القومجيون العرب في أحضان العنصرية الفارسية
يدّعي أدعياء القومية العربية ممّن تصحّ تسميتهم بالقومجيين عبر تاريخهم أنهم يدافعون عن عروبة الأوطان وكل المنطقة العربية، وطالما تغنّوا بهذه الشعارات الرنانة والطنانة في مسيرتهم العروبية على مدار سنوات طويلة.
- المتعة القومجية بين العرب والفرس
لسنا هنا بصدد العودة لتاريخ القوميين العرب؛ ففيه الغث والسمين، ولا نحن بصدد تعداد الهزائم الكبرى التي منيت بها هذه القومية العربية منذ ظهورها، ولا يمكن أن يكفينا المقام لحصر التناقضات الكثيرة التي وقع فيها الفكر القومي العربي.
كما أن القومية العربية لم تحقق أي انتصار في كل القضايا المصيرية التي رافعت عنها، خاصة مع قضية فلسطين التي هي دائماً العنوان الأبرز في شعارات القوميين العرب عبر مسيرتهم الطويلة.
من جهة أخرى إن ارتماء القوميين العرب في أحضان قوميات أخرى ليس بالجديد، فبالرغم من أن القومية العربية تعادي الغرب إلا أن الحكام العرب الذين حكموا تحت منطق قومي كانوا من أبرز الذين رهنوا أوطانهم تحت أقدام المتربصين من الشرق والغرب.
حتى جمال عبد الناصر الذي يعدّ من أبرز حكام القومية العربية، فهو رغم شعاراته الطويلة والعميقة وغير المنتهية، إلا أنه لم يحقق أيّ انتصار يذكر؛ فالوحدة التي قادها مع دول عربية أخرى منيت بالفشل الذريع بسبب النرجسية الناصرية، أما صراعه مع الكيان العبري فبدوره تكبد هزيمة نكراء عام 1967.
القومية العربية بمفهومها السائد صنعت لنا أنظمة بعثية مستبدة وديكتاتورية، وابتليت الشعوب العربية بحكام قومجيين، أقل ما يمكن وصفهم به أنهم مارسوا الكثير من الظلم والإفساد، وتاريخ البعثيين في العراق وسوريا لا يخفى على أحد.
لا نريد أن نخوض في تفاصيل كثيرة لا يكفينا المقام لحصرها، لكن نرغب هنا في الحديث عن هذه المرحلة التي نعيش فيها مع الثورة السورية، حيث نظام الأسد البعثي الذي طالما رفع شعارات العروبة، وطالما ادعى أنه من حلف المقاومة والممانعة للكيان الصهيوني، وطالما حارب القوميات الأخرى وعلى رأسها الأكراد بزعم عروبة سوريا، إلا أن ثورة الشعب السوري كشفت وفضحت حقيقة طالما تحدث عنها كتّاب ومثقفون، نحن منهم، حول عمالة البعث السوري للقوى الإمبريالية وعلى رأسها "إسرائيل".
ثار الشعب السوري من أجل إصلاح منظومة الحكم الفاسدة والمستبدة، ولتحرير نفسه من حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم بلاده بقبضة أمنية واستخباراتية ليس لها نظير في تاريخ الأنظمة الشمولية في العالم العربي، بل على وجه الأرض في هذا العصر الحديث.
لقد اكتشف السوريون أن بلادهم هي مجرد مزرعة إيرانية، يتحكم فيها ملالي إيران الذين لديهم توجهات عنصرية فارسية تجاه العرق العربي، وعقائد شيعية متطرفة تجاه أهل السنّة جميعاً، وما دام الشعب السوري عربياً وأغلبيته سنّية فقد اجتمع البغض الفارسي والحقد الشيعي لدى نظام الحكم الإيراني، فخاض عبر وكيله بدمشق حرباً شرسة وقذرة وطائفية نجسة لم يسبقه إليها أعتى الطغاة.
