وينك عنهم، سؤال ينتظر جواب المسؤولين
عشر سنوات من حصار قطاع غزة، عشر سنوات وما زالت غزة تُذبح بسيف الحصار، حتى باتت الدماء تنزف من كل شبر في غزة، المفجوعة بالفقد، الموجوعة بالظلم، يتآمر عليها القريب والبعيد من أجل تصفية حسابات سياسية لا وزن فيه للإنسان ومعاناته.
معبر يمثل رئة التنفس وقناة التواصل لأهالي قطاع غزة مغلق بأمر دولة شقيقة، وكهرباء لا تُرى إلا سويعات ما تلبث أن تنقطع، وآلية إعمار عقيمة تركت آلاف الأسر للشتاء الثاني على التوالي عرضة لهجوم البرد ومداهمة مياه الأمطار، ونقص في الأدوية والمستهلكات الطبية ونقص في الأجهزة الطبية وتأخر في التحويلات الخارجية، ومناكفات في قطاع التعليم بسبب الأزمات السياسية تضع مستقبل الطلبة على المحك، وسوق عمل قد ضاق بمن فيه ولم يعد يتحمل المزيد من الخريجين أو العمال الجدد، فازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً وارتفعت نسبة البطالة والفقر بقطاع غزة.
وسط كل الأزمات والكوارث، وسط غياب بصيص النور أو الأمل في أي حل قريب تاهت فئة ضعيفة مهمشة لا يسمع بها أحد ولا يُعطيها الأولوية أحد، إنهم أفقر الفقراء المنسيين الذين يعيشون في خُص جريد أو بيت من النايلون أو بين جدران وأسقف مهترئة.
بالأمس انطلقت حملة وينك عنهم استهدفت في المرحلة الأولى ومن باب المسؤولية الاجتماعية اطلاع النشطاء الشباب وممن لهم حضور على وسائل التواصل الاجتماعي على الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بصورة عامة، والفئة المسحوقة من الفقراء في القطاع.
جاب باص المغردين قطاع غزة من عزبة بيت حانون شمالاً وحتى الشوكة برفح جنوباً، وبدأ النشطاء ينقلون المعاناة التي يرون كلمة وصورة وفيديو، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات المتاحة، لإيصال صوت المكلومين المسحوقين إلى قادة الفصائل أولاً ومن ثم المجتمع ثانياً ومن ثم المجتمع الخارجي ثالثاً.
كانت الحملة في مرحلتها الأولى تستنهض هِمم الشباب في اتجاه اتخاذ دورهم في المسؤولية الاجتماعية وضرورة المشاركة في إنقاذ ما يمكن انقاذه ومحاولة تغيير حياة المواطنيين الفقراء في قطاع غزة.
المشاهد الصادمة، ودموع النساء والإحباط البادي في وجوه الرجال كان كفيلاً بأن يستثير الشباب ليضاعفوا من حماسة العمل في اتجاه تغيير الواقع، ونقل المعاناة.
كانت المشاهدة الأكثر تأثيراً في محافظة الشمال رجل قد تزوج وضاقت به سبل العيش مع عائلته وأطفاله ولا يوجد متسع في بيت العائلة، تنقّل بين ايجارات البيوت حتى لم يستطع السداد، فاحتوته عائلة زوجته، إلا أن عائلة الزوجة ليسوا بأفضل حال فرتّبوا على عجل سقف زينكو وجدران زينكو خارجية، وقام بتقسيم المساحة الفارغة بالقماش والنايلون، كانت دموعه التي تسبق كلماته تجعلك تقف محتاراً فيما تفعل، وصوت بكاء طفلته يجعلك تتخيل كيف لها أن تنام في ظل برد قارص لا يرحم طفولة ولا يعرف بأنه يجب أن يكون بهم رحيماً.
ولكن الأكثر ألماً حين استقبلتنا حاجة كبيرة في السن بالابتسامة والترحاب ثم مالبثت أن غمرت الدموع عينيها وهى تتحدث عن مأساتها، أحد عشر فرداً يعيشون في غرفتين وربّ الأسرة مقعد، الثلاجة في غرفة النوم التي هى عبارة عن حاوية ملابس فقدت خاصية التبريد وعطلت فتم تحويلها لخزانة ملابس، تشتكي من الغرق كلما أمطرت الدنيا، لا أبواب لا شبابيك، بيت آيل للسقوط.
