الإدارة الأمريكية خذلت السوريين ولكنها لم تكذب عليهم

العاجزون كذبوا على أنفسهم وما زالوا ينتظرون

خمس سنوات تنقضي من عمر الثورة ...

خمس سنوات من القتل والاعتقال والتعذيب والتهجير والتدمير ..

خمس سنوات تمر وأكثر من نصف مليون شهيد سوري ، وعشرة ملايين مهجر ، وخراب أكثر من نصف عمران سورية ، ووقوع سورية ضحية احتلالات أجنبية متعددة الأطراف احتلال لبناني بذراع حزب الله ، واحتلال عراقي بأذرع شيعية متعددة ، ثم احتلال إيراني تمثله دولة إقليمية كبرى وجيش نظامي من جيوشها اسمه ( الحرس الثوري الإيراني ) ، وأخيرا الاحتلال الروسي حيث ما زالت دولة عظمى منذ مائة يوم تدير رحى القتل والتدمير على الأرض السورية ؛ كل هذا والذين انتدبوا أنفسهم لتمثيل هذه الثورة ، والدفاع عن مصالح هذا الشعب ما زالوا على قارعة الشارع السوري يشكون عجزا أو يتسولون عونا أو نصرا ، وكلما سئلوا أو نوقشوا ألقوا العبء واللوم على (الآخر) الذي كان من اليوم الأول جزء من مشكلة الشعب السوري ، وقد عبر عن نفسه بكلام واضح لا لبس فيه ..

بالأمس والأمس هو الثلاثاء / 12 / 1 / 2016 كان السيد رياض حجاب الذي تم تقديمه لقيادة ركب المعارضة ، فيما يدرك كل السوريين أنه مفاوضات عبثية ، بالأمس كان السيد رياض حجاب يشكو من تراجع الموقف الأمريكي تجاه صيرورة المفاوضات ، التي يدبر لها الروس والإيرانيون لكسر إرادة السوريين وقيادتهم عبر مجلس الأمن الدولي للعودة إلى بيت الطاعة الأسدي ، في ظروف تجمع إلى كل ما سبق من استبداد وفساد روحَ النقمة والحرصَ على الانتقام على نحو أبشع بكثير مما يجري على أرض العراق . وعلى الرغم أن الكثير من هؤلاء المسترسلين مع مقدمات المشروع الأسدي – الإيراني – الروسي يقرون بهذه الخاتمة القاتمة التي تراد للسوريين إلا أنهم يظنون أنهم قادرون على المراوغة داخل القفص الدولي بطريقة أجدى وأفضل .

هدف هذا المقال أن يبين لأبناء شعبنا أن الولايات المتحدة التي كان السيد رياض حجاب يشكو منها بالأمس ، والتي ظل الكثير من رموز المقاعد الرسمية في المعارضة يراهنون عليها ، أو يتهمونها ، أو يحملونها مسئولية فقرهم الفكري وعجزهم السياسي ؛ لم تكذب على الشعب السوري أبدا ، ولكن المعارضين العاجزين هم الذين كذبوا على أنفسهم ، وعلى غيرهم . وظلوا على مدى السنوات الخمس كالشحاذ الملحف يقفون بالباب الأمريكي ولا يملون .

قد ينفع أن نقول إن الولايات المتحدة أخلت بمبادئها ، ولم تنصر في سورية مشروع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولكن أي حق للشعب السوري على الولايات المتحدة كدولة أو كشعب يجعله يلزمها بنصرته والوقوف إلى جانبه ودعم ثورته ؟!!!!

في الحق والحقيقة أن الإدارة الأمريكية منذ اليوم الأول للثورة السورية أعلنت وأكدت على لسان كل المسئولين الأمريكيين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي نفسه أنها لن تسمح لهذه الثورة أن تنتصر ، وهو نفس التعبير الروسي ونفس الموقف الروسي ، إلا أن الأمريكيين كانوا يعبرون عنه بطريقة دبلوماسية مطلوة بطبقة من الزبد أكثف : ( لن نسمح للحل العسكري أن ينتصر ) ( لا حل عسكريا للأزمة في سورية ) ( لا بد من الحل السياسي ) والحل السياسي كما عبر عنه الرئيس الأمريكي مرارا وتكرارا هو ( عقد شراكة مع نظام القتل والاستبداد والفساد ) . وتحت عنوان الحفاظ على مؤسسات ( الدولة السورية ) كان الأمريكيون يعلنون دائما تمسكهم بالمؤسستين الأشد توحشا وقسوة في سورية المؤسسة العسكرية التي لا يليق أن تسمى جيشا ، ومؤسسة الرعب التي لا يليق أن تسمى أمنا . لأن هاتين المؤسستين في حقيقة الأمر تظلان موضع ثقة نظيراتها الأمريكية ، وأدواتها التي تفرض من خلالها سيطرتها على سورية ، والتي لا تستغني في بلد مثل سورية عنهما ..

ومنذ وساطة كوفي عنان ثم الأخضر الإبراهيمي ثم ديمستورا بشكل أوضح كانت العملية ( التفاوضية ) الموعودة أو المنشودة تتم بالشروط الأسدية نفسها ، ثم تدعمت الشروط الأسدية بالشروط الروسية والإيرانية والمعارضون ( المتفرجون ) أو ( المنتظرون ) مستسلمون للقدر الأمريكي لا يحاولون منه مهربا ، ولا يبغون دونه مخرجا ، ولا عنه بديلا ..

ما الذي تغير في معطيات المشهد الأمريكي ... ؟! 

حتى لا يختبئ أحد اليوم راء حفلات اللطم والنواح واستشعار الصدمة من جديد الموقف الأمريكي ؛ نكرر بكل وضوح وحسم نعم إن الأمريكيين خذلوا مشروع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ، ولكنهم لم يكذبوا على السوريين أبدا ، لم يعدوهم بنصرة ، ولا بخلاص ، ولا بحرية ، ولا بكرامة ولا باستقلال ثان ، ولا بدولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة ..الأمريكيون لم يفعلوا ذلك ، وهم غير مسئولين عن حلم الحالمين ، ولا عن تأميل المؤملين أو تكاذب المتكاذبين .

خمس سنوات مرت و( السوريون السوريون ) ينادون على المتواثبين على المنابر ليبحثوا لهذه الثورة عن بديل . بديل يسدد المسار ، ويختصر الطريق ، ويعصم الدماء ولكن اللاهين ظلوا في ريبهم يترددون. وها هم اليوم يصطدمون بجدار الوهم الذي طالما راهنوا عليه . وتفاخروا في إحراز الانتصارات الكيدية فيه ، في مسلسلهم الذي لم يتوقف قط مسلسل ( قال وقلنا وقلنا وقال ) .

تقول العامة ( جاءك الموت يا تارك الصلاة ) ، فأنى تذهبون ؟! قلنا لهم يوما حتى السفير الأمريكي السابق ( فورد ) استقال احتجاجا على سياسة حكومته في سورية ولكنهم ظلوا بسياسات هذه الحكومة متعلقين ، ووراءها على غير وعد منها لاهثين . وسؤالهم الأصعب اليوم : يذهبون إلى المفاوضات أو لا يذهبون ؟!

إن ذهبوا فماذا سيواجههم ؟! وإن لم يذهبوا فما هي بدائلهم؟! تقول لهم العرب : الصيفَ ضيعتِ اللبن . وتقول النملة للصرصور : أيام الحصايد كنت تغني قصايد

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 651