قرار مجلس الأمن 2254
انتظر العالم قرار مجلس الأمن في نيويورك رجاء أن يأتيَ بجديد…
روسيا التي حاولت سحب البساط بالحلف الدولي ونقل طاولة المحادثات من جنيف إلى فيينا في 14/11/2015 معتمدة على دعم بعض الدول الأوروبية وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، قد حققت نجاحاً تمثل في جعل محادثات فيينا مرجعاً دولياً يضمن على الأقل بقاء الأسد أثناء التسوية السياسية للأزمة السورية؛ لكن روسيا حرصت على أن يكون ذلك واضحاً ومعلناً أثناء زيارة جون كيري لروسيا ولقائه بلافروف في موسكو.
وكان قد صرح بان كي مون في 31/10/2015 أن إبقاء عملية التفاوض حول الأزمة السورية مرهونةً بمصير الرئيس السوري بشار الأسد أمرٌ جائر وغير مقبول.
السعودية وقطر وتركيا رأوا أن الأمر ليس سحباً للبساط من تحت الحلف الدولي بقدر ما هو سحبٌ له من تحت أرجلهم، فكان مؤتمر الرياض ثم إعلان الحلف الإسلامي العسكري في 15 ديسمبر 2015م.
فصارت الأزمة السورية مرهونةً بثلاثة أحلاف تلتقي في محاربة الإرهاب وتختلف في الأهداف الإستراتيجية.
نصوص قرار مجلس الأمن في مقدمته وفقراته الـ (14) نرى فيها مناوراتٍ كلاميةً وفجواتٍ متعمدةً؛ فنراه في المقدمة يحدد هدف القرار وهو وجود حل دائم للأزمة السورية بقيادة سورية تلبي تطلعات الشعب السوري، ثم يسكت سكوتاً مطبقاً عن مصير الأسد ونظامه.
ثم يحاول يثني على جهود روسيا والسعودية لإرضائهما منوها بمحادثات فيينا ومؤتمر الرياض ومرة أخرى سكوت مطبق عن دور تركيا.
والملاحظ الحشو الضمني؛ وكأنه من المسلمات أن العملية السياسية لا تكون إلا تحت مظلة الأمم المتحدة، وأنه على الجميع التسليم بذلك والالتزام به كما في آخر المقدمة.
المثير للانتباه أمران في غاية الأهمية:
الإشادة باجتماعي موسكو والقاهرة، في محاولة لإقحام مصر وتحييد تركيا. لم تُذكَر إيران لا في المقدمة ولا في فقرات القرار؟
والآن وقفات مع فقرات القرار:
فقرات القرار التي تعتبَر النصوص المرجعية، نرى أن الفقرة الأولى منها تؤيد بيانَي جنيف وفيينا مع إغفال كامل لمؤتمر الرياض.
الفقرة الثالثة:
“القرارُ يعتبر الفريقَ الدوليَ المنبرَ (الرئيسي) الذي يسيِّر الجهود في حل الأزمة”. وهنا ثغرة تداخُل اللاعبين؛ فلو جاءت كلمة (الوحيد) بدل الرئيسي للمسنا جدية مجلس الأمن في حل الأزمة.
لكن أخطر ما في الفقرة (3) الجمل التي بعدها في الفقرة نفسها عن “الدستور ومشاركة الجميع” تفتح الباب للأسد ونظامه أن يكون طرفاً في وجه سوريا الجديدة من جهة، والنافذة المثلى لإنفاذ خطة إيران وروسيا في حربهما الديموغرافية التي ارتكزت على ثلاثة أمور خطيرة جداً، هي: الإبادة، والتهجير، والتجنيس (المجنسون من شيعة العراق ولبنان وإيران…)، طبعاً القرار والبيانات والمحادثات تغفل كثيراً من ذلك بما فيهم قرار مجلس الأمن هذا.
الفقرة الخامسة:
“يُعرِب القرار عن (تأييده) لوقف إطلاق النار”. ومرة أخرى الكلمة مطاطية تفيد التراخي ولو كان حازماً لوردت (إلزام) جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، كما حدث في البوسنة والهرسك.
الفقرة الثامنة:
يبقي تعريف الإرهاب حصرياً لمجلس الأمن دون تحديده رغم أن البيان في الفقرة نفسها يقول “… الإرهاب يعرَّف على النحو الذي يحدده مجلس الأمن”.
