق الحادّ او بدونه ، وإن الحق أحق أن يتبع .
وسوم: العدد 627