الوزير حين يتحرش بالحجاب!

أثار قرار وزير التعليم المصري بمنع "حجاب" تلميذات المدارس الابتدائية حالة من الاستياء، بوصفه يمس أحد مظاهر الالتزام الديني في المجتمع، ويتناقض مع كون الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

وقال مثقفون وتربويون، استطلعت رابطة أدباء الشام آراءهم، إن القرار يخالف الشرع، ويضع السلطة في مواجهة المجتمع، ويؤدي إلى الدخول في نموذج العلمنة المتصادم مع الدين.

وقال الشيخ أسامة العثمان: إن من المقاصد الشرعية تربية الأبناء والبنات على طاعة الله، ومن لوازم التربية تهيئة البنات على ما يطلب منهن شرعاً بعد سن البلوغ، وتعليمهن الحجاب وآدابه وهي مسؤولية مشتركة من البيت والمدرسة.

وتؤمر البنت بالصلاة من سن السابعة وتعلم الحجاب من ذلك السن وتربى عليه ..

وعندما تبلغ مبلغ النساء ويكون ذلك من سن التاسعة فيجب على وليها أن يلزمها الحجاب وجميع شرائع الاسلام.

وإن السن التي تمضيها البنت في المرحلة الإبتدائية فيها هذين الأمرين (الأول: التدريب على الحجاب والأمر به في الصلاة والثاني : الإلزام الشرعي به حال البلوغ والذي يبدأ من سن التاسعة عند البنات )، فالواجب الشرعي المتحتم هو تعليمها وتدريبها ثم إلزامها به.

وعندما يطل علينا مثل هذه القرارات نعلم علم اليقين أن من يأمر بها يحارب دين الله وشرعه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا سمع ولا طاعة لمن يريد ويسعى ويحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

وهذا تدمير للأخلاق الإسلامية وإبعاد للناشئة عن تعاليم ديننا الحنيف وفيها إرضاء لأعداء الله من اليهود والنصارى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ).

وإننا لنرى عجباً عندما يطالب النصارى في بلاد الغرب بالفصل بين الجنسين في التعليم، ويرون نجاح التعليم في ذلك، في حين يطالب من لا علم له ولا فهم ولا دين بمثل هذه المطالبات التي لا تدل إلا على تفلت وانحدار أخلاقي.

أسأل الله تعالى أن يحفظ بنات المسلمين ويسبغ عليهن ثياب العفة والطهارة والتقوى وأن يأخذ من يريد بهن سوءاً أخذ عزيز مقتدر .

وقالت د. وفاء مسعود، أستاذ مساعد بقسم علم النفس كلية الآداب جامعة حلوان:

المسألة راجعة للأسرة، فلو غرست في طفلتها مشروعية الحجاب وأنه يقربها من الله سبحانه، ويأتي مثل هذا القرار من جهة سلطوية أكبر من سلطة الأسرة، فهذا يخلق عداء داخلي بين البنت وبين الدولة التي ترفض القيم التي ربتها عليها أسرتها.

ولو أمر الحجاب في الأسرة أمر عادي، لبسته البنت أو لم تلبسه، فمثل هذا القرار لا يؤثر عليها.

لكن الوزير أدخل نفسه وأدخل الدولة معه في منطقة شائكة، لو تمادى فيها فإن الأمر سينعكس سلباً على الحكومة، وستنشأ العداوة لها في أفئدة الصغار من حيث لا يحتسب، وسيكون الممنوع مرغوب.

وسيكرس هذا القرار للفكرة المنتشرة أن كل قرارات الحكومة تشجع على الانحراف وأنها ضد الدين.

وبذلك يصنع وزير التربية والتعليم بنية تحتية ضد الحكومة وقراراتها وليس هذا في صالح الحكومة.

إنه يصنع جواً صراعياً محتدماً، وبخاصة أن قراره يتفق مع دعوة شريف الشوباشي بخلع حجاب المرأة المصرية ولو تدريجياً.

هذا افتئات على سلطة الأزهر، فليس من سلطة وزير التعليم أن يقول هذا حلال وهذا حرام، وبذلك أوقع الوزير نفسه في صدام مع الأزهر الذي يؤيد ارتداء الحجاب بطبيعة الأمر ويفصل بين الجنسين في معاهده.

إن قراراً مثل هذا ليؤسس لصراع طويل بين الدولة ومواطنيها البسطاء في القرى والأحياء الشعبية الذين يعتقدون أن الحجاب حماية للبنت قبل أي شيء آخر.

ومن جهته يرى محمد الأمين أحمد البس، موجه لغة إنجليزية بالمعاش، أن

الغالب في مصر هو أن تصل البنت إلى مرحلة البلوغ وهي في الصف الخامس الإبتدائي أو السادس الإبتدائي، فواجب الأسرة والمدرسة حينئذ هو تدريبها من سن سبع سنوات على ارتداء الحجاب المأمورة به شرعاً عند البلوغ، فإذا ما بلغت يجب محاسبتها على عدم ارتدائه.

لكن أن تأتي المدرسة وتتساهل في أمر الحجاب أو تلزم فتياتها بخلعه فإنها بذلك تساعد على هدم القيم وتعاليم الإسلام في نفوسهن.