هل يعقل أن نظام الأسد، الذي يصف نفسه بالعربي وأنه يحمل هوية عربية ومشروعه عربي، حينما يثور عليه الشعب السوري العربي لا يجد من يدافع عنه سوى إيران الفارسية؟
هل من المنطقي أن "حزب البعث العربي" لا يدافع عن وجوده في سوريا سوى مليشيات دينية متطرفة، يقودها معمّمون من دولة فارسية معادية للأمة العربية؟
هل من الطبيعي أن حزب بشار الأسد العلماني حينما يثور الشعب السوري ضده، لا يجد غير المعمّمين من رجال الدين في إيران وغيرها من يدافعون عن حكمه؟
هل يمكن أن يقبل العقل أن نظاماً يدّعي القومية العربية يقبل أن تتحوّل دمشق، وهي عاصمة الأمويين العرب، إلى مجرد حوزة للفرس يمارسون فيها كراهيتهم للجنس العربي والمذاهب السنّية؟
بلا أدنى شك أنه يوجد خلل كبير ما في هذه المتناقضات؛ فإما أن النظام السوري لا علاقة له بالعروبة وشعاراته كانت مزيفة وخادعة لعموم العرب، أو أن القومية العربية هي إيديولوجية فاسدة أو أنها فسدت ولا يمكن أن تصمد أمام الهوية الدينية التي تجمع بين نظام الأسد النصيري ونظام إيران الصفوي، أو أن لعبة المصالح جمعت بين هذا وذاك لأجل الحفاظ على الوجود في إطار التحالف بين الشياطين من أجل البقاء فقط.
كل هذه الاحتمالات واردة بلا شك، فالنظام السوري يستغل العروبة والمقاومة لأجل الاستمرار في الحكم تحت رعاية استخباراتية غربية عموماً وإسرائيلية بصفة أخص.
كما أن القومية العربية التي توزعت في العالم الإسلامي هي نوع من العنصرية للعرق لا يمكنها أن تواجه العنصرية للدين وهي الأقوى دائماً وأبداً.
أيضاً نجد المصالح المتبادلة بين نظام الأسد الذي يحمي وجوده بعمائم ملالي إيران، وهم يردون له الجميل حيث أن نظام حافظ الأسد وقف مع طهران الفارسية ضد بغداد العربية التي يحكمها حزب البعث في حرب السنوات الثماني بين الخميني وصدام.
ترى ما الذي جعل الأسد البعثي العربي يتحالف ضد صدام البعثي العربي أيضاً مع الخميني الشيعي الفارسي؟
هل هو صراع الزعامة في "حزب البعث"، أم أن القضية إيديولوجية أصلاً وترتبط أساساً بالتحالف بين الأسد النصيري مع الخميني الرافضي ضد صدام حسين السنّي؟
كل ما ذكرنا وارد، فحزب البعث يأكل كوادره بعضهم بعضاً بسبب هوس الزعامة لدى البعثيين، كما أن البعد الديني هو الذي أذاب جليد القومية بين دمشق وطهران وجمع بقوة بين حافظ الأسد والخميني، هو نفسه الذي تكرر بين الأسد الصغير وخامنئي.
- السقوط الحر للقومية العربية
ليس ما ذكرنا عن حال القومجيين العرب هو على المستوى الرسمي فقط، فقد تابعت أدعياء القومية العربية ممّن أفضل تسمية القومجيين العرب التي أطلقها عليهم الدكتور فيصل القاسم، ووجدتهم جميعاً يدافعون عن نظام الأسد بزعم أنه آخر قلاع العروبة والعلمانية في العالم العربي، فهل يعقل أن القومية العربية ينتهي مسارها تحت أقدام الفرس في إيران؟
هل يعقل أن إيران ستحمي العروبة وهي تسمي الخليج العربي بـ"الخليج الفارسي"؟
تناقضات أدعياء القومية العربية في هذا الجانب عميقة؛ فهم حاربوا الأكراد والأمازيغ وهم لا يعادون العرب أصلاً، ولكنهم عملوا على محوهم من الوجود، رغم أن الكرد والأمازيغ من المسلمين والأكثر أنهم يدينون بمذاهب سنّية، في حين يرتمون بكل ثقلهم بأحضان الفرس الذين يشهد التاريخ على مدى عدائهم للعرق العربي، بل أن هذا العداء العنصري يفوق العداء اليهودي للعرب.
