ألم يحن الوقت لوقف شلال الدم السوري ؟
من سوريا إلى الرياض إلى جنيف وباريس وفيينا ونيويورك… و إلى عواصم التفاوض الماراثونية، التي تزداد بورصة ترشيحها وترشحها يومياً… مازال العالم يقف متفرجاً أمام تراجيديا ومأساة الشعب السوري الذي يذبح ليل نهار .
ويبدو أن الهدف من عقد المؤتمرات، ومن كل ما يجري هو تحقيق رغبة بوتين؛ المتمثلة بتنسيق المواقف لغاية نهائية تتلخص: بتشكيل وفد موحد للتفاوض مع النظام “المجرم” ، وتحت رعاية القيصر بوتين الذي يريد فرض تشكيل حكومة وطنية مناصفة بين المعارضة وأركان النظام القائم ؛ وحدد أنه لا مكان لحكومة انتقالية يقرر فيها الشعب السوري طموحاته ومصيره، كما اشترط أن يبقى الجيش والأمن بيد زبانية نظام بشار وطائفته، مع التلميح على استحياء إلى إمكانية مغادرة الأسد من السلطة .
الواضح من كل ذلك أن ولي الفقيه وإدارة أوباما ، ومن لف لفيفهم ، قد سلموا الراية المخضبة بدماء الشعب السوري إلى موسكو، طوعاً لحل الأزمة السورية..
فإلى أين تتجه الأزمة سورية وفق ما تم طرحه من معطيات ، وهل ثمة بوادر لانفراجات سياسية تزيح هذا النظام ؟ بالمقابل عن أي تسوية تبحث روسيا وإيران في سوريه ؟ وما الهدف من الحديث عن مبادرات ومؤتمرات بينما موسكو وطهران لا تتركان فرصة إلا وتعمد من خلالها إلى التصعيد المدمر؟ فهل معنى هذه التسويات أن تطرح المبادرات السياسية من جهة ، ويمارس التصعيد والانتقام والكيد السياسي وغير السياسي من جهة أخرى ، وهنا ينبغي التنبه إلى الخطة الشيطانية الروسية – الإيرانية في التعاطي مع الملف السوري عبر التصعيد الدموي من جهة ، وإيهام الرأي العام بالتهدئة وطرح مبادرات سياسية ، والتغاضي الدولي عن هذه الاستراتيجية المخيفة ؟
فأبسط متطلبات ومقدمات التسوية في سوريه أن توقف روسيا ومن وراءها؛ خصوصاً إيران ومليشياتها “المجازر والذبح وبث الدمار ” في الساحة السورية التي تحولت إلى ميدان اختبار لأسلحة روسيا الفتاكة التي تحرق الإنسان والحجر والشجر ، بينما تعهدت بعض الحكومات العربية – وللأسف الشديد – بأن تبقى تابعة ، وتدور في فلك التعليمات الروسية دون نقاش ، وهذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات المهمة ؛ ومن أبرزها : لماذا تقوم هذه الدول بالتأمر على أبناء جلدتها ، ولماذا تقوم بهذا الدورالمريب اليوم ، وبهذا التوقيت ولمصلحة من؟ .
لا شك بأن مؤتمر الریاض الذي احتضن مختلف أطياف المعارضة السورية قد شکّل حلقة جدیدة فی مسار طویل ومتشعب قادته بعض الحكومات الداعمة للشعب السوري وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، منذ أکثر من أربع سنوات بهدف تکوین معارضة سیاسیة موحدة ، بحيث يُوكل لها مهمة التفاوض لتشكيل حكومة انتقالية وطنية مستقلة تماماً عن النظام المجرم وأدواته ، و التي أرادت جعل سوریه مستعمرة تابعة لروسيا وإيران ومن لف لفيفها ، ودولة فاقدة للسیادة والاستقلال الداخلي والخارجي.