هذا الواجب ليس تشدداً ولا تنطعاً كما يحلو للبعض أن يرهف بما لا يعلم، وإن لم يراجع الوزير قراره الذي هو امتداد لقرارات حسين كامل بهاء الدين الوزير الأسبق الذي أفسد التعليم وأفسد المناهج، فإن التشتت الذهني والانحلال الخلقي وإزدواجية المعايير ستتفشى في هذا الجيل والأجيال التي تليه.

وأضاف البس "إنني لا أخشى من هذا القرار على الأسر المتدينة فإن في تدينها عاصم لأبنائها من الانحلال والتسيب، ولكني أخشى على الأسر التي هي على حظ قليل من التدين فإن مثل هذا القرار سيقضي على هذا الحظ وسيكرس لحياة منفلتة من الدين ومن القيم.

وأعتقد أن لتوجيهات الكنيسة وتحريضها دور في هذا القرار وغيره من القرارات التي تستهدف التدين والمتدينين".

ويرى د. حسام عقل، الأستاذ بجامعة عين شمس أن هذا القرار يحمل أولاً دلالة عنصرية ومنحى طائفياً سيزيد بالتأكيد من مساحة الاحتقان ولا يجعل مما يحدث مجرد خلاف سياسي، ولكنه محاولة ضد الهوية، وتتحرك بعكس ثوابتها ومساراتها، فالأصل بحسب العرف العالمي أن الزي حرية شخصية، ولا جدال أن السماح بالحجاب في دولة كأمريكا، وحظره في دولة كمصر، في ضوء مثل هذا القرار، يمثل ضربة مزدوجة، ضربة للحريات وفي الصدارة منها حرية الملبس والزي، وضربة للهوية التي يعد الحجاب تجلياً من تجلياتها.

أضف إلى ذلك، أن مثل هذه القرارات تمثل إثارة للضباب، وصرفاً للأنظارعن الاحتقان والفشل في الجوانب الأخرى من العملية التعليمية التي تتعلق بإمكانات المدارس، وضعف التمويل، وغيبة الاستراتيجيات والخطط والانضباط، وتدهور المناهج، والانحدار الشديد في المستوى المعيشي لشريحة المعلمين بوجه عام.

يقع ذلك بالتوازي مع الحملة الشعبية لحل الأحزاب القائمة على مرجعيات إسلامية، مثل الوسط والوطن ومصر القوية والنور والبناء والتنمية.

وإذا تحدثنا عن تأثير القرار، فإنه يأتي مزدوجاً، فعلى المدى القريب يخلق حالة من الخوف النفسي من الالتزام بتجليات الهوية وثوابتها لدى شريحة كبيرة من المعلمين والطلاب.

وعلى المدى البعيد، هو وضع للحالة المصرية على العتبة الأولى من نموذج العلمنة بالمفهوم الأتاتوركي المتصادم مع الدين.

أما الشاعرة محبوبة هارون عضو اتحاد كتاب مصر فتؤكد أن أمام الوزير مهام كبرى ومشاكل لا حصر لها خاصة في التعليم الأساسي ليس من بينها غطاء الرأس، فهذا ليس من شأنه بل يتعارض مع الدستور الذي يقر بأن دين الدولة هو الإسلام، والحجاب بطبيعة الحال من تعاليم الإسلام.

أمام الوزير مشكلة تكدس الفصول بالطلاب وما يترتب على هذا التكدس من تدني التحصيل وإرهاق المدرسين.

أمامه صحة التلميذ النفسية والجسدية، وعليه أن ييسر له وجبة غذائية سيما في المحافظات الفقيرة التي يعاني فيها التلاميذ من فقر الدم وأمراض سوء التغذية.

أمامه مشكلة نظافة المدارس وانضباط المدرسين والاهتمام بهم حتى يؤدوا رسالتهم.

وأعتقد للأسف الشديد أن المدارس وإداراتها ستتسابق لتنفيذ هذا القرار وسيتطوع البعض بتنفيذه بصورة متعسفة راجياً التقرب زلفى إلى السلطة ونيل مغانمها.

وقديماً قال المتنبي تعليقاً على أمثال هذه القرارات:

وكم بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء

ومن جهته، يرى أحمد سعد، مدرس بإحدى المدارس الخاصة أن إدارات المدارس الخاصة التي تلزم طلابها بالزي الموحد ستتكىء على هذا القرار للمغالاة في برامجها التي لا ترعوي لتعاليم الدين.

وإذا كانت نسبة لا يستهان بها من الأسر المصرية تلحق أبناءها بهذه النوعية من المدارس، فإن الخطورة تكمن هنا.

ولك أن تعلم أن الأنشطة من حمامات للسباحة، ورحلات مختلطة، وألعاب رياضية، وتعليم للموسيقى والغناء والفنون المختلفة هو مما يجذب الأسر إلى هذه المدارس، وبالتالي فخلو الأسرة ممن يوجه إلى قيمة الحجاب من جهة، مضافاً إليه استهتار المدرسة بهذه القيمة من جهة أخرى، يجعل المنتج النهائي منتجاً بعيداً عن الدين وبعيداً عن التدين.

وسوم: العدد 630