لماذا يخاف نظام السيسي من البرلمان الجديد؟
تشن وسائل الاعلام المصرية المحسوبة على النظام حملة واسعة لمطالبة الناخبين بضرورة «حسن الاختيار» عندما يدلون باصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقرر ان تبدأ الشهر المقبل، تأكيدا لتصريحات بهذا المعنى ادلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسي اكثر من مرة، وحذر في احدها من «ان البرلمان المقبل من سيكون قادرا على تنحية رئيس الجمهورية».
في المقابل تناقلت وكالات انباء دولية تحليلات اعتبرت ان البرلمان المصري الجديد سيكون «تحصيل حاصل وبلا معارضة حقيقية للسيسي، وربما اقرب الى برلمان 2010» الذي شهد اكبر عمليات تزوير في تاريخ مصر الحديث، وكان بين الاسباب التي عجلت باندلاع ثورة يناير بعد شهور قليلة.
الواقع ان ثمة حسابات غير ظاهرة لكنها قادرة على تبرير القلق الحقيقي لدى نظام السيسي من دون ان تتناقض مع التوقعات بأن تنتج الانتخابات «برلمانا تحت السيطرة» الى حد واسع. وستكون هكذا نتيجة بمثابة مفارقة تاريخية بالنظر الى الصلاحيات الواسعة وغير المسبوقة التي منحها دستور 2014 لهذا المجلس على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، بالاضافة الى حقيقة ان السيسي لم يشكل حزبا سياسيا مكتفيا بنص دستوري معدل يعطيه الحق في تعيين خمسة بالمائة من اعضاء مجلس النواب، بعد ان كان مقتصرا على تعيين عشرة اعضاء منذ كتابة دستور العام 1971.
وفي ضوء التعقيدات الاستثنائية التي تصحب هذه الانتخابات، نقصر البحث في هذه المساحة المحدودة على بعض المخاوف والهواجس التي تحكم رؤية النظام في التعامل مع النظام الجديد.
اولا: «مضطر اخاك لا ديمقراطي» هو الشعار الحقيقي الذي يخوض به النظام هذه الانتخابات، بعد اكثر من تأجيل ضمن مماطلة واضحة. وتمثل اعتبارات تتعلق بالاحتياج الى استكمال الشكل الديمقراطي امام قوى دولية محددة ومؤثرة في استمرار الدعم للنظام، السبب الحقيقي وربما الوحيد في اتخاذ القرار باجراء الانتخابات اخيرا. وللاسف لم تتورع بعض الابواق الاعلامية المحسوبة على النظام عن ان تتحدث عن الانتخابات وكأنها «هبة رئاسية» وليست حقا اصيلا للشعب، قبل ان تطالب في صيغة الامر بانتخاب «من يستحقون فقط» من وجهة نظر النظام طبعا، في اعتداء فج على الحق الطبيعي للناخب في اختيار من يراه مناسبا. اما ما لا يقولونه بشكل صريح في اغلب الاحيان فهو «اياكم وانتخاب عناصر الاخوان او المعارضين للنظام مهما كانت انتماءاتهم»(..).
ثانيا: يعتبر النظام أن مجرد اجراء الانتخابات في ظل التحديات الامنية القاسية التي تعرفها البلاد سيكون «انجازا»، وهو لن يقصر في استغلاله الى ابعد مدى، باعتبار انه استوفى الاستحقاق الديمقراطي الثالث في خارطة الطريق. الا انه يريده «انجازا بلا خسائر» ، اي لا يؤثر على معطيات الهيمنة الشمولية الحالية على القرار السياسي، من دون معارضة سياسية او حتى اعلامية تذكر. ومن ابرز الامثلة التي تبرز هنا ترسانة القوانين التي اصدرها السيسي منفردا ودون تشاور يذكر حتى مع ذوي الاختصاص، ومنها القانون الاخير لمكافحة الارهاب، والتي يملك البرلمان الجديد الحق في الغائها او تعديلها خلال اسبوعين من انعقاده. وبالنظر الى العدد الكبير من تلك القوانين المثيرة للجدل التي صدرت خلال غياب البرلمان، فقد يكون من غير الممكن اصلا مجرد دراستها خلال تلك الفترة المحدودة.
إلا ان قيام البرلمان بالغاء اي منها قد يمثل ضربة مهمة للنظام، خاصة لجهة مزاعمه بأنه كان يستند الى شعبية واسعة.
ثالثا: حسب النصوص الدستورية المعدلة، فان ما يملكه البرلمان الجديد من سلطات على الحكومة يفوق كثيرا سلطة الرئيس، وبالتالي فان مجرد وجود كتلة معارضة ذات شأن، ومن غير ان تمثل الاغلبية بالضرورة، سيكون كافيا لاثارة المتاعب للنظام من جهات عدة بينها التشكيك في «اجواء السرية» التي تحيط باتخاذ القرارات الرئاسية، والمطالبة بالكشف رسميا عن طرق انفاق عشرات المليارات من المساعدات الخليجية التي حصلت عليها مصر خلال العامين الماضيين، ناهيك عن الدور المتصاعد للمؤسسة العسكرية في النشاط الاقتصادي والانمائي، وهذا غير قابل بطبيعته للرقابة من قبل المؤسسات المدنية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات او النيابة الادارية.
رابعا: اما من الناحية السياسية فان مجرد وجود برلمان سيفتح افقا جديدا للنقاش العام، وسيعمل على احياء الحياة السياسية التي سعى النظام دون هوادة الى اماتتها، وهذا يمثل مصدر ازعاج في حد ذاته. الا ان تمكن عناصر مؤيدة لجماعة «الاخوان» من الدخول الى المجلس، وهو احتمال لا يمكن استبعاده، سيكون «تذكيرا محرجا» للنظام بافتقاده الى رؤية سياسية، كما سيثير الشكوك حول جدوى «سياسته الاستئصالية» في مواجهة تيار الاسلام السياسي بشكل عام، خاصة انه سمح لاحزاب سلفية رفع بعض اعضائها رايات تنظيم «القاعدة» في ميدان التحرير بالمشاركة في الانتخابات وربما الحصول على اكبر كتلة حزبية في البرلمان كما تشير بعض التقديرات. وللحديث بقية.
رأي القدس
وسوم: العدد 632