إيران بعد خامنئي: الحرس الثوري سيحسم الاختيار
الخبر المؤكد أن خلافة خامنئي باتت الآن تُطرح على العلن في وسائل الإعلام ، وبهذا كسرت دولة الولي الفقيه أحد أهم محرماتها السياسية بعد أن أدرك صناع القرار السياسي والعسكري والأمني في إيران ضرورة البحث في البدائل على الفور؛ لأن المرشد خامنئي في نهاية المطاف سيرحل وسيغيب عن المشهد السياسي الإيراني بعد تطور مرض السرطان الذي يعاني منه ووصوله إلى الدرجة الرابعة ،حيث وصلت حالته الصحية إلى مرحلة اللاعودة ، ولا تريد مؤسسات صنع القرار حدوث الفراغ الدستوري والقانوني بشكل مفاجئ.
التساؤل المهم والمحوري هل تجري الاستعدادات فعلاً لخلافة خامنئي ؟ ومن هي الشخصيات المرشحة لتسلم هذا الموقع المحوري والأساسي في النظام الإيراني ؟ وكيف سيتم إيجاد آلية تتفق عليها مؤسسات الدولة والثورة لاختيار المرشد ؟ وهل يمكن أن يؤدي رحيله فجأة إلى تفجر الخلافات داخل النظام الإيراني في حال عدم الاتفاق على من سيخلفه ؟ و ما هي تبعات رحيل خامنئي على البيئة الإيرانية الداخلية والخارجية ؟ .
بداية أثبتت التجربة التاريخية فشل خيار انتخاب نائب المرشد استناداً إلى تجربة آية الله منتظري في الوقت الذي كان فيه خميني على قيد الحياة ، وبالتالي فإن مسألة انتخاب نائب للمرشد أو خلفا له في حال مازال خامنئي على قيد الحياة تعتبر مستبعدة تماماً على ضوء ما سبق .
ولذا ستحاول مؤسسات النظام الإيراني ؛ لا سيما الثورية على الأرجح ضمان بقاء أية محاولة قيد التخطيط لفترة ما بعد خامنئي دون الإعلان عن نائب له ، وستبقى عملية الاختيار وراء الأبواب الموصدة ، وذلك بجعل هذا الوريث غير معلن عنه في الظرف الحالي في حال الاتفاق عليه . الفرضية الأخرى: بدا أن الحراك السياسي الإيراني يثير موضوع البحث عن شكل آخر لمنصب القائد من خلال الترويج لفكرة مجلس القيادة ، وهذا الأمر لن يتحقق دون إجراء تغيير على الدستور إذا اعتقدوا أنه سيحمي مصالح الدولة والثورة ، وهذا ربما سيكون في أثناء فترة انتقالية محددة في حال عدم التوافق على شخصية معينة لخلافة خامنئي ، ولحفظ التوازنات بين مختلف المؤسسات ، وبشكل يحقق مصالح الجميع . وقد اتسم النظام الإيراني بالتكيف والمرونة من خلال استجابة النظام لأزمة الخلافة في عام 1989 بتغيير الدستور الإيراني الذي لم يُعد مقدساً وفق أخطر تعديلات جرت عليه بعد الثورة ، مما سمح لرجال الدين من الدرجة الثانية بالتأهل لمنصب المرشد الأعلى الذي يعتبر حسب التصور الإيراني قائداً للأمة الإسلامية ، وسمح لوصول خامنئي على الرغم من عدم كونه مرجعاً معتبراً يُعتدّ به ، وكذلك شملت التعديلات إلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية الذي حلّ مكانه.