وحين تظن أنك قد شاهدت مالم ترى من قبل ومالم يخطر على بالك، تُفاجىء في منطقة القرارة بمنطقة بين خانيونس ودير البلح عائلات خارج التغطية، خارج هذا الزمن، فهذا قد قام بتجميع جريد النخيل وغلفه بالنايلون فأنشاء غرفة لأولاده وحمام وغرفة نوم تستره عن أعين الناظرين، ولكنه يضطر كل يوم لقتل عقرب أو ثعبان يداهم أطفاله في خُص الجريد.
يقول وُعدت بأن يتم بناء مسكن لي ولكن تنقصني الأرض فهذه ليست أرضي، الأراضي هناك رخيصة جداً ويمكن لمن يود المساعدة شراء أرض له ويستطيع آخر البناء له عليها.
حمَّامه الذي هو عبارة أيضاً عن خُص من الجريد لا يملك فيه ما يستطيع تدفئة الماء إلا عبر إيقاد النار أو في حين وصول الكهرباء استخدام تريموستات سخان ليقوم بتدفئة الماء في جردل من البلاستيك ولك أن تتخيل أن أي طفل من أطفاله سيكون عرضة لفقد حياته في حال لامس الماء.
المشاهدات والمآسي لا تنتهي، وقد عاينت الحملة العديد من الحالات المشابهة، تعجز عنها الكلمات وتتوقف حتى الصورة عن القدرة على التعبير.
الحملة أرسلت رسالة بضرورة حماية هذه العائلات وتأمين بيئة اجتماعية وإنسانية سليمة تُمكِّنهم من التفاعل وخوض معترك العمل والإنتاج، لأنهم يمثلون الخاصرة الرخوة في المجتمع، وهم بيئة خصبة للاستهداف والاسقاط من قبل العدو، ناهيك أنه يمكن أن يتحولوا إلى معاول هدم في المجتمع إن لم يتم توفير المقومات الأساسية للحياة لهم، فبعضنا لا يستطيع أن يستغني عن بعض الكماليات ويجد الدنيا قد ضاقت به إن خسر شيئا من المال، فما بال من لا يملك من يخسره.
الحملة أرادت الوصول إلى حالة من التلاحم والترابط الإنساني والمجتمعي مع هذه الفئات لحمايتها أولًا ومن ثم مساعدتها لتفجير طاقاتها لخدمة الوطن الذي ينتمون إليه، وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم ومطالبة الطاقات المالية في قطاع غزة من أصحاب الاستثمارات وأهل الخير لتوجيه مساعداتهم لهذه الفئات وعدم تركها وحيدة تُعاني بانتظار أموال الإعمار التي بالأساس ليس لهم منها نصيب باعتبارهم فقراء يملكون ما يُشبه البيوت ويعيشون في ظروف بيئية غير صحية.
إن تكاليف ترميم البيوت وجعلها مناسبة للسكن يتراوح بين 5 آلاف دولار للبيوت التي تحتاج فقط إلى ترميم الأجزاء المهترئة منها كالأسقف والجدران وغرف المعيشة، وأحيانًا تزيد إلى 20 ألف دولار للبيت الواحد وهي تكلفة البناء والتأسيس والتجهيز بظروف صحية وبيئة مناسبة للآدميين، إن تلك التكاليف تُغيِّر حياة آلاف الأسر، وهى أولى من بناء المساجد والملاعب المُعشَّبة والدورات التثقيفية ذات العلاقة بالتمكين السياسي والجندرة وحقوق الانسان، فتوفير مقومات الحاجات الأساسية أولى من كل ذلك.
الحملة لم تنتهي بالزيارة ولن تنتهي بالتغريد، الحملة خطوة في إطار حث المجتمع على تبني الفقراء، بالإضافة إلى اطلاع المؤسسات الداخلية والخارجية على أوضاعهم سيتبعها دعوة قادة الفصائل والحكومة بالإضافة لمؤسسات المجتمع المدني لجولات مماثلة من أجل تحمل مسئولياتهم تجاه هذه الفئات الهشة.
وينك عنهم سؤال ينتظر جواب المسؤولين والمجتمع والمؤسسات المحلية والدولية وفاعلي الخير، فكل شخص مطالب بتحمل مسؤولياته تُجاه هذه الفئة المسحوقة المهمشة.
وسوم: العدد 651