في الفقرة (8) أيضاً: “ترحب بجهود الأردن والمساعدة في إيجاد فهم مشترَك للإرهاب”.
أيضاً هناك مؤشر خطير؛ فثمة من وضع فصائل إسلامية يصفونهم هم بالمعتدلين كحركة أحرار الشام وثوارٍ آخرين في صفوف الجيش الحر.
وركز القرار في الفقرة نفسها على “أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضدهم…”.
طبعا يبقى مفهوم “الدفاع والهجوم” ثغرة لفظية تختلف من مدرسة عسكرية لأخرى.
الفقرة (13):
يطالب القرار بوقف إطلاق النار ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد “ذاتها”، يعني أن وقوع ضحايا كآثار جانبية لا مشكلة فيها ومن هنا نفهم معنى التفويض بالقتل لروسيا واستعمال الكيماوي في الغوطة فالحصانة موجودة.
وطالبت الفقرة (13) أيضا الأطراف بالتقيُّد فوراً بالتزاماتها بموجب القانون الدولي والإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. إلى هنا الكلام جميل لكنه تهدمه كلمتان جاءتا بعد هذا الطلب العزيز “حسب الاقتضاء”! وأنا أتساءل ما هي معايير هذا الاقتضاء، وما هو مدى استعداد الأطراف لتبنِّيها والتقيُّد بها؟
في النهاية تأتي الفقرة (14) وتصل بنا إلى وقت تقسيم الكعكة فيقول القرار: “يعرب القرار عن دعمه لتعمير سوريا وتأهيلها بعد النزاع..”.
وهكذا يسدل الستار على أبشع صفقة هدمِ وإعمارِ بلد بأكمله…
ما يمكن فهمه مما سبق أن الفقرات جاءت لتدير الصراع في المرحلة القادمة وتضفي عليه الشرعية ليس إلا، على الأقل إلى حين الموعد القادم لمؤتمر لندن نوفمبر 2016م ليبدأ فصلٌ جديدٌ من القصة.
والتوصيات التي صدرت بين السطور هي:
لا بأس أن تواصل روسيا إبادة الشعب السوري على أن يبدو ذلك أضراراً جانبية غير متعمدة. الإيعاز إلى إيران أن تتراجع مقابل امتيازات في الشمال الإفريقي تتمثلُ في الاتفاقيات الاستراتيجية الخطيرة بين إيران وكلٍّ من الجزائر وتونس. تشجيع مصر لدور أكبر استعداداً لتحمُّل الثلاث ملفات الكبرى التي أوكلها إليها مجلس الأمن. لجنة القرار 1373 المعنية بمكافحة الإرهاب. ولجنة القرار 1518 المعنية بمتابعة نظام العقوبات الخاص بالعراق. ولجنة القرار 1533 المعنية بمتابعة نظام العقوبات الخاص بالكونغو الديمقراطية. الإيعاز إلى بلد عربي بدور استخباراتي أكبر في سوريا والعراق. الإيعاز إلى الكيان الصهيوني والحلف الرباعي الروسي بالعمل أكثر لعزل تركيا ورفع توترها الداخلي. الإيعاز لكل الشركات الأمنية والاقتصادية أن تستعد لوقت الحصاد وتوقيع عقود الإعمار والتأهيل. الإيعاز إلى فرنسا أن تكمل حلفها في الشام مع روسيا بمباركة حاخامات اليهود – كما أعلنوا اليوم – مقابل تأمين خاصرتهم في ليبيا، وإرسال ألمانيا حوالي 650 جندياً لإسناد فرنسا وتخفيف الضغط عنها في مالي أمرٌ معلن.
ومن أسواق جنيف 30/05/2012 وصولاً إلى زقاق مؤتمر لندن نوفمبر 2016 يبقى مشروع الإبادة والهدم هو الأكثر رواجاً والأقدر على إسالة لعاب تجار الحروب لينسجوا قصة من تراث الشر يُهدَم فيها بلد بأكمله على رؤوس أهله وبكل أسلوب “حضاري”، وفقاً للمبادئ “المتقدمة” عدا القيم الإسلامية “الإرهابية”.
الكاتب و الباحث: رضا بودراع الحسيني
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 648