بناء على ما سبق بدأ حراك التسجيل لانتخاب مجلس خبراء القيادة ، وتسابقت النخب الإيرانية الممثلة لكافة التوجهات ، لا سيما الممثلة للحرس الثوري والاستخبارات لخوض غمارها ، حيث أنه ومن الناحية الفعلية فإن “مجلس الخبراء” هو المسؤول عن اختيار الخليفة مع مجلس مؤقت – يتكون من رئيس الجمهورية ، ورئيس السلطة القضائية والعضو الأعلم في “مجلس صيانة الدستور” – يتولى مؤقتاً مهام المرشد الأعلى من الوقت الذي يترك فيه خامنئي السلطة إلى تولي خليفته المنصب. وثمة هيئة أخرى رئيسة وهي “مجلس تشخيص مصلحة النظام” التي لديها السلطة لاستبدال أعضاء المجلس المؤقت إذا ارتأت ذلك ، وبعد تقديم المبررات . وعلى الرغم من أن هذه القيادة المؤقتة يمكن أن تبقى في السيطرة والهيمنة إلى أجل غير مسمى ،إلا أن النظام يميل على الأرجح إلى تعيين خليفة حقيقي لخامنئي ، حتى لا تحدث أزمة سياسية أو قانونية ، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه الدولة الإيرانية حالياً .
هل مجلس الخبراء هو المعني بانتخاب “رهبر” القائد فقط ؟
بالتأكيد لا ، فالوقائع العملية على الأرض أثبتت من خلال تجربة اختيار خامنئي أن هناك مؤسسات محددة ، ونخب سياسية وعسكرية وأمنية مؤثرة قد مارست ضغوطا كبيرة على مجلس خبراء القيادة وصلت إلى درجة التهديد بالتصويت لخامنئي حتى يصبح مرشداً ، حيث كثف الحرس الثوري دعمه بشكل كبير، ومن هنا بات من المستحيل والعبث التخيل بأن تسمح هذه المؤسسة لـ “مجلس الخبراء” وحده أن يقرر من سيكون المرشد القادم .
وبغض النظر عن أي من المرشحين للمنصب القادم ليتربع على عرش القمة ؛ إلا أن هؤلاء الذين هم في السلطة حالياً سوف يؤجلون الأمر إلى ما بعد وفاة خامنئي، و تبقى فرضية قيام خامنئي بترتيب أمر خلافته واردة جداً ، بعد التوافق مع الحرس بشكل سرّي وغير مُعلن .
فعلياً مهد خامنئي الأرضية لاختيار المرشد بعد أن نجحت سياساته الأمنية بإقصاء المعارضين المحتملين لتَسَلم زمام موقع المرشد ؛ وخاصة علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان له الفضل بوصول خامنئي لمنصب القيادة ، والرئيس السابق محمد خاتمي الممنوع من الظهور على الإعلام الإيراني ،ومهدي كروبي الصديق السابق لخامنئي الذي ما يزال رهن الإقامة الجبرية حتى كتابة هذه السطور ). ومن الأسماء المرشحة لشغل موقع القائد ضمن طروحات خامنئي الذين مهد لهم الأرضية ” هاشمي شاهرودي، وهاشمي ، ومجتبى خامنئي (نجل المرشد الأعلى الحالي)، محمد تقي مصباح يزدي، وصادق لاريجاني”.
وفي الوقت ذاته أعاد خامنئي رسم المشهد السياسي الإيراني من خلال تعيين عدد من الشخصيات التي تفتقر للتجربة والشعبية، وقد جاء تعيين بعضها مخالفاً لرأي الحوزة الدينية ، كي يضمن صعود هذه الفئة لمواقع متقدمة ، بحيث تصبح هي المعنية باختيار المرشد ؛ وهذه السياسة ستُسهم في إيصال مرشد يفتقر للخبرة والتجربة والكاريزما، وحتى شرط المرجعية الدينية ، مما سيجعله ألعوبة بيد مؤسسات الثورة الإيرانية ؛ لا سيما الحرس الثوري ، الذي كان له دور مؤثر في اختيار المرشد للنخب السياسية والعسكرية والأمنية التي تقود إيران حالياً . وبناء على ما سبق فإن منصب المرشد الأعلى بات منصباً عسكرياً وأمنياً أكثر من كونه سلطة دينية ، نظرا لدور الحرس باختياره .
