دفء العلاقات المصرية الاسرائيلية

((أصبح المصريون وقياداتهم أكثر دفئا تجاه اليهود واسرائيل))

***

كان هذا عنوان مقال نشرته وكالة التلجراف اليهودية "JTA" وتداولته عدد من الصحف والمواقع الاسرائيلية على رأسهم جريدة الجورزاليم بوست.

استشهد المقال والصحف التى نشرته بالزيارة التى قام بها الى القاهرة، وفد الجنة الامريكية اليهودية للقاهرةThe American Jewish Committee - (AJC). فتحدث عن الحفاوة التى استقبلهم بها الرئيس المصرى. والتى ناقشوا فيها عديد من الموضوعات على رأسها "كيف يمكن لمصر واسرائيل ان يتعاونا معا ضد الاتفاق النووى الايرانى؟" وكذلك التهديدات الإرهابية الإقليمية، ومحادثات السلام المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحفاظ على التراث اليهودي المصري.

وعلق"جيسون آيزاكسون"عضو اللجنة الامريكية اليهودية على الزيارة، بقوله "أجد مزيد من التسامح، أجد المزيد من الاحترام لإسرائيل والشعور بالقواسم المشتركة بين الاهتمامات الاستراتيجية المصرية والإسرائيلية و المواقف المشتركة تجاه حماس..."

وكتب بعض المحللين الاسرائيليين أن الحكومة الجديدة في القاهرة في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أسست علاقة ودية مع الشعب اليهودي وظلت وسيطا نزيها في التفاوض بشأن اتفاقات متبادلة المنفعة مع دولة إسرائيل. ولقد شهد القادة الأمريكيين والإسرائيليين تغييرا ملحوظا في سلوك الحكومة المصرية.

وقارن المقال بين الموقف من اليهود فى مصر فى العقود الماضية والذين بلغ عددهم 75000 قبل حرب 1948 و الذى اصبح اليوم لا يتعدى 8 نساء مسنات بالقاهرة، نتيجة معاداة السامية فى مصر واضطهاد اليهود و تجريدهم من المواطنة والجنسية منذ الخمسينات.

وأثنى على الوضع الحالى الذى لم تعد فيه كلمة "يهودى" أو حتى كلمة "صهيونى" تمثل لعنة كما كانت من قبل. واستشهد فى ذلك بمسلسل "حارة اليهود" الذى عكس موقف كثير من المصريين من ان الاخوان المسلمين اليوم وليس الصهاينة هم الذين يمثلون التهديد الاخطر والعدو الاكبر للامن المصرى.

كما انه خلال الحرب بين اسرائيل وحماس في الصيف الماضي، أدانت الحكومة المصرية حماس حليفة الاخوان، لسلوكها التصعيدى ضد اسرائيل. ونشرت محطات التلفزيون التي تديرها الدولة في مصر، مصطلح "إرهابي" لوصف الهجمات الصاروخية التى أطلقتها حماس على إسرائيل.

واشار المقال الى ما قاله السيسى فى مارس الماضى من  انه يتحدث الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيرا، وهي الممارسة التي لم يسبق لها مثيل منذ أيام كامب ديفيد، وكذلك القواسم المشتركة الذي لم يسمع بها من قبل .

كما ان السيسى قد قام بتعيين حازم خيرت سفيرا جديدا لدى اسرائيل، بعد ان تم سحب السفير السابق منذ ثلاث سنوات فى نوفمبر 2012 بعد ضرب غزة.

كما انه في أعقاب زيادة النشاط الارهابى في سيناء، فان هناك زيادة فى التنسيق العسكرى والامنى بين الجيشين المصري والإسرائيلي .

***

ومن ناحية أخرى نشرت الجورزاليم بوست فى 11 اغسطس تقريرا عن الزيارة التى قام بها "وفد آخر" من الكونجرس لكل من مصر واسرائيل فى 10 اغسطس الجاري، بترتيب من مؤسسة حلفاء اسرائيل Israel Allies Foundation. وهى الزيارة التى حرصت المؤسسة على ترتيبها فى سياق التواصل مع المعارضين للاتفاق النووى. وأن الوفد قد عقد لقاءات مغلقة مع عدد من المسؤولين المصريين. ولقد أعلن الوفد بعد الزيارة بان "مصر مثل اسرائيل ترفض الاتفاق النووى مع ايران."

***

وأخيرا وليس آخرا، نقلت وكالات الانباء ان مطار القاهرة الدولى قد استقبل فى 11 اغسطس الجارى، وفدًا إسرائيليًا فى زيارة سريعة، التقى خلالها عددًا من المسئولين المصريين. 

