المؤتمر الدولي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي: تشخيص يكشف ضعف إسرائيل وحجم الإرباك في مؤسستها
أظهرت قراءة جلسات المؤتمر السنوي ل "معهد أبحاث الأمن القومي" في تل ابيب"، التي أجرها مركز القدس لدرسات الشأن الإسرئيلي والفلسطيني الذي يرأسه علاء الريماوي، فجوة كبيرة بين أركان الحكم في إسرائيل، سواء على صعيد القدرة، والقوة، منطق الخطاب، والتباينات بين الأحزاب الإسرائيلية، بل وصولا إلى ضعف في الاسترتيجيات الكلية، عدا عن تراجع في مستوى القيادة السياسية والأمنية بحسب متابعة قسم الشأن الإسرائيلي في مركز القدس للدرسات الإسرائيلية والفلسطينية .
وقال المركز "المؤتمر التاسع لهذا العام تناول قضايا ذات أهمية منها، قواعد اللعبة الدولية في ظل التغيرات الإقليمية، بالإضافة إلى تأثيرات الاتفاق النووي مع ايران على المنطقة وإسرائيل، و تأثيرات تواجد القوى العظمى في الشرق الاوسط، في ظل تعاظم الوجود الروسي وابتعاد الولايات المتحدة عن تفاصيل الأحداث وصناعتها بمستويات واضحة.
بالإضافة إلى مواجهة الاسلام السلفي الجهادي وموجات التطرف في المنطقة، والحالة الأمنية في الشمال وقوة حزب الله، مضافا إلى ذلك قوة حماس وتماسك الجبهة الجنوبية، عدا عن الضفة الغربية والواقع الأمني في الأرض الفلسطينية".
من جانبه قال رئيس قسم الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد المشرف المعد للقراءة " تركزت كلمات الشماركين، وحواراتهم، حول المخاطر التي تواجه اسرائيل في ظل العديد من المتغيرات".
وأضاف أبو عواد" من القضايا التي برز تناولها من قبل المتحدثين في المؤتمر، تعاظم قوة تنظيم الدولة الاسلامية، والملف النووي الايراني والصراع مع الفلسطينيين، وخطر حزب الله من الشمال وحماس من الجنوب".
ومن بين الشخصيات التي تحدثت بحسب رصد أبو عواد الجنرال جون الون، الرئيس الاسبق للائتلاف الدولي لمكافحة الدولة الاسلامية قائلا" إننا نتجه نحو مرحلة عالمية الدولة الاسلامية وتوسعها كجزء من الصراع العالمي".
وأضاف ألون"يوجد ثلاث أطر للدولة الاسلامية، القلب ومركزه سوريا والعراق، الارساليات، التنظيمات المتضامنة مع التنظيم وانتشارها في العالم ، الشبكة التي تربط بين القلب والاطراف والتي تدفع بالكثيرين للانضمام للتنظيم.
وتابع ألون "إن الائتلاف الدولي انتبه منذ البداية بأنه يجب استهداف الدولة الاسلامية، معتبرا ان البغدادي تحلى بالذكاء عندما قام عام 2014 بإعلان الخلافة والتي حولت داعش الى كيان دولي". وأشار ألون" اليوم يوجد العديد من الجهود للنجاح في مواجهة التنظيم، وليس صحيحا أن داعش لا توجد على رأس الأولويات، لذلك يجب تجميع كل قيادات العالم لنقاش الية مواجهة الدولة الاسلامية، وعلى رأس المشتركين يجب أن يكون العرب لأن هذه مشكلتهم بالتحديد، وعلينا أن نفهم كيف تعمل شبكة التنظيم، وكيف تتوسع وتنتشر، كان الاعتقاد عندما تدخلت روسيا في سوريا أن تساهم في القضاء على الدولة الاسلامية، واضعاف الاسد، لكن هذا لم يحدث، فيما يتعلق بإسرائيل كلا الخياران سيء، سواء الدولة الاسلامية أو الاسد لكن على اسرائيل أن تتجهز لكليهما بالتوازي".
من جانبه اعتبر رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي جادي ايزنكوت" إن إسرائيل تواجه العديد من التهديدات، أبرزها تهديد حزب الله، بعد أن استطاع اعادة بناء قوته وتسلحه منذ العام 2006، وفي ظل سعي حسن نصر الله للسيطرة على لبنان".
التهديد الثاني من وجهة نظر ايزنكوت هو ايران التي تسعى للسيطرة على المنطقة من خلال حزب الله ونظام الاسد والعديد من الميلشيات الشيعية في المنطقة، حتى في غزة تسعى ايران للتأثير ودفعها لمواجهة اسرائيل".
