«ضرب القفا» بين علم النفس والأنثروبولوجيا!
في البدء، ولمن يظنون أن «الأنثروبولوجيا»، اسم لدواء جديد، أو وصفة لمكافحة الجراد، نحيطهم علماً، أنه العلم الذي يهتم بدراسة الإنسان، وهو أخو علم الاجتماع في الرضاعة، وبعد تحول الاعتداء على «أقفية» الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي إلى ظاهرة، رأيت من المناسب أن نناقش هذه الظاهرة من منظور علم «الانثربولوجيا»، خلافاً لما يراه البعض بأنها من الظواهر السياسية المستحدثة، يمكن أن تشكل فتحاً جديداً، في مجال العلوم السياسية!
في الريف المصري، يصفون «القفا» الذي تعرض للاعتداء المتكرر، بأنه تحول لـ «مطلع»، ولا أعرف معنى لهذه التسمية، لا سيما وأن «المطلع» هو المكان المرتفع في الشارع، التي تبذل «العربة الكارو»، جهداً مضاعفاً من أجل صعوده، وبشكل يمكن أن يؤدي إلى تأذي وجدان جمعيات الرفق بالحيوان، إن شاهدت ما يجر هذه العربة، وسواء كان حماراً، أو حصاناً، يبذل جهداً عظيما من أجل صعوده، بينما «الكرباج» يلهب ظهره!
وبعيداً عن محاولة التوصل للربط بين «المطلع» و»القفا» المتحول إلى «مطلع» من كثرة الضرب، فقد بات من الملاحظ أن «قفا» عدد من الإعلاميين الذين يصطحبهم السيسي في جولاته الخارجية، تحول إلى «مطلع»، وكان أخرهم الإعلامي «أحمد موسى» مقدم برنامج «على مسؤوليتي» في قناة «صدى البلد» في باريس، ولا أعرف عدد المرات التي تعرض فيها لذلك، كما لا أعرف من الأكثر تضحية من أجل مصر: «أحمد موسى»، أم مذيع قناة «أون تي في» يوسف الحسيني. ومعرفة من أكثرهم تضحية بقفاه؟ مهم في تقييم الولاء وللتفضيل بين صاحب «صدى البلد»، رجل الأعمال «محمد أبو العينين»، أم صاحب «أون تي في»، رجل الأعمال أيضاً «نجيب ساويرس»؟! ومن الواضح أن هناك حرصاً على هذه التضحية، فعلى الرغم من أن الضرب على «القفا»، صار يحدث مع القوم في كل زيارة خارجية لقائد الإنقلاب، إلا أن التنافس على مصاحبته في رحلاته إلى بلاد الفرنجة لم يتوقف، كما لو كان الأمر تحول بالنسبة للمضرُبين إلى إدمان، وربما مرده إلى زيادة جرعة الوطنية عن المنسوب الطبيعي، فمن أجل مصر كل شيء يهون، وهي مرحلة جديدة في العطاء الوطني، أي «البذل بالقفا»، فقد ذهب أهل الدثور بالأجور، وتبرعوا بأموالهم لصندوق «تحيا مصر»، ولا يملك الإعلامي المخلص، والمحب لوطنه، سوى «قفاه» يجود به إن ضن العطاء.
الجوقة أو الكورال
«عمرو أديب» يصبح حكيماً أحياناً، لا سيما إذا كان عن اليمين وعن الشمال قعيد، وهو رجل يحب من يتفرج عليه في الأستوديو، ففي كل مرحلة يكون له «سنيد»، أو بالأحرى مشاهد، والآن مع تقدم العمر، صار يمتلك اثنين وليس واحداً، من «الجوفة» بحسب تعبير جماعات الإنشاد الديني، أو «الكورال» بحسب أهل الموسيقى!
تجلس بجانب عمرو أديب هذه الأيام، واحدة نسيت اسمها، وبالبحث عبر «غوغل» عن اسمها، ظهر لي عنوان لمذيعة «الجزيرة» غادة عويس، تصفه بأنه مهرج وأقرع، ولم يكن لدي وقت للاطلاع على المتن، فربما كان ما قالته «عويس» لا يعبر عنه العنوان، وهو أمر يحدث كثيراً، فظني أنها لا يمكن أن تنزل لتعايره بالصلع، وبإمكانه الآن أن يسافر إلى تركيا فهناك يوجد متخصصون في زراعة الشعر، وهو أسهل من عملية ختان طفل لدى جراح ماهر، وإن كان سفره لإسطنبول، في ظل صيحات: «اضرب يا بوتين»، سيستخدم لاتهامه بالخيانة العظمي.