جاء مؤتمر الرياض في الحقيقة للبناء على نتائج اجتماعات ومقررات جنيف 1 وجنيف 2 ، خصوصًا ضرورة العودة إلى الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه ، وأهمية سد الطريق أمام القوى الطامحة -لاسيما روسيا وإيران -للتحكم في مستقبل سوريا ومقدرات شعبها .
فلقاء الرياض أكد بما لايدع مجالاً للشك جاهزية أطراف المعارضة السورية للحل، وعن وجود رؤية موحدة تجاه العديد من القضايا والمسائل ومن أبرزها : خروج الأسد ونظامه الدموي من العملية السياسية برمتها ، وإنهاء العدوان الروسي الإيراني ومن لف لفيفهم، مع ضرورة الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب السوري، وثوابت الدين الإسلامي الحنيف.
وبالمناسبة يعتبر لقاء الرياض المرة الأولى، التي يُشارك بها ممثلون عن فصائل مسلحة في اجتماع موسع للمعارضة، وأبرزها «جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام الإسلامية»؛ ما أثار حنق موسكو وطهران .
لاشك بأن روسيا تخطط ومن خلال إملاءاتها وشروطها السياسية التي فرضتها على بعض أطراف المعارضة الغير ممثلة فعلاً على الأرض ، لإبراز قوتها في الاجتماع القادم بشأن سوريا ، وفرض شروطها التي تتمحور غالبا حول احتمالية تنحية الأسد في المرحلة الانتقالية ، دون الإشارة إلى قضية حتى الوجود الروسي والإيراني الداعم لبقاء الأسد ونظامه ، وليس محاربة تنظيم داعش الشريك الرسمي للأطراف السابقة لارتكاب المجازر بحق الشعب السوري ؛ ما يعني أن موسكو وطهران تريد أن تقول بأن قرارات اجتماع الرياض، ستكون سارية المفعول في حال جاءت متوافقة ومنسجمة مع رغبتهما ، وفي غير ذلك سوف تشهد الأزمة السورية تصعيداً خطيراً ، وسيستمر معه ذبح الشعب السوري دون حساب ، ونهب مقدراته.
يمكن القول أن التصعيد الروسي – الإيراني ضد المعارضة السورية ، وعدم استهداف داعش ، وما يحاولون التسويق له من مبادرة أو طرح هو أمر موجه لخدمة المصلحة الروسية أساساً، وتوظيف إيران ومليشياتها الموجودة على الأرض لتحقيق هذه الغاية أيضاً، وعلى اعتبار كونها رأس الحربة في هذا المشروع ، وهذا الحلف يأتي بالشراكة مع بعض الدول العربية، والملفت أيضاً أن هذا الحلف لم يبدل في خياراته ، رغم ما يتلقاه من هزائم وخسائر كبيرة ومتتالية ، وبشكل يومي في الساحة السورية على يد المعارضة البطلة ، كذلك فإن هذا الحلف، لم يُحاول التكيف مع واقع الهزائم كي يطرح تنازلات ذات قيمه للتفاوض عليها مع المعارضة السورية الحقيقية لحماية مصالحه مستقبلاً.
ناهيك عن أن الغرب وأميركا يسلكون الاتجاه ذاته، وكأنهم يريدون أيضاً أن تبقى الأزمة السورية ساحة لاستنزاف الخصوم على حساب شلال الدم السوري الذي يتدفق دون حساب ، وهو أمر مثير للانتباه أيضاً.
الملفت فيما يجري أن الغرب وواشنطن خصوصاً باتت تستمع باهتمام للإملاءات الروسية ، لذا فإن الشروط التي تحاول أن تفرضها تؤكد بأن المفاوضات القادمة بشأن سوريا ستواجه سلسلة متاعب وأزمات ونكسات مما يتطلب من الدول العربية الحريصة على سورية وشعبها التحرك بحزم للوقوف بوجه ما يجري وبقوة لإنقاذ ما تبقى من الشعب السوري ، ومنع موسكو وطهران من التلاعب بمستقبل سورية ووجودها ووحدتها .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 646