الطريقة العملية للقضاء على الاستعمار في العالم
الأصل في لفظ الاستعمار أنه عملية بناء الأرض وإعمارها كما ورد في سورة هود ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾. إلا أنه تضليلا للمسلمين والشعوب التي احتلت من قبل دول أوروبا تم إطلاق مصطلح الاستعمار (imperialism)على احتلال بلاد المسلمين وغيرهم من قبل الأوروبيين إبان القرن التاسع عشر والعشرين. واعتبرت الشيوعية الاستعمار أعلى مرحلة من مراحل تطور المبدأ الرأسمالي. والصحيح أن الاستعمار هو طريقة للمبدأ الرأسمالي يتم بها تحقيق غايات الرأسمالية من زيادة الثروة وفتح الأسواق لبضائع الرأسماليين والسيطرة على مقدرات البلاد المالية. وقد نتج عن تطبيق المبدأ الرأسمالي في أوروبا توسع في بناء الشركات الرأسمالية العملاقة التي باتت تبحث عن أسواق لبضائعها وتمويل لمشاريعها وأيد عاملة رخيصة لآلتها الإنتاجية. وقد صحب هذا التطور نشوء أنظمة سياسية وحكومات في العالم الغربي تخضع بشكل مباشر لإرادة هذه الشركات عابرة القارات، ما جعل من الدول الغربية أداة طيعة لتحقيق غايات وأهداف هذه الشركات وزيادة ربحيتها. ما أدى إلى استعمال الدول الغربية جيوشها ومقدراتها العسكرية لاحتلال كثير من بلدان العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من أجل تحقيق مصالح الشركات الرأسمالية في بلادها. كما دخلت الدول الغربية في صراع فيما بينها أخذ أشكالا مختلفة من أجل المحافظة على مصالح شركاتها وأموالها. ومن هذه الأشكال الحروب الساخنة كالحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب الاستخبارات الخفية.
ولعل احتلال أمريكا لنيكاراغوا سنة 1908 بعد أن عجزت عن دفع فوائد الديون للبنوك الأمريكية مثل واضح على علاقة الاستعمار بحركة رأس المال. وكذلك كان احتلال فرنسا للجزائر بعد أن تأسست الشركة الملكية الإفريقية الفرنسية خصوصا بعد أن ظهرت الأطماع البريطانية في الجزائر من خلال الحملة إكسموت سنة 1816. وقد زادت أطماع المستعمرين وتماديهم بعد ظهور النفط كمصدر أساس للطاقة بأسعار زهيدة، ما جعل السيطرة على منابع النفط والغاز غاية من أهم غايات الدول الاستعمارية. وبالتالي فقد تمحور الاستعمار الأوروبي والأمريكي حول غايات رأسمالية صرفة تتمثل بالسيطرة على مصادر الطاقة، والمواد الخام اللازمة للتصنيع، والأيدي العاملة الرخيصة، والأسواق. وقد اشتدت حركة الاستعمار العالمي خصوصا بعد الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت قوة الدول الأوروبية المنتصرة خاصة بريطانيا وفرنسا دون منافسة تذكر من أي طرف آخر. إلا أن الحرب العالمية الثانية مكنت أمريكا والاتحاد السوفياتي من السيطرة على الموقف الدولي وبالتالي عملتا على تصفية الاستعمار الإنجلو فرنسي واستبدلتا به آخر أمريكياً وروسياً. فنشطت كلتا الدولتين بتمويل وتأييد حركات التحرر من الاستعمار الإنجليزي والفرنسي مقابل ارتماء الدول المحررة بأحضان العملاقين الجديدين. وقد شهدت أفريقيا والشرق الأوسط حركات كثيرة في هذا الاتجاه من خلال ثورات وانقلابات متتالية وحركات مسلحة. وقد تبنى الاتحاد السوفياتي سابقا دعم حركات التحرر متذرعا بالتصدي للمبدأ الرأسمالي ونشر الاشتراكية. أما أمريكا فقد استعملت أساليب مختلفة في غاياتها الاستعمارية منها العسكرية ومنها الاستخباراتية ومنها القروض الربوية القاتلة. وأوجدت آليات استعمارية شرسة يكاد يكون التخلص منها أشبه بالمعجزة وذلك من خلال ترسانة نووية مدمرة وعسكرة للفضاء وإنشاء أجهزة ومحطات استخبارات وتنظيم عملاء في مختلف مناطق العالم، وإيجاد البنك الدولي وصندوق النقد أداتين خطيرتين لإخضاع الدول وإيجاد مبرر للتدخل في شؤونها، واستعمال عملتها الدولار أداة للتأثير في السياسات المالية العالمية.