الجليس الثاني للمذكور، هو «ضياء رشوان»، واللافت أن كل البلاء الإعلامي الذي نشاهده تخرج من هذا «الجوار»، فأحمد موسى كان سنيداً له، وكذلك «خالد أبو بكر»، ومن هناك ينطلق السنيد، ويصبح مقدم برنامج «من بابه». الوحيد الذي لم تهن عليه العشرة هو «رشوان»، فيقدم برامج بمفرده، ولا يتوقف عن أن يكون ضيفاً، على البرامج الأخرى، و»سنيدل» في الوقت نفسه لعمر أديب. توقف فترة بعد أن شعر الصحافيون بالحرج لأن يكون نقيبهم يقوم بهذا الدور، فتوقف ثم عاد عقب سقوطه في الانتخابات على مقعد النقيب لدورة ثانية، وفاز «يحيى قلاش».
وهو «حكيم» أبدى «عمرو أديب» استنكاره للحرص على أن يصطحب (الرئيس) في كل سفرياته للخارج عدداً من الإعلاميين، يصطادهم الإخوان ويعتدون عليهم للتغطية على ما يقوم به (الرئيس)، ويصبح الموضوع هو «القفا»!
الحالة النفسية للسيسي
«عمرو»، وهو «حكيم» قال إنه سافر من قبل مع (الرئيس)، لكن هذا كان من أجل تأكيد شرعيته خارجياً، لكن الآن ما الحاجة لمن يصطحبهم؟ والعالم كله يعترف به؟ وأكد أن الوفد يسافر في طائرة غير طائرة الرئاسة، وألمح إلى أن هناك من يتحمل نفقات هذا الوفد، الذي يصفع أحد أفراده في كل مرة على «قفاه»، فتغطي الصفعة على أخبار الزيارة، وانجازات (الرئيس).
بعيداً عن كلام «عمرو أديب»، فالمرء يدهش لأن رجل أعمال هبط على المشهد الإعلامي والسياسي بـ «الباراشوت»، أطلق عدداً من القنوات الفضائية دفعة واحدة، ويصدر صحيفة، واشترى فضائية لكي يغلقها خدمة للسلطة، لوقف برنامج «معتز مطر» عليها، ويتحمل في كل سفريات السيسي للخارج نفقات نقل «الكورال» بواسطة طائرة خاصة، وعندما سألنا عن استثماراته الاقتصادية لم نعلم سوى أنه عمل خمسة عشر عاماً في دولة خليجية، لا نعتقد أنه كان يعمل فيها أميراً لتكون معه كل هذه الثروة؟ وتنظيم بحجم الإخوان المسلمين فشل في الإنفاق على فضائية يتيمة ومريضة فأغلقها!
ما علينا، فقبل العودة إلى علم «الأنثروبولوجيا»، في تحليل ظاهرة الضرب على القفا، سنعرج لعلم النفس، لكي أنبئ «عمرو أديب» بما لم يحط به خُبرا، في فهم سلوك الاصطحاب الذي يعتمده عبد الفتاح السيسي، وقد بدا أديب في دهشة لأنه الوحيد من الرؤساء والملوك والأمراء الذي شارك في قمة المناخ وأصطحب وفدا إعلامياً معه.
فالمسألة مبعثها الحالة النفسية، فالسيسي ورغم أن انقلابه كان قراراً غربياً، وساعدت فيه بعض الدوائر الإقليمية، إلا أنه تحكمه عقدة من سرق شيئاً وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لص، وأن حيازته للمسروق ليست أبداً سند الملكية، فالرئيس الشرعي وإن كان مختطفاً ولا تعترف بشرعيته الآن الحكومات، إلا أنه هو الرئيس!
والسيسي يريد من يذكره بأنه رئيس مصر، ولهذا تكون عملية الاصطحاب، ويبدو أنه توقف عن اصطحاب الفنانين، بعد فضيحة ألمانيا، لكنه يحتاج إلى من يحتشدون حوله ليشعرونه بالوضع الجديد، وينادونه يا ريس، ولو كان «الريس متقال» المطرب الشعبي الشهير، ومطربي المفضل.