ختاما تحدث ايزونكت" عن التهديد القادم من غزة، معتبرا انه بعد عقد من الهدوء في الضفة الغربية تعتبر الساحة الفلسطينية التهديد الاكبر على المدى القريب، وهذا يتطلب تفكير عميق وتواضع في فهم الآخر، كثير من الأمور لا يمكن فهمها ومقلقة جدا، حيث عمليات الطعن غير متوقعة من البداية ومتأثرة من المحيط، في غزة وبعد حرب تسوك ايتان التي استمرت 51 يوم، والتي الحقت اضرار كبيرة للطرفين(للفلسطينيين بشكل اكبر)، نعم سنة 2015 كانت الاهدأ، لكن حماس بدأت بإعادة قوتها والاستعداد لجولة قادمة".
من جانبه "اعتبر موشيه يعلون وزير الدفاع الاسرائيلي وفي رد على قائد أركان الجيش الإسرائيلي، إن إيران على رأس اعداء اسرائيل منوها الى أنه لو خير بين إيران وداعش لاختار ايران كعدو أول لإسرائيل، وأن الحكومة الاسرائيلية تقف بشكل قوي في مواجهة " الارهاب الفلسطيني" منوها انه لا داعي لعملية سور واقي 2، حيث ان اسرائيل وفق تعبيره تستطيع الوصول الى أي مكان لاعتقال " المخربين " بما في ذلك المستشفيات".
وأوضح يعالون إن هناك عدد من الدول العربية والتي على رأسها السعودية والامارات والتي يوجد لإسرائيل معها مصالح مشتركة في ظل وجود عدو واحد ألا وهو إيران والإخوان المسلمين، وعلينا العمل على ايجاد صيغة من التعاون مع هذه الدول".
فيما اعتبر السفير الامريكي دانيال شفيرو" أن الإرهاب هو التهديد المركزي الأكبر وعلينا ايجاد طرق لمواجهته، وفيما يتعلق بالملف الإيراني اعتبر شفيرو، انه يوجد خلاف بين اسرائيل والولايات المتحدة ، لكن الهدف متشابه، منع ايران من امتلاك سلاح نووي، كذلك تمتلك الولايات المتحدة لنفسها حق استخدام العقوبات الاقتصادية، مضيفا أن التعاون الامني الامريكي الإسرائيلي لم يكن في تاريخه مثل اليوم رغم وجود الخلافات حول بعض القضايا".
أما الرئيس الاسرائيلي روبن ريبلين، "اعتبر ان الجهاد السلفي الموجود داخل اسرائيل هو التهديد الاكبر، معتبرا ان هذا الفكر موجود بالقرب من العرب في داخل اسرائيل، وقال ان جزء من العرب في الداخل يعانون من موجة تطرف ديني، والاسرائيليين لا يفهمون مدى تقبل الجيل الشاب لداعش، حيث الاسلام الراديكالي استطاع ان يستقطب المزيد من المؤيدين".
ومن بين أبرز المتحدثين أيضا كان نفتالي بنت زعيم حزب البيت اليهودي الذي انتقد طريقة تعامل إسرائيل مع الملفات، حيث قال "نحن ننجر وراء هذا الواقع المعقد، ورغم التغيرات الكثيرة في المنطقة نحن نعتقد ان وضعنا مثالي، حزب الله يزداد قوة واوقفنا الحرب مع غزة دون اتفاق، من حولنا موجة التطرف آخذة في الازدياد في الاردن ومصر، اضافة الى تعرضنا لنقد دولي واسع".
واردف بنت "إن أعداء إسرائيل فهموا انه لا يمكنهم الانتصار عليها في ساحة المعركة، لذلك ادخلوا مركبات جديدة في التعامل، واسرائيل بقيت في الخلف. " علينا ان نتسلح بأفكار جديدة وليس فقط بالسلاح، الطائرة الحربية الجديدة لن تستطيع مقاومة النفق، والقانون الدولي لا يسمح باستخدام كل انواع السلاح، ومن يتجدد في النهاية سينتصر".
في حين اتجه يائير لبيد- زعيم حزب يوجد مستقبل " يش عتيد " المعارض- اتجاها اخر في توصيف التهديدات التي تحيق بإسرائيل، معتبرا ان تراجع يصوره اسرائيل العالمية تعتبر تهديدا كبيرا، وعلينا استعادتها من خلال سياسات خارجية متوازنة، مضيفا اننا نعيش اليوم في عالم مليء بالإرهاب، لا تستطيع الدبلوماسية مواجهته بطرق اخلاقية، بل بطرق استراتيجية استخباراتية.
