سؤال كبير : أين نحن من الذي يجري ؟؟؟؟ ..
تضجّ المنطقة والعالم بتحركات متلاحقة، كثيفة، وسورية بيت قصيدها.. وسورية الشعب غائبة عنها .
تحت الطاولات، وفوق الطاولات.. في اللقاءات السرية والعلنية مشاريع وطبخات . حكايا مختلفة عن تحالفات وتسويات . مصالحات ومبادرات.. ونحن لا نسمع إلا شتاتها، وكل طرف يريد إيصال ما يريد .. أما المخفي؟؟..أما ما يجري في السر؟؟.. أما المحاصصات والتفاهمات فنحن كالأطرش بالزفّة تماماً ..
لا شكّ أن منعطفاً كبيراً حصل بالاتفاق مع إيران، مؤشراته عديدة، ومنها :
1 ـ تحوّل إيران من دولة مارقة، معادية، بنظر الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب عموماً..إلى شريك بكل مستتبعات ذلك في " تأهيل" النظام الإيراني ليلعب دوراً مهماً في المنطقة .
2 ـ وذلك يعني منح الوجود الإيراني المتغلغل في بلادنا نوعاً من مشروعية تتجاوز القائم إلى حصة ما في القادم.. وما يحكى عن خرائط تعدّ، وكيانات يجري تفصيلها وخياطتها وفقاً لنوع من التفاهمات بين مجموعة تلك الأطراف الدولية ـ الإقليمية..
3 ـ تكريس التفاهم الأمريكي ـ الروسي عبر مجموعة من التوافقات تبدو فيها المسألة السورية أحد مرتكزاتها .
4 ـ محورة التحالفات، والسياسات حول " محاربة الإرهاب".. بما يعني فتح اقواس جديدة تطيح بالممنوعات التي كانت قبل مدة، وتتيح لإيران دوراً مهما.. وحتى للنظام السوري .
5 ـ تطور الموقف التركي باتجاه مواجهات مفتوحة مع كل من حزب العمال الديمقراطي الكردي، وداعش، والعمل على فرض منطقة آمنة على امتداد الحدود مع سورية، ومستتبعاتها .
6ـ الزيارة المفاجئة لعلي مملوك للسعودية، واستلام عُمان ملف التسويات بكل ما عرف عنها من خبرة، وقدرة في تليين الأطراف المختلفة، وتقريب المواقف ..
7 ـ الانتفاضة الشعبية العارمة في العراق وتداعياتها على الحكم القائم والمنطقة ..
****
وفقاً لجوهر السياسة الأوباماوية.. فإن محاربة الإرهاب تشكل العمود الفقري في النظرة، والتريبات، والتحالفات. وعلى هذه القاعدة تفتح الولايات المتحدة خطوطاً متعددة : تفاهمية مع كل من روسيا وإيران بهدف تشكيل مروحة واسعة من حلف متعدد ضد تنظيم الدولة . وفي سبيل ذلك تغضّ النظر عن دور إيران المتوغل في البلاد العربية، أو تحاول تقنينه في العراق وسورية إلى جانب لبنان . وحين ابدت دول الخليج تخوفاتها من الاتفاق مع إيران انهالت التطمينات الأمريكية الكلامية لها بأنها تضمن أمنها، وبأنها لن تتخلى عنها.... لذلك تكثير التحليلات عمّا يمكن تسميته بإخراج اليمن من دائرة النفوذ الإيراني، والإقرار بأنه جزء من أمن الخليج عموماً، والمملكة العربية السعودية خصوصاً ، ويفسر هؤلاء التقدم الملحوظ للقوى المحسوبة على الشرعية، والتحالف العربي، وإحرازه مزيد النجاحات في هزيمة تحالف الحوثي ـ صالح على أنه جزء من اتفاق ضمني رفعت فيه غيران يدها عن حلفائها الحوثيين، وعن اليمن .
وبالوقت نفسه يربط هؤلاء حراك العراق، وإقدام المرجعية الشيعية على منح العبادي الضوء الأخضر، و"الضرب بيد من حديد على الفساد والفاسدين"، وجملة إجراءات العبادي، وموافقة البرلمان عليها بالإجماع.. باتفاق لتسوية أوضاع العراق الداخلية تهيّئة لمساهمة فاعلة في الحرب المفتوحة على الدولة الإسلامية .
ـ لكن حين نجيء للحالة السورية نرى أن اللوحة مختلطة، وأن تحركات كبيرة تجري بعيداً عن مشاركة الشعب السوري ضمن ما يعرف اليوم بالمبادرات السياسية التي تتوافق حولها التوجهات العامة، وإن اختلفت ببعض التفاصيل .
