العناصر الإجرامية التي روعت باريس لا صلة لها بالإسلام وتتحمل مسؤوليتها الدول الغربية
إن المتتبع لما تبثه وسائل الإعلام الفرنسية والغربية عن العناصر الإجرامية التي روعت العاصمة الفرنسية يلاحظ أن هذه العناصر حسب الوصف الإعلامي الغربي تحمل الجنسية الغربية وإن كانت من أصول عربية إسلامية ، وقد ولدت وترعرعت وتربت في بلاد الغرب ، وأن تربيتها كانت منحرفة في الحانات والمقاهي حيث توجد المسكرات والمخدرات ،بل منها من صرح بامتلاكه لحانات أو مقاه تسوق المسكرات والمخدرات ، وأن لها سوابق جنائية حيث كانت تتردد على مراكز الشرطة والمحاكم والسجون . فبهذه المواصفات لا يمكن أن نجد أدنى صلة لهؤلاء بالإسلام ومع ذلك يأبى الذين يضمرون الحقد والشر والسوء للإسلام إلا نسبتهم له زورا وكذبا لأنهم يقدمون هذا الدين لرعاياهم في صورة بشعة قوامها الإرهاب والإجرام والقتل وسفك الدماء . وإذا كانت هذه العناصر تعلن انتماءها للإسلام أو تصرح بأنها ترتكب جرائمها باسمه ، فإن ذلك لا يكفي دليلا وحجة على انتمائها الإسلامي لأن ظروف تربيتها ونشأتها لا تمت بصلة له ، ولأنها لا تعرف عن الإسلام سوى الصورة المشوهة التي تقدمها عنه وسائل الإعلام الغربية التي تجتر ما يقدمه الإعلام الصهيوني عن الإسلام والمسلمين بسبب ما يواجهه من مقاومة ضد احتلال الصهاينة لفلسطين . فإذا كانت الصورة المقدمة عن الإسلام في الإعلام الغربي هي صورة الدين الدموي فإن العناصر الإجرامية حين تريد ارتكاب جرائمها تجد ضالتها في هذه الصورة المشوهة للإسلام الذي يقدم كما تقدم العصابات الإجرامية مثل المافيا على سبيل المثال أو غيرها من العصابات التي تصورها لنا السينما الغربية في أفلام تعكس بشاعة الإجرام . ومما يزيد في انحراف العناصر الإجرامية أنها وبعد حياة الحانات والعربدة والسكر يحتضنها أصحاب الدعوات الضالة المضلة المحسوبة على الإسلام والمبثوثين في الدول الغربية والذين استغلوا الفراغ الموجود في الحقل الديني فنصبوا أنفسهم أوصياء على شباب ضائع يلتقطونه من بؤر الانحراف ليصنعوا منه مشاريع عناصر تكفيرية ناقمة وذلك بتلقينها الانحراف عن الإسلام الصحيح من خلال تحريف المفاهيم الإسلامية . وعن طريق هذا التحريف تلقت العناصر التي تربت تربية منحرفة مفهوم الجهاد المغلوط وصادف هوى في نفوسها وهي أصلا متعطشة للعدوان بسبب طبيعة تربيتها فانساقت نحو الإجرام الدموي . ويستغل بعض الأوصياء على الإسلام في الدول الغربية من الجهلة والانتهازيين الذين يمموا صوب أوروبا طلبا للرزق لكنهم تقنعوا بأقنعة التدين المغشوش شعور الشباب المنحدر من دول عربية إسلامية بعقدة الذنب والشعور بالدونية والتهميش بسبب الحياة المنحرفة التي فرضتها عليهم ظروف الاغتراب حيث وجدوا أنفسهم مولودين في أحياء معزولة عن الأحياء الأوروبية التي نزل بها الجيل الأول من آبائهم الذين اضطروا للهجرة إلى أوروبا طلبا للرزق عقب جلاء المحتل عن أوطانهم وقد خرب اقتصادها وأشاع فيها الفاقة والفقر . وبسبب هذه النشأة البائسة نشأت في نفوس الأجيال التي تلت الجيل الأول من المغتربين عقدة الشعور بالدونية والتهميش والاحتقار والمعاناة من السلوكات العنصرية المقيتة التي تطاردهم حيثما وجدوا ، ذلك أن المؤسسات التربوية التي تحتضنهم تختلف عن المؤسسات التي يرتادها أبناء الأوروبيين ، ولا تتاح لهم ظروف العيش التي تتاح لأبناء الأوروبيين، فيجدون أنفسهم ضحايا حياة التشرد والانحراف والضياع بين الحانات والمقاهي وأماكن القمار والماخورات ... وبعد أن يستحكم انحرافهم وضياعهم تتلقفهم العناصر الانتهازية المحسوبة على الإسلام بتدين مغشوش خصوصا مع سكوت الدول الأوروبية عن شيوع الفوضى في مجال التدين حيث توجد بها جميع الطوائف المحسوبة على الإسلام، الشيء الذي يخلق اضطرابا في تدين الجاليات المقيمة فيها . فقد يهاجر المواطن العربي المسلم من بلده الأصلي بالتدين الغالب فيه لكنه يجد نفسه أما تدين بلدان أخرى من حيث العقيدة والمذهب، فيقع له خلط كبير في تدينه ، الشيء الذي يخلق له شكا في التدين الذي نشأ وتربى عليه ، وقد يعادي تدين وطنه الأصلي بعد