وتطرق لبيد لوزارة الخارجية الاسرائيلية، معتبرا ان عليها علاج امور مر عليها عقد من الزمن، ومنها ابتعاد الجيل الصغير في الولايات المتحدة من اسرائيل، وحركات المقاطعة لإسرائيل وغيرها، معتبرا ان وزارة الخارجية لا تقل اهمية عن الامن، وعلى اسرائيل تأهيل العديد من الدبلوماسيين ليقوموا بالمهمة.
أما وزيرة الخارجية السابقة تسيبي لفني وزعيمة حزب الحركة "هتنوعا" المعارض، فقد اعتبرت أن اهم ما يجب ان تقوم به اسرائيل ايجاد حل سياسي مع الفلسطينيين، مضيفة انه يجب علينا العمل مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن الذي يؤمن بالسلام".
وأوضحت لفني "لن يكون هناك سلام في المنطقة وفق قولها من دون سلام مع الفلسطينيين، ابقاء الصراع مفتوحا معناه استسلام للإرهاب وليس صراعا به، مضيفة اننا لا ندير الصراع بل الصراع هو من يديرنا، اسرائيل الان تفتقد الى الرؤية واستمرار الامور على حالها من دون اتفاق سياسي معناه دولة ثنائية القومية، وحينها لن تكون اسرائيل لا دولة يهودية ولا ديموقراطية. وعند حيثها عن موجة "الارهاب" – الانتفاضة الفلسطينية- قالت انه يجب اتخاذ العديد من التدابير لإيقافها، منها الدعم الاقتصادي وتسليم مناطق".
ومن بين المتحدثين أيضا القيادي المتمرد في حزب الليكود جدعون ساعر حيث أكد ان الوقائع في الشرق الاوسط تشير الى تغير قواعد اللعبة، واستمرار الاحداث في سوريا معناه زيادة موجات الارهاب في اوروبا وفي دول المنطقة، الشرق الاوسط هو اساس ازدهار الأيدولوجيات وعلى رأسها الاسلام المتطرف على حد تعبيره.
وأضاف على اسرائيل ان تكون فعالة وليس فقط في داخل حدودها بل أبعد من ذلك، وفحص امكانية عمل اتفاق سياسي اقليمي مع الاردن ومصر لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بأفكار جديدة مع ان النجاح غير مضمون.
اما زعيم المعارضة وزعيم المعسكر الصهيوني "همخنيه هتسيوني" يتسحاك هرتسوغ، فقد اعتبر ان الحل السياسي هو الامثل لإيقاف الانتفاضة الفلسطينية، معتبرا ان التنازل عن المناطق المحيطة في القدس كجبل المكبر والعيسوية، هي الضامن الابرز لأمن اسرائيل ولوحدة القدس، ففي نفس الوقت الذي علينا ان نعمل به مع العديد من الاطراف لمواجهة التحديات في الشرق الاوسط والتي منها الارهاب والملف الايراني وبناء نظرية امنية لمواجهة الاسلام المتطرف، وعلينا كذلك الوصول الى حل سياسي مع الفلسطينيين والانفصال عن الفلسطينيين في اطار حل دولتين، اعتقد هرتسوغ انه لم يمت، ولم يفوت هرتسوغ الفرصة في التهجم على رئيس الحكومة معتبرا ان على اسرائيل قبل الانفصال عن الفلسطينيين الانفصال عن بنيامين نتنياهو.
في تحليله للخطاب قال أبوعواد" لم يختلف الحاضرون والمتحدثون حول المخاطر التي تواجه اسرائيل، والتي على رأسها مخاطر داخلية كالانتفاضة الفلسطينية وتعاظم قوة حماس في غزة، أو التغيرات الاقليمية وزيادة قوة التنظيمات الجهادية، اضافة الى الملف النووي الايراني، ورغم انه كان واضحا ان الخطابات في المؤتمر تحولت الى منصات خطابية تصلح احيانا للدعاية الانتخابية، لكن ذلك لم يخفي عمق الازمة الامنية التي تحياها اسرائيل في ظل عجزها عن مواجهة انتفاضة تطلق عليها هي انتفاضة افراد، وعبرت وعلى لسان رئيس هيئة اركانها ومن قبله رئيس وزراءها انه لا يوجد حل سحري لتلك الاحداث، فقد بدى جليا أن اسرائيل تبني نظرياتها الامنية في الفترة الحالية بالاتكال والاعتماد على الاخرين من خلال الولايات المتحدة ومواجهة الملف النووي الايراني، واحيانا من خلال الأمل ان تحقق لهم روسيا ما لم يستطيعوا تحقيقه في تفتيت سوريا، والتلويح الى امكانية التعاون مع الدول العربية في سبيل الوصول ال حل للقضية الفلسطينية على اسس جديدة لا تشمل التنازل عن مناطق جوهريه.