ـ الموقف الإيراني الحامل لمبادرة معلنة أجرى عليها تعديلات طفيفة لا يكتفي بالتمسك بالنظام ورأسه، بل والتدخّل السافر الواسع بالشأن السوري درجة الاحتلال والسيطرة على القرار، ويتقاطع ـ بدرجات كبيرة ـ مع الموقف الروسي لجهة الإبقاء على رأس النظام ولو لفترة محدودة، أو إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، مع التمسّك بمرتكزات النظام الأمنية والعسكرية، والحديث عن حكومة " وحدة وطنية " أو " تشاركية" بين النظام والمعارضة، وبما يتناقض مع نصوص جنيف 1 لجهة تشكيل جسم انتقالي كامل الصلاحيات . وحين السؤال عن تلك المعارضة المقصودة يكون التصنيف، والاشتراط عن الوطنية، والمعتدلة.. وبما يشبه مواقف النظام وقصة سقف الوطن، وقوى الإرهاب والتشدد .
ـ والولايات المتحدة ما زالت ـ نظرياً ـ تطرح إبعاد الأسد عن العملية السياسية وفق كلمات مبهمة عن أنه لا مستقبل له فيها.. ودون تحديد واضح عن الكيفية، والزمن .
ـ وباسم محاربة الإرهاب وتشكيل حلف واسع ضده.. جرى اللقاء السعودي مع اللواء علي مملوك موفداً من بشار الأسد، ونتاجاً لما يحكى عن تفاهمات سابقة بين السعودية وروسيا أثناء زيارة ولي ولي العهد لها، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي لروسيا وتأكيده على مواقف السعودية من الأسد، وبأنه لن يكون جزءاً من الحل السياسي، وأنه المشكلة التي يجب وضع حدّ لها .. في حين يكتنف الغموض أمر تكوين ذلك الحلف الواسع ضد الإرهاب وأطرافه، وهل سيكون النظام السوري جزءاً منه بوجود راسه، أم بالاتفاق على وضعه جانباً.. ضمن تفاهمات ما.. تبدو القابلية الروسية مفتوحة على التعاطي معها ؟؟؟...
ـ في جميع هذه التحركات يبدو واضحاً تهميش قوى المعارضة السورية كطرف رئيس فيها، إن كان لجهة الإئتلاف، أو غيره، واسباب التهميش متعددة ولا ترجع لواقع الإئتلاف ومشكلاته الداخلية وحسب، ولا لعجزه عن تمثيل الثورة فعلياً، وإنجاز المهام المناطة به فقط.. بل تناغماً مع تصورات لدى تلك الأطراف الدولية عن إيجاد " معارضة معتدلة" مطاطية ومقبولة منها . بينما الناطق الرسمي باسم " هيئة التنسيق" الأستاذ حسن عبد العظيم ينفخ بدور الهيئة، و"مؤتمر القاهرة ومقرراته"، ويتصوّر أن دورها محفوظ، ومهم في قادم التفاهمات التي يجري الحديث عنها.. وهو أمر أمنياتي أكثر منه واقعي.. بغض النظر عن ماهية التمثيل، وواقعيته..
في حين يضع هؤلاء العمل العسكري خارج قوس الحسابات، إلا عبر بعض الاتصالات السرية التي تقوم بها أطراف مع بعض الجهات المسلحة "لإعدادها" بما يتناسب وتلك التصورات .
ـ لكن هناك عامل مهم آخر لا يمكن تجاوزه ويرتبط بالموقف التركي وثقله الفاعل في مصير ونوعية أية تسوية سياسية للمسألة السورية . فالحكومة التركية تدخل حرباً مفتوحة شاملة ضد كل من اتحاد العمال الكردي، وداعش.. تحقيقاً واضحاً لمنع قيام كيان كردي مستقل على حدودها، وطرد وجود الدولة الإسلامية من الأراضي السورية التي تحتلها، وفرض منطقة آمنة سيكون لها موقعها الحيوي في المعادلة، والتي لن يقدر أحد على القفز فوقها .
ـ إن مجمل هذه التطورات والتحركات تملي على قوى المعارضة، خاصة القادرة منها، الدعوة المباشرة لتوحيد العمل بينها، والتحضير لعقد مؤتمر وطني جامع لها يناقش هذه الأوضاع ويخرج بتصورات مشتركة، توافقية، حولها تضع تلك القوى في صميم ما يجري كطرف رئيس لا يمكن تهميشه، أو تجاوزه . كما أن إنجاز تفاهمات واضحة مع قوى العمل المسلح حول مستقبل النظام التعددي المنشود، البعيد عن أي أدلجة عقائدية، أو احتكارية لجهة دون الآخرين سيكون ضرورياً، وملحاً، ومنسجماً مع جوهر أهداف ومطالب وتضحيات الشعب السوري في إنهاء نظام الفئوية والاستبداد، وإقامة النظام الديمقراطي الذي يحقق المساواة بين جميع أطياف ومكوّنات الشعب السوري على اساس المواطنة .
وسوم: العدد 628