دولة المخبر السري
قال الرسول (ص) " لعن الله المثلّث"! قيل: وما المثلّث يا رسول الله؟ قال: الذى يسعى بجاره إلى سلطانه، فقد أهلك نفسه وجاره وسلطانه". (الفاضل/17). وهذا ينطبق على المخبر السري في دولة القانون التي يمكنك أن تعثر على أي شيء فيها بإستثناء شيء واحد وهو القانون، فلا تتعب نفسك بالبحث عنه.
كان الشرع الإسلامي شديدا مع القضاة إبتداءا من شروط إختيارهم إلى أدق تفاصيل عملهم، وهذا يفسر سبب رفض كبار العلماء المسلمين منصب القضاة رغم أهميته ومنزلته العالية بين الناس. خشية من الله وتيمنا بقوله الله تعالى في سورة النساء/58 (( وإذا حكمتم ببين الناس أن تحكموا بالعدل)) التي صارت أساس الحكم ومن أمهات الآيات. قال الإمام الشوكاني" هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع والعدل هو: فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد ، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه، وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص".
وضع المسلمون الأوائل شروطا صعبة لمن يتولى مهمة القضاء، لا يتوفر شرط واحد منها في قضاة عراق اليوم! من هذه الشروط، أن يكون حافظا لكتاب الله، أو يعرف كل ما فيه من أحكام على أقل تقدير، وأن يتمسك بكتاب الله في أحكامه، وأن يكون عالما بأمور الفقه والشريعة ويصل إلى مرتبة الإجتهاد، وأن لا يسعى لمنصب القضاء بل يُطلب منه توليه، أن يكون بعيدا عن الأهواء والميول الشخصية، لا يقبل الرشوة والمحاباة وموالاة الحكام، علاوة على بقية الصفات المتعلقة بالشخصية كالذكاء والفطنة والسلامة العقلية والجسدية والذهن الحاضر، والقدرة على التحليل والإستنباط وغيرها.
لذا يمكن الجزم بأن قضاة العراق أبعد ما يكونوا عن هذه الشروط المعقولة، فهم من نتاج بول ... بريمر والعملاء، هذا ما يقوله واقع الحال وليس نحن فحسب. لذا ليس من المستغرب ان يستشهد القاضي العراقي محمود الحسن بالقول (العدل أساس الملك) ويعتبره نصا من القرآن الكريم! علما أن هذا القاضي الهزيل سبق ان وزع سندات أراضي للناخبين شريطة إنتخاب المالكي، وتبين انها غير صحيحة وعوقب عن جريمة التحايل على المواطنين بغرامة مالية! هذا القاضي من أبرز القضاة على الساحة اليوم. وزميله القاضي ماجد الأعرجي، الذي حكم في قضية سبايكر، وأغرب ما في مسرحيته القضائية إنها خلت من المحامين والشهود! بل أن احد المتهمين إعترف بأنه قتل (1000) من الجنود في معسكر سبياكر، والله أعلم ما الذي تعرض له هذا المتهم المسكين ليقدم إعترافا غير معقول يثير الشفقة عليه وليس التهمة! الأغرب منه إن (6) من المحكومين بالإعدام من ما مجموعه (24) محكوم ـ جميعهم من أهل السنة بالطبع ـ كانوا غير موجودين أصلا في سبايكر عند الهجوم وتنفيذ المجزرة! كما مُنع المتهمون من توكيل محامين عنهم بحجة ان الجريمة ثابتة عليهم! وعندما طلب أحد ذوي قتلى سبايكر أعدامهم دون الحاجة إلى محاكمة! طمأنه قاضي آل البيت بقوله" اصبر علينا شوية وخلي الشغلة تمشي"! وكانت لغة القاضي في المحكمة طائفية ولغة أولاد الشوارع ممن تربوا في المباغي وعلب الليل. وقِس على ذلك بقية القضاة!
أعلن أوزير العدل حيدر الزاملي، عن اعتقال أكثر من 500 مخبر سري وتقديمهم للمحاكمة بعد توجيه تهمة (الإدعاء الكيدي) إلى قضاياهم، قال الزاملي في مقابلة مع السومرية، إن " أكثر من 500 مخبر سري تم إلقاء القبض عليهم مؤخرا وتقديمهم للمحاكمة بعد توجيه تهمة الإدعاء الكيدي إلى قضاياهم"، لافتا إلى أن " أحكام الإعدام والقضايا الموجودة في مجلس القضاء الأعلى التي تتضمن وجود مخبر سري يتم تدقيقها بشكل مركز". وعندما سئل بشأن وجود سجناء قضوا شهورا في المعتقلات دون أن تتم محاكمتهم، أكد الزاملي، أن " جزءا من هذا الكلام صحيح، وهناك خط تعاون مع مجلس القضاء الأعلى بهذا الصدد". مضيفا "هؤلاء كانوا موجودين في معتقلات الاحتلال الأميركي، وعند خروج الاحتلال تبين أن مجموعة منهم لا يملكون أوامر قضائية وتم إيداعهم في السجون من دون ملفات". وتابع الزاملي، أن "مجلس القضاء الأعلى سيرسل لجنة من القضاة لبحث ملفات هؤلاء الأشخاص، وإذا ثبت أن السجين غير مستكمل لأوراقه فسيتم إطلاق سراحه مباشرة".