من جانبه قال مدير مركز القدس علاء الريماوي" كشف المؤتمر سلسلة من التصورات المهمة عن إسرائيل أهمها.
أولا: البيئة الأمنية: توحد الخطاب حول اشكال الخطر المحيط بإسرائيل سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي، لكن الأهم أن البيئة الإسرائيلية بحسب تصورات عنها كلها مخاطر تحدق بدولة الكيان، مما خلق انطباعا لدى المتابعين في إسرائيل أن حجم المتهديدات يحتاج إلى شن حروب أربعة لإزالة الخطر.
ثانيا: تباين في سلم الخطر: هذا التباين كان واضحا في ترتيبات الأولويات بين القيادات الإسرائيلية، حول الأخطار المحدقة بالكيان ، حزب الله، أم إيران، التنظيمات الجهادية، العلاقات الخارجية أم الحالة الأمنية في الأراض الفلسطينية أم مقاومة غزة.
هذا الأمر شكل نوعا من التباينات بين بين مؤسسة الجيش ووزارة الحرب الإسرائيلية ذاتها، هذا التباين انعكس على باقي التصورات التي عرضت من قبل المشاركين، لكن الأهم هو ما تعلق بخطة التحرك الإسرائيلية لمعالجة المخاطر على هذه الجبهات.
ثالثا: أوضحت المتابعة الواسعة لجلسات المؤتمر، أن التصورات والحلول، عن الحالة الأمنية والتحديات كانت من مرتبكة من خلال الآتي:
أ. فشل إسرائيل في تقديم رؤية عن شكل تعاطيها في الملف الإيراني، الأمر الذي أفقدها قدرة التأثير المباشر في هذا الملف، خاصة في ظل قناعة الولايات المتحدة بضرورة تسكين هذا الملف.
ب. عجز إسرائيل عن تقديم رؤية واضحة لشكل التعاطي مع الجبهة الشمالية، في ظل ارتفاع مستوى الخطورة القادم باتجاه إسرائيل.
ت. فقدان إسرئيل الوسلية والطريقة لوقف تعاظم قوة المقاومة في غزة، والبقاء في ذات مربعات التعامل عبر سياسة الحصار.
رابعا: أوضح المؤتمر سطحية القيادات الإسرائيلية، واستغلال المنصة من خلال مس شخصي عبر تراشق مسف، أظهر قيادة الكيان كصبية في نظر المجتمع الإسرائيلي.
خامسا: لم يقدم المؤتمر "كريزما" سياسية وأمينة مهمة في الكيان، بل على العكس من ذلك قدم مستويات قيادية مرتبكة، الأمر الذي سينعكس على مستوى القيادات في إسرائيل خلال السنوات القادمة.
سادسا: توقن المؤسسة الإسرائيلية أن المساحة بين الحرب القادمة والفعل الإسرائيلي المطلوب قليل للغاية، لذلك كان حجم التوجس الإسرائيلي كبيرا.
خلاصة : برغم كل ما يقال عن حركة التباين والضعف، إلا أن الكيان يملك أدوات مهمة من البحث، ورصد الحالة المحيطة في ظل شرق ينقسم، على ذاته.
المؤسسة من حيث القوة البحثية، قوية لدى الاحتلال، لكن على صعيد القدرة و التغيير أوضحت السنوات السبع الأخيرة، أن إسرائيل تتراجع من الناحية الاستراتيجية، بل يتراجع معها القدرة على حسم الجبهات.
ويرى المركز في المقابل أن البيئة باتت مهيئة لاحداث تغييرات في الملف الفلسطيني في حال حاولت الأحزاب الفلسطينية استغلال بواعث الاقليم وإن كانت سوداوية الصورة فيها.
وختم المركز" أهم الخطوات التي يمكنها تعزيز القدرة على مواجهة التحديات، خلق منهجية سياسية، تنعتق من أوسلو، وتربط بين المناهج على قاعدة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
وسوم: العدد 653