يبدو «عمرو أديب» طيب القلب أحياناً، فهو يرى أن الإخوان في كل مرة يشغلون الرأي العام بموضوع «القفا»، فتجري التغطية به على انجازات الرئيس الخارجية، ولو فكر لعلم أن البذل بالقفا أكبر تأكيد على وطنية الباذل، لأنه لو لم ينشغل الناس بقفا أحمد موسى، فسوف يركزون في السيسي، الذي يعد حضوره في المحافل السياسية باهتاً ومسيئاً، وفي الصورة التذكارية للقادة الذين حضروا قمة المناخ، كان العثور عليه في المؤخرة، وكان واقفاً على أطراف أصابعه ليعوض قصر القامة، مما يؤكد على قوة الإبصار، ويمكن أن تستخدم الصورة في عيادات أطباء العيون، بدلاً من الإشارات العقيمة التي يختبرون بها قوة البصر وضعفه، فيكفي أن يطلب الطبيب من المريض أن يُخرج السيسي من بين الواقفين، ليتأكد إن كان نظره «ستة على ستة» أم «ستة على عكاز»!
وبالعكس، فقد كان البذل بالقفا في حالة باريس، مما أفاد عبد الفتاح السيسي وهو ينقل عنه تعامله مع هذا «القفا» على أنه جزء من الأمن القومي المصري، وإذا كان ضعفه الخارجي صار محرجاً لأنصاره، وكان أبرز مثال على ذلك هو تطاول الجانب الأثيوبي عليه في موضوع سد النهضة، فقد كان «قفا موسى» فضاء فسيحاً، ليقدم نفسه لجماهيره على أنه الرئيس القوي، وقد نشر أنه قام بتوبيخ وزير الداخلية الفرنسي لعدم قدرته على ضبط الأمن في بلاده، وأي تقصير أفدح من عدم قدرة فرنسا على الحفاظ على قفا أحد الأشخاص المصاحبين للسيسي؟ وكانت مناسبة للتأكيد على وفائه لرجاله فيكفي ما نشر من أنه اهتم بالأمر إلى أن تم إلقاء القبض على الجناة؟!
«تنظيم سامحك الله يا أخي»
تخلت الحكمة عن «عمرو أديب» وهو يلصق «ضرب القفا» بالإخوان، فقد كذب الانقلابيون حتى صدقوا أنفسهم، وهم يحصرون خصوم الإنقلاب ورفض حكم العسكر والإطاحة بالرئيس المنتخب، في الإخوان، مع أن معسكر الرافضين أوسع من ذلك، ويضم غير متدينين، وغير إسلاميين، بل وغير مسلمين، لكن ثقافة المخبر القديم، هي التي تحكم، وهي التي جعلت جهات التحقيق توجه الإتهام للباحث «إسماعيل الاسكندراني» بالانضمام لجماعة محظورة، وهو الخصم السياسي للإخوان، ولا ضير، ففي حكم العسكر وفي زمن الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر تم القبض على المسيحية «نبيلة الأسيوطي» على أنها من الإخوان المسلمين.
وعندما تجد من يهتفون في مواجهة السيسي في الخارج، حسبنا الله ونعم الوكيل، فاعلم أنه من الإخوان، تنظيم سامحك الله يا أخي، إنما من نشاهدهم ومن ألمانيا إلى باريس ليسوا من الإخوان.
بعيداً عن علم النفس، والذي لم تكن لي فيه في يوم الأيام «كرامات»، فإن علم «الأنثروبولوجيا»، يجيب على سؤال: لماذا القفا؟!
في المجتمعات التقليدية، فإن ضرب القفا يمثل قمة الإهابة، وفي الصعيد فإن هناك تصرفات من الغير رد الفعل عليها هو القتل، وهي ضرب القفا والاعتداء بالحذاء!
وأخيراً، فقد كنت حريصاً منذ البداية، على عدم الاحتفاء بظاهرة ضرب القفا، ولو بشطر كلمة، ولكني الآن أقوم ببحثها أكاديمياً من منظور علم الأنثروبولوجيا تخصصي الدقيق كما تعلمون، وتشاركني في هذا التخصص مذيعة الجزيرة السابقة «جمانة نمور»!
يقولون إن «جمانة» التحقت بالقناة التركية العربية «تي آر تي».. مبروك!
وسوم: العدد 645