وفي الوقت الذي كان التحرر من الاستعمار والانعتاق منه مطلبا شعبيا وتتغنى به الحركات والأحزاب وقادة الجماهير، باعتباره أمرا ميسورا وإن لزمه تضحيات، فقد أصبح الآن وبعد التغول الأمريكي وزوال الاتحاد السوفياتي يتم الترويج بأن التفكير في التمرد على الاستعمار والهيمنة الأمريكية حلما غير قابل للتحقيق. ويشترك في ترويج هذه النظرة حكام البلاد المستعمَرة من عملاء وتابعين، ومؤسسات إعلامية تم بناؤها على عين وبصيرة، وأجراء رخيصين، ومعاهد دراسات محلية وعالمية. حتى غدا مجرد التفكير بالخروج من التبعية الأمريكية أشبه بالانتحار. وهكذا تمت مصادرة ثورات الربيع العربي باعتبار أن قيام أي نظام لا ترضى عنه أمريكا سيكون مصيره الفشل والدمار. وكذلك جرى سحب كثير من فصائل الثورة في سوريا إلى معسكر التحالف الأمريكي الذي تديره من خلال السعودية وتركيا. وثالثة الأثافي ما تعمل له أمريكا الآن من ضرب التوجه نحو الإسلام من خلال تجييشها الجيوش للقضاء على تنظيم الدولة الذي أعلن خلافته الموهومة، لتقول للمسلمين أن الخلاص من أمريكا مستحيل حتى ولو على يد خلافة إسلامية!!
صحيح أن ترسانة الاستعمار الحديث محكمة البناء. وصحيح أن أمريكا ومعها أوروبا قد أنشأوا خطوط دفاع قوية صعبة الاختراق للحيلولة بين العالم عامة والمسلمين خاصة من الانعتاق من قبضتهم. وصحيح أنهم أوجدوا جيوشا من العملاء والأجراء الرخيصين. وصحيح أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين، والروس وعملاءهم من العرب والمسلمين مجمعون على حرب الإسلام والحيلولة دون ظهور دولة الخلافة الحقة (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة). ولكن هناك حقائق أخرى لا بد من ذكرها والتأكيد عليها والدعوة لها بشكل قوي ومباشر.
أولها: أن الحاكم بأمر العالم والبشر إنما هو الله تعالى وليست أمريكا ولا شياطينها. وثانيها: أن الإسلام مبدأ أصيل له فكرة راقية وينبثق منه نظام عادل يقنع العقل ويوافق الفطرة. وأن هذا الإسلام يؤمن به قرابة ملياري مسلم إيمانا مطلقا لا تنفذ إليه أمريكا ببنوكها وطائراتها وصواريخها وعملائها. ثالثها: أن فكرة الإسلام النقية الطاهرة المؤثرة قد تجسدت في كتلة واعية تحملها كما تحمل قلبها وعقلها ودمها. ورابعها: أن الأمة الإسلامية بدأت تستعيد الثقة بدينها وبنصر ربها لها. وخامسها: أن الفكر لا يهزم إلا في ميدان الفكر، وأن القوة العسكرية لا تهزم فكرا ولا مبدأ، فما دامت أمريكا اختارت الآلة العسكرية لتواجه فكرة الإسلام فقد خسرت قطعا. ولا يضر أنها أوجدت عدوا عسكريا وهميا يحمل رشاشا لتقتله وتهزمه. فهي بهذا قد ضللت نفسها وضللت أتباعها لأن من يحمل السلاح قبل أن يملك آلته ومصنعه ليس هو العدو الحقيقي. فالعدو الحقيقي هو صاحب الفكر الذي يصر على بناء دولته وتشييد نهضته وصناعة سلاحه اللائق به قبل أن يخوض أي معركة. وأمريكا تعمل على حرف الصراع ونزعه إلى ميدانها الذي تحسن القتال فيه. وسادسها: وأهمها أن الله عز وجل قد وعد ووعده الحق بالاستخلاف والتمكين والأمن مقابل إقامة دين الله مطلقا من غير شرك ولا تجزئة.
والاستخلاف والتمكين والأمن لفئة تؤمن بالله وتعبده ولا تشرك به شيئا لا في الحكم ولا غيره كفيل أن يضع نهاية للاستعمار الأثيم، وهيمنة الشرك والكفر، واستعباد الشعوب من دون الله، وإعادة الحقوق والأمانات لأهلها وأولها الحكم وثروات الشعوب. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: 641