فقدان الثقة فيه بسبب ما يزرعه فيه دعاة السوء من شكوك . وبسبب فوضى التدين العارمة والمقصودة في البلاد الأوروبية نشأت الطائفية المقيتة ، واستفحل أمر التعصب للمذاهب ، ونشأ الفكر التكفيري الذي وجدت فيه العناصر المنحرفة ضالتها . ولم تفكر فرنسا في منع الأوصياء على الإسلام في بلادها من الذين يرتزقون به عن جهالة وضلال إلا بعد أن اكتوت بنار الإرهاب . ولو أنها رتبت من قبل أمور التدين مع دول الرعايا الأجانب المقيمين عندها لما وجد الفكر التكفيري سبيلا إلى الناشئة الإسلامية خصوصا تلك التي مرت بتجارب التهميش والانحراف بسبب ظروف الحياة في مجتمع علماني لا يبالي بالقيم الأخلاقية . وكان من المفروض ألا تترك الدول الغربية مجال تدين الجاليات المسلمة في حكم السائب ، وذلك من خلال عقد اتفاقيات مع دول الجاليات لضبط المجال الديني ، ولصيانة تدين هذه الجاليات من خلال ربطها بأصولها ، والتمكين لدعاة وخطباء وأئمة تكلفهم دول الجاليات لقطع الطريق على تدين السوق السوداء ، وهو تدين مشبوه يشكك أبناء الجالية في تدين أوطانهم ويصفه بالانحراف ويربيهم على احتقاره والسخرية منه والحكم عليه بالضلال وتكفيره . وتجد ناشئة الجالية المسلمة في الغرب لذة في الفكر التكفيري بحكم عقدة النقمة على أوضاعها المعيشية وعلى أوضاع بلدانها الأصلية حين تزورها بين الحين والآخر ولا تجد فيها بديلا عما تعانيه في الغربة من ضياع .وقد ترسل البلدان العربية الإسلامية في بعض المناسبات الدينية كشهر رمضان بعض الدعاة من أجل تجديد صلة الجاليات بدينها إلا أن تشويش أوصياء تدين التهريب ، وكذا انشغال بعض الدعاة بجمع الأموال يجعل ناشئة الجاليات والجاليات نفسها تنفر منهم ولا تجد في خطابهم الديني ما يشفي غليلها فتميل إلى الفكر التكفيري المتاح في أماكن التدين المشبوهة ، وهو ما يخدم هذا الفكر التكفيري ويضفي عليه الشرعية بالنسبة لها .وإذا كانت الدول الغربية جادة في استئصال الفكر التكفيري والإرهابي فعليها أولا أن توقف الحروب الطائفية في البلاد العربية الإسلامية خصوصا في سوريا والعراق حيث استنبت الإرهاب مخابراتيا من أجل التمويه على صراع الدول الكبرى على الثروة البترولية التي صارت في حكم السائبة بعد فضيحة غزو العراق . وليس من المعقول أن تصير سوريا والعراق ساحة صراع مسلح بين هذه الدول الكبرى التي يدعم بعضها الحكم الطائفي في سوريا والعراق بينما يدعم البعض الآخر من يعارضهما ، وتسوق الأسلحة للمتناحرين ويدفع الشعبان السوري والعراقي الثمن باهظا ، وتنطلق منهما موجات الهجرة نحو القارة العجوز التي تعاني بدورها من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تزيد من تأزمها هذه الهجرة التي تسببها الطائفية المقيتة التي تجد الدعم الكامل من القوى العظمى التي لا يهمها سوى الحصول على ثروة البترول . وعلى الدول الغربية أن تغير سياسة الميز العنصري والتهميش التي تمارس ضد الجاليات المسلمة، كما أنه عليها أن تراجع مواقفها من العدوان الصهيوني وممارساته الإجرامية في فلسطين ،الشيء الذي يجرح كرامة الأمة العربية الإسلامية ومشاعرها الدينية ، ويشجع على الفكر التكفيري الانتقامي ويمكن لدعاته ضالين مضلين يصنعون مجرمين يصبون جام غضبهم على أبرياء بذريعة الرد على العدوان الصهيوني وعلى الأنظمة الغربية الداعمة له . وعلى الدول الغربية التنسيق الكامل مع الدول العربية الإسلامية في مجال ضبط الممارسة الدينية وذلك باعتماد سهر المؤسسات الدينية الرسمية المانعة للمرتزقين بالدين والمحتكرين له والمنصبين أنفسهم أوصياء عليه بسبب غياب الرقابة التي سهلت الفوضى الدينية في بلادها ، وشجعت على تنامي الفكر المتطرف خصوصا التكفيري المسؤول عن الإرهاب . فهل ستفكر الدول الغربية بجد في استئصال هذا الفكر بمواقف أم أنها ستمضي في اللهث وراء مصالحها الاقتصادية وتعرض بذلك أراضيها ورعاياها لخطر الإرهاب الذي تعد مسؤولة عنه بطرق أو بأخرى مسؤولية لا يمكنها التملص منها ؟؟؟ وهل ستتوقف الدول الغربية عن دعم أنظمة عربية شمولية تصب الزيت على نار التطرف والإرهاب باستبدادها ؟؟؟
وسوم: العدد 643