الملفت في موضوع المرشد القادم هو حرص روحاني على الترشح لمجلس الخبراء ، وهذا يُفهم منه ضمنياً أن الرئيس الإيراني استغل شعبيته لتعزيز موقفه وموقعه ، وخامنئي يدرك أبعاد هذا الترشيح ، وهو فعلياً لا يرغب بأن يتولى روحاني منصب المرشد ، في ظل الشبهات الإصلاحية التي تحوم حوله؛ رغم أن روحاني بدا محافظاً حتى النخاع ، ودخل في مهاترات مع الحرس الثوري في مناسبتين مهمتين ؛ أولهما : عندما طالب الحرس بالتنحي عن السياسة وثانيهما عن الاقتصاد، مما أعتُبر مؤشراً خطيراً سيجعل الحرس يُمارس حق الفيتو المخوّل له ضد شخص روحاني بحكم سيطرته على الدولة والثورة الإيرانية ، والضامن للمرشد القادم بشأن اخماد الاضطرابات الشعبية خلال المرحلة الإنتقالية في حال اندلاعها.
لكن السؤال المحوري ما هو رأي الجيش النظامي وأجهزة المخابرات ومليشيات النظام كقوات التعبئة وحزب الله الأم من خلافة المرشد ؟ .
ربما لا تتحدث هذه المؤسسات بصوت واحد فيما يخص خلافة المرشد التي حان وقتها. بعد أن أصبحت المؤسسات الثورية خليطاً عسكرياً وأمنياً وثورياً ، ويتداخل في عملها السياسة و الاقتصاد ، وجعل منها فصائل متصارعة لديها مصالح مختلفة في العديد من القطاعات والمؤسسات . حيث أنه من المستبعد أن يتمتع المرشد القادم بالسيطرة الكاملة على هذه الفصائل ويدير التوازنات ويحل التناحر القائم فيما بينها، على الرغم من نجاح المرشد الحالي خامنئي بهذا الأمر حالياً .
وبتحليل بسيط لخارطة القوى ، من المرجح أن رحيل خامنئي ، ووجود مرشد جديد سيزيد من احتمالية ميل إيران نحو العسكرة والشمولية في حال أراد المرشد القادم فرض سلطانه ؛ وبالمقابل فإن الاعتماد على الحرس الثوري لتحقيق ذلك معناه جعل إيران في مهب الريح ، خصوصاً في ظل إغفال دور القوى السياسية والاجتماعية ، وحتى بعض الثورية .
وفي ضوء هذه المتغيرات سيكون أول تحد للمرشد القادم هو خلق حالة الإنسجام بين مؤسسات النظام ، وعلاقتها مع بعضها . التحدي الثاني الغياب الكامل لدور الحوزة ولرجال الدين الإيرانيين أساس شرعية الثورة الإيرانية ومصداقيتهم وحتى وجودهم ودرجة تأثيرهم ستكون على المحك بعد أن تركزت الدولة الإيرانية بيد الحرس والجيش والمليشيات الثوريةمنها .
وأما عن السياسة الخارجية في فترة المرشد القادم فإن مقاليد الأمور و إدارة الملفات المهمة ستبقى مركزة بيد “الباسدران أو الحرس الثوري ” ؛لا سيما الأزمات الإقليمية والعلاقة مع الولايات المتحدة ، وسيتجه الإهتمام بشكل أكبر لتبقى المكاسب بيديه ، مستغلاً أكذوبة بقاء اقتصاد المقاومة بيدهم ، وسلب الدولة ومقدراتها تحت هذا الشعار الخادع للشعب الإيراني ، هذا في حال افترضنا ، بقاء الأمور على حالها ، وعدم وجود حالة من التناحر الداخلي نتيجة الفشل في التوافق على شخص المرشد بين مختلف القوى الفاعلة ..
والسؤال الذي يبرز هنا هو فيما إذا كان “الباسدران أو الحرس الثوري” سيعيد تحديد أولويات السياسة الخارجية الإيرانية ، والتهدئة مع الخارج ، ليتفرغ للوضع الداخلي في حال انفجاره ،وهو السيناريو المرجح .
وفي ضوء هذه المتغيرات يمكن أن يُشكل رحيل خامنئي وتسلم المرشد الجديد فرصة تاريخية من نوعها بالنسبة للعالم العربي، نتيجة التطورات الداخلية التي قد تجعل طهران تنكفئ للداخل، وتوقف مشروعها التوسعي ، الطامح لبناء الدولة الإقليمية العظمى المُهدّد، الذي أوجدته إيران نتيجة دور المرشد السابق في صياغة السياسات العدائية للنظام ؛ خصوصاً تجاه العالم العربي .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 648