وكان على رأسه المحامي "اسحق مولخو"، المقرب من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبير المفاوضين السابق مع الفلسطينيين. ولم يتم اطلاع وسائل الاعلام عن أى تفاصيل بشأن هذه المباحثات التى اتسمت بطابع السرية.

***

كانت هذه جولة مع بعض مما تم نشره عن يوميات العلاقات المصرية الاسرائيلية خلال شهر اغسطس الجارى فقط، وفيما يلى بعض الملاحظات :

نحن بصدد نشاط اسرائيلى مكثف ومحموم فى القاهرة. ففى خلال شهر واحد زار القاهرة ثلاثة وفود، احدهما شبه سرى برئاسة المستشار المقرب لنتنياهو، والآخرين من منظمات امريكية شديدة التطرف فى صهيونيتها ودعمها لاسرائيل، ويمكنك متابعة مواقفها من مواقعها الالكترونية.تجاهلت وسائل الاعلام الرسمية والخاصة والصحف القومية والمستقلة فى مصر، اى حديث عن طبيعة هذه المنظمات، وخلت من أى نقد لزيارتها الى مصر.ليس من المقبول ان تكون القاهرة جزءا من الحملة الاسرائيلية ضد الاتفاق النووى الايرانى. وان تمتنع عن اثارة اى اعتراض على السلاح النووى الاسرائيلى. فهذا يمثل انحيازا فجا وصادما لاسرائيل، وخروجا على السياسة الخارجية الرسمية، التى تمسكت، حتى فى ظل مبارك، بالمطالبة بشرق اوسط خالى من السلاح النووى بما فى ذلك اسرائيل.ان التراث اليهودى فى مصر، هو ِشأن مصرى خالص، ومن غير المقبول ان نسمح لأى منظمات صهيونية او غير صهيونية، بالتدخل فيه بالمناقشة او التوصية او الاقتراح او حتى بالتلميح. ففى ذلك انتهاك للسيادة الوطنية، كما انه اعتراف بالرواية الصهيونية، فيما تدعيه من ان اليهود يمثلون شعبا واحدا، وليسوا مواطنين طبيعيين فى بلاد العالم التى يعيشون فيها، وما يترتب علي ذلك من ادعاءات بحق الحماية والاشراف والمتابعة لأى شأن يهودى فى العالم من قبل منظمات الحركة الصهيونية العالمية.ان أطروحة "دفء المصريين تجاه اسرائيل" التى تحدثت عنها الصحف الاسرائيلية، هى أكذوبة صهيونية جديدة، فالموقف الشعبى المصرى لم يتغير، فهو لا يزال وسيظل يعتبرها العدو الأول. وانما الذى تغير هو الموقف الرسمى، والذى عبر عنه السيسى بوضوح فى أحد لقاءاته السياسية، حين قال "ان السلام مع اسرائيل أصبح فى وجدان كل المصريين".كما أن الادعاء بان المصريين كانوا معادين لليهود وللسامية منذ الخمسينات، هو كذبة اخرى، فاغتصاب فلسطين وذبح شعبها وطردهم واعتداءات 1956 و 1967 والمذابح اليومية للعرب التى لم تتوقف على امتداد 70 عاما، هى السبب فى العداء المصرى والعربى لاسرائيل وللصهيونية ولاتفاقيات الصلح والاستسلام والتطبيع معها.ان القاعدة التى صكتها الانظمة والحكومات والحكام المصريين منذ عام 1974، بحظر المعرفة والمعلومات والحقائق والرأى والموقف على الشعب المصرى فى كل ما يخص العلاقات المصرية الاسرائيلية، واعتبارها من الاسرار المقدسة المحتكرة من جانب السلطة، هى قاعدة فاسدة وخطيرة ويجب أن تتوقف. ولقد سبق أن أدت الى توريط مصر وتكبيلها فى اتفاقيات غير متكافئة، فرطت فى السيادة الوطنية ومصالح مصر العليا والأمن القومى المصرى والعربى.وأخيرا وليس آخرا، على كل القوى والشخصيات الوطنية، ايا كانت مرجعيتها الفكرية أو مواقفها السياسية، أن تخرج عن صمتها وسلبيتها تجاه هذا الملف، وان تنتقد هذه التوجهات والسياسات الدافئة والحميمة التى يتم نسجها الآن مع هذا الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل، وان تؤكد رفضها لاعادة انتاج كامب ديفيد فى ثوب جديد.

وسوم: العدد 629