الانشقاقات الداخلية، آخر ما تحتاجه جماعة الإخوان المسلمين

تمر جماعة الإخوان المسلمين حول العالم بأصعب مرحلة في تاريخها الذي كان صعبا كله . لم يحدث أن اجتمعت كلمة الشركاء المتشاكسين في الشرق والغرب والشمال والجنوب على هذا الجماعة كما يحدث في هذه الأيام ..

لم يحدث أن حُملت هذه الجماعة المسئولية الدينية والسياسية والثقافية عن الثمرات المرة لسياسات المستعمرين والمستبدين والفاسدين كما يحدث في مثل هذه الأيام ..

والأخطر من هذا وذاك لم يحدث أن فرضت التحديات الإيجابية منها والسلبية على حزب وجماعة كما تفرض اليوم على هذه الجماعة فكما كانت هذه الجماعة موضعا لآمال عراض ، على غير ادعاء منها ، باتت بعد جولات من الصراع غير المتكافئ موضع اللوم والتثريب ومحط الانتقاد والتفنيد ..

في مثل هذه الظروف الصعبة وفي مدارات ما حدث في تونس ومصر وليبية وسورية واليمن ، وتداعيات كل ذلك على العدو والخصم والمتربص والمتشكك والمحايد والصديق والآمل ؛ تضطرب الجماعة نفسها وسط بحر لجي من الأمواج لا يكاد الربان الماهر يجد من خلالها منجاة ...

وفي الوقت نفسه تلقى الجماعة نفسها ، مع الأسف ، وقد جد الجد وحصحص الحق وغدا الإغضاء على الخطوة غير المحسوبة إغضاء على دم وعرض وحاضر ومستقبل ، وسط بحر آخر من اللجاجة لا تجد عاقلا ذا رأي يُطاع فيخصمها ، ولا رشيدا ذا عزم يحسمها ؛ فتكاد هذه الجماعة تتشظى ، في أكثر من قطر ،على مفترقات الطرق قادة وعاملين فتذهب أيدي سبا ، قوى وقواعد وإذا بها تخوض معاركها الكبرى بعُشر طاقاتها وقدراتها؛ لأن ما يدعى ( نظاما مسطورا ) فيها يفتح الثغرات لمن يتصيد ، حتى كادت الدعوة إلى الصلاة الجامعة لا يكاد يستجيب إليها غير الداعي إليها...

أمر طبيعي أن يكون النجاح جامعا ، وأن يستتبع الإخفاق والفشل والعجزُ التفرقَ والتلاومَ والتدابرَ وذهابَ الريح . ولكن دائما ظل العقلاء والكبار إذا حزب أمرهم وجد جدهم وافتقدوا بدرهم يجدون في حبهم ملاذا وفي إخوتهم كفاء ووفاء ، فتناسوا أضغانهم ، وألقوا عن قلوبهم أغلالها ، وعن عقولهم أقفالها ؛ فوجدوا في الظلمات قبسا وفي المدلهمات نورا ثم جعلوا من تقوى الله عاصما فالتمسوا من نوره مخرجا (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ...))

كانت البداية من مصر ، وإخوان مصر ، الأشقاء الكبار الذين يضرب المثل في وحدتهم وتلاحمهم وتجاوزهم ، ولكنهم ، لأمر ما ، حين جد جدهم وحزب أمرهم دخلوا معركتهم الكبرى وقد خسروا من صفوفهم رجالا كان كل واحد منهم مرشحا ليستقل بالعبء وليشار إليه بالبنان ؛ فيكون هو هو .

وهذه أخبار الجماعة في أقطارها تحمل للرأي العام الإسلامي والإخواني من أنباء خلاف في ظرف إسلامي وعربي تقتضي من أبناء الأوطان جميعا – وليس من أبناء الجماعة وحدها – الانصهار والالتقاء ، فما العاصم إذا فُلّ الحبل الوثيق ، والميثاق الغليظ وأَمِر أمرُ الأمة في عين العاصفة ، ليحيط بها إعصار الشر والمكر من كل اتجاه .

ومن قطر بعد قطر تسد ستاتيكا السكون والجمود والشللية الأفق في وجه كل من يطمح أن يدفع ولو بخطوة صغيرة على طريق خلاص . حتى كان الحال كما قال الأول :

أرى تحت الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام

لقد تعود أبناء هذه الجماعة المباركة خلال ما يقرب من قرن من المعافسة على كل جبهاتها أن ينحازوا دائما إلى ( الشرعية التنظيمية أو الشكلية ) وأن يسدوا آذانهم عن دعاوى وادعاءات ( طروحات ووجهات نظر ) الخارجين عليها . كنوع من أنواع حسم لجاجات الخلاف ، وإغلاق أبواب المفاسد في وجوه أصحابها ...

ولكن وأمام عظم التبعات التاريخية ، والمسئوليات الشرعية والإنسانية الجسام، التي قد تترتب على خطوات غير محسوبة ، أو ضرب على غير سندان ، أو سياسات التفريط والتضييع ، مع كثرة التحذير منها وبالمقابل الإصرار عليها ، اتكاء على شرعية تنظيمية يتم التعسف في توظيفها ، واستخدامها ، وقد كانت الشريعة الإسلامية هي السباقة إلى إقرار قاعدة ( التعسف في استعمال الحق ) ...سيظل الحق هو الأحق أن يتبع . وحقيق بقائد لا يستطيع أن يلم حوله إخوانه ، ويجمع شعث موقفهم ؛ أن يكون هو المليم في كل ما يقع على هذه الجماعة من إفراط وتفريط ....

أهون الشرين وأخف الضررين اليوم ليس في الاختيار بين محمود وأحمد وإنما هو في التصدي لمدعوش وأدعش . ذاك الفخ المنصوب الذي لا يستأني ولا يتردد ولا يتشاغل ولا يرحم ...

لسان حال الكثير من أبناء الجماعة اليوم هو لسان حال سيدنا عثمان يكتب مسترعفا بسيدنا علي رضي الله عنهما :

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 631