سبقت هذه الوجبة من المخبرين الأفاكين وجبة سابقة تضم (498) مخبرا سريا. وهذا يعني إن حوالي (1000) مخبر سري كان يكيدون للناس بوشايات كاذبة. ولو إفترضنا أن الواحد منهم قد أوشى بعشرين ضحية لكان عدد المعتقلين (30000) بريئا! حسنا نسأل الوزير وماذا عن ضحايا هؤلاء المخبرين الكاذبين؟ فيهم من أعدم، أو أغتصب هو أو زوجته أو أخته أو إبنته، ومنهم من تعرض الى تعذيب وعوق، ومنهم من قضى سنوات في الإعتقال قبل أن يكتشف قضائكن الحكيم التهم الكيدية؟ وما هو موقف الوزارة من مطالبة النواب الشيعة من شمول المخبرين السريين بالعفو العام دون إعادة محاكمتهم مرة أخرى.
ولو إفترضنا جدلا ـ وهذا ما لم يحصل أو يحصل مستقبلا ـ بتعويض الأحياء منهم، فكيف ستم التعويض؟ هل حسب سنوات الإعتقال. او حسب نسبة التعذيب؟ اوحسب نسبة العوق في أجسادهم؟ وماذا بشأن من أعدم، او أغتصب داخل السجون؟ هل سيتم التعويض حسب عدد مرات التي أغتصب بها؟
ثم اليس من حق الضحايا معرفة المخبرين السريين الذي كادوا بهم زورا وبهتانا ورموا بهم في غياهب السجون؟على أقل تقدير أن يوضحوا للمحكمة علاقتهم بالمخبر الذي أوشى بهم، او يطالبون بالفصل العشائري لتعويضهم عما فشلت الحكومة في تعويضه عن التعذيب والإعتقال الذي حلٌ بهم!
وكيف سيكون الحكم على المخبرين الكاذبين؟ هل حسب عدد ضحاياهم الأحياء؟ او حسب ضحاياهم الأموات؟ هل توجد دولة في العالم تأخذ بوشايات المخبرين دون التدقيق بها كما بينت في معرض كلامك" يتم تدقيقها بشكل مركز"؟ ولماذا لم تدقق في السابق. هل أرواح العراقيين رخيصة عندكم لهذه الدرجة؟ وماذا بشأن القضاة الذين لا يعرفون بأن هناك ربٌ في السماء يراقب أعمالهم، فحكموا على الضحايا وفقا لوشايات المخبرين السريين؟ هل ستتم مراجعة أحكامهم؟ الا يستحق هؤلاء أيضا العقوبة لأنهم حكموا بموجب تهم زائفة ولم يتأكدوا منها؟ هل هذه دولة القانون التي تدعونها أم هذه دولة الفوضى والظلم والكذب والدجل؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَ) " الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّار، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ". ولا أظن القاضي الثالث موجود في العراق!
طالما أن المخبرين على هذه الشاكلة فلماذا الإستمرار بعمل قانون المخبر السري؟ لماذا لا تلغون هذا القانون الجائر؟ لماذا لا تلغون حصانة المخبر السري على أقل تقدير، وأن لا يكون شبحا، لا يمثل أمام القاضي ولا يحضر الجلسة، جاسوس مجهول، وظالم مجهول يحمية القانون في دولة القانون. إن كان عمله وطنيا والغرض أن يكشف الإرهابيين ويقدم معلومات عنهم! فلماذا التستر عليه؟ اليس هذا ما يقوم به رجال الأمن والمخابرات علنا؟ أم لأن الأمر بنكهة طائفية مقززة لذلك يستمر العمل به؟
يذكر الوزير عن بعض المعتقلين" هؤلاء كانوا موجودين في معتقلات الاحتلال الأميركي، وعند خروج الاحتلال تبين أن مجموعة منهم لا يملكون أوامر قضائية، وتم إيداعهم في السجون من دون ملفات". هذا يعني إن المعتقلين قضوا في السجن أكثر من 12 عاما، لأنه في 24/6/ 2004 سلم بريمر الملف الأزرق (ملف السيادة) الى الحكومة العراقية، وتحولت مسؤولية السجون العراقية والعرب الى الحكومة العراقية. بل أن آخر سجين قبل الإنسحاب الأمريكي كان المعتقل اللبناني على موسى دقدوق.
فأين كانت وزارة العدل عن هؤلاء السجناء طوال هذه الفترة؟ طالما إنه لا توجد لهم أضابير في الوزارة. هل تدقيق قضاياهم يحتاج الى (10) عاما للتأكد من برائتهم؟ أي منطق يحكم وزارة العدل، إنها تحمل الأمريكان جريمة إعتقالهم لعامين بلا تهمة! وتتغاضى عن جريمتها بإعتقالهم عشر سنوات بلا تهمة! كلام الوزير يذكرنا بقصة صائد كان يصيد العصافير في يوم بارد، وكان يذبحها، ودموعه تسيل من البرد، فقال عصفور لصاحبه: لا عليك من الرجل، أما تراه يبكي علينا؟ فقال له الآخر: لا تنظر إلى دموعه، وانظر إلى ما تصنع يده.
وسوم: العدد 648