القومية العربية التي لا تعني العرق العربي طبعاً، بل المشروع السياسي البعثي الذي صنعته العقلية العربية الحاكمة، لو لم تكن تحمل بذور فنائها ما وصل بها الحال إلى أن تنتهي آخر قلاعها تحت أقدام الفرس العنصريين. ولو لم تكن مجرد مشروع هلامي وهمي ما صار القومجيون العرب يدافعون عن طهران أكثر من دفاعهم عن القدس الشريف.
للأسف إيران تدمر دمشق العريقة وهي عاصمة عربية والأقدم في التاريخ، وتدمر اليمن الذي به أعرق العرب، وتدمر العراق الذي به عاصمة الخلافة بغداد التي بناها أبو جعفر المنصور أحد أجداد العرب، وتدمر لبنان الذي هو من بلاد الشام العربية، وتتاجر في أسواق النخاسة الدولية بفلسطين التي هي القضية الأم لكل العرب.
رغم كل ذلك يأتي القومجيون العرب ويدافعون عنها من خلال دفاعهم المستميت عن نظام الأسد الذي فتح سوريا لكل مرتزقة إيران من كل الجنسيات والأعراق ليقتلوا الشعب السوري، ويدمروا بلادهم ويهجّروا عربها ويوطنوا الفرس في أخصب المناطق وأهمها من كل النواحي الاستراتيجية.
القومجيون العرب يدّعون أنهم يدافعون عن قضيتهم الأولى فلسطين، ويعشقون إيران التي تتقاسم الأدوار مع الكيان العبري لتخريب المنطقة العربية، وتشغل الأوطان العربية بحروب وفتن داخلية، وفي الوقت الذي صارت فيه "إسرائيل" تمارس تهويد القدس الشريف على راحتها، نجد الشعوب العربية منشغلة بصراعات دموية محلية يقف خلفها ملالي إيران.
بل أن القومجيين العرب لا نسمع صوتهم تجاه إخوانهم العرب في الأحواز العربية المحتلة، حيث أن إيران العنصرية تمارس تطهيراً عرقياً؛ فهي تمنع اللغة العربية وتحرّم على العرب الأحواز حتى الزيّ التقليدي العربي، ولا يوجد أكثر عداء للقومية العربية من هذه الجرائم العنصرية الفارسية.
فضلاً عن احتلال الجزر الإماراتية، وما تقوم به من محاولات لتخريب البحرين والكويت والسعودية وما تبيّته من نيات قذرة للإمارات العربية عبر نشاطات اقتصادية ضخمة، كما نراها تنشط في المغرب العربي الكبير حتى يصير حاله إلى ما آلت إليه سوريا واليمن والعراق ولبنان.
فهل يعقل أن القومجيين العرب يصل بهم الانبطاح لهذا الحد؟
العرب لهم تاريخهم المشرف وحميتهم النبيلة، غير أن القوى الاستدمارية أرادت أن تقتل هذه النخوة بمشاريع مشبوهة مثل القومية التي يتزعمها عملاء من طراز بشار الأسد وغيره.
العرب لهم مقامهم الرفيع في التاريخ الإسلامي؛ ولذلك يجري العمل الممنهج لتدمير هذا من خلال معتقدات شيعية تريد أن تختزل الدين في آل البيت رضي الله عنهم، ومن نسل فارسي فقط، حتى تمحو بذلك تاريخ الصحابة رضي الله عنهم بتكفير أغلبيتهم والهجمة عليهم لتشويههم.
لسنا ضد العرق الفارسي ولا أي عرق آخر، ولكننا ضد العنصرية مهما كان نوعها سواء جاءت من القومجيين العرب أو ملالي إيران أو صهاينة تل أبيب، ولكن للأسف عنصرية القومجيين العرب هي التي أوصلتهم إلى أن تحولوا إلى مجرد أحذية لدى العنصريين الفرس، وهكذا يشربون من أقداح طالما سقوها لغيرهم من المواطنين الآخرين في الوطن العربي من ذوي العروق الأخرى.
إن كانت القومية هي الارتماء بأحضان العنصرية الفارسية وتحول العرب إلى مجرد عبيد لدى ملالي إيران، وإن كانت هذه القومية تعني ذبح السوريين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين والأحوازيين، فهي قومية مزيفة لا أساس لها، وسيكون مصيرها مشؤوماً أكثر من مصير بشار الأسد المرتقب بإذن الله في قلب دمشق عاصمة العرب التاريخية.
